محمد محمد خير يكتب :وجعٌ في برشلونة.. ألمٌ من السودان!

فريقٌ كان يلمع في سماوات الكرة، وبلدٌ كان يسطع فيما مضى، كلاهما الآن يستعدان للمُغادرة من الباب والشُّبّاك والعصب والمسام والجسد والروح وأنا العاشق الخاسر!

ما يجمع بين برشلونة والسودان في أجندتي أنهما الضفة الأخرى من روحي، وأنهما الآن يموتان أمامي وأنا على قيد الحياة، أليس ذلك وجع (وروني كيف الحي يفارق روحو)?!

ربما أجد عذراً لمحبوبي برشلونة فيما يجري له من مقادير كرة القدم بسبب تقدم سن لاعبيه، وبسبب أنّ جمهوره غائب بسبب “كورونا”، ولكن كيف أجد العذر لبلدي التي ثارت وصممت ومضت وانتصرت وجدّدت دمها واستقبلت الصباح الجديد، لكنها الآن أسوأ مما كانت عليه وأشدّ قتامةً وانسداداً وضيقاً.

ما يجمع بين برشلونة والسودان الآن، هو أن برشلونة يخسر مبارياته بأقدام لاعبيه مثل هزيمته في قادش حين سدّد قلب دفاع برشلونة الكرة في مرمى فريقه، مثلما يسدد شركاء الفترة الانتقالية الطعنات لبعضهم البعض، وكلما تطاعنوا كلما زاد رطل اللبن!

المُطمئن أن فريق برشلونة يحس بالتدهُور ويبكي بيكيه بعض الأحيان والفريق كله يحس بغضب الجمهور، لكن برشلونة السوداني يُواصل عرضه الباهت والمُوجع ويصف تلك الخيبة بالنقاء الثوري، ويتذكّر أحياناً أسماء بعض الشهداء ويلوح بالقصاص لا حول ولا قوة إلا بالله (الشهداء لا يتبعهم الغاوون)، لم أر في حياتي استثماراً رخيصاً مثل الاستثمار في الأرواح بتحويل الشهيد لمحصول نقدي!!!

لاعبو برشلونة من خريحي مدرسة اللاماسيا، لا يحبون الغُرباء، لذا فشل كثيرون من كبار لاعبي العالم في التكيُّف مع الفريق. ابراهيموفتش. اردا توغان. هنري اوريه، والآن غريزمان وكوتينيو، وذلك ينسحب أيضاً على برشلونة السوداني الذي لا يجيد اللعب إلا ضمن تشكيلة النادي السياسي العريق الذي يلعب بالقدم اليمنى واليسرى معاً ولا يلعب مع لاعبين من خارج هذا النادي، إنها (الزانوفوبيا) في أبهى الصُّور!

خطورة هذا المرض، إنه قفل الطريق على برشلونة وجعله نادياً لعضويته فقط وهو في طريقه بأن يصيب النادي السياسي السوداني بالتقيُّح ومرض الريماتويد الذي تُحارب فيه خلايا الجسد المنوطة بالدفاع عنه بعضها، فيتحول الجسد من وعاء حامل للحياة لساحة حرب أهلية بين خلاياه وهذا ما يلوح لي بوضوح عقب توقيع اتفاق جوبا.

أخطر علامات مرض كره الغرباء أنه يُضاعف المرارة ويجعل الحل فنائياً بين طرفين، أحدهما مسلح بالغبينة والسلاح الناري ويتوتّر قبل أن يطلق السهم، والطرف الثاني يجهل ذلك تماماً!!

سرّتني للغاية زيارات الحركات لأهلنا في الشمالية، حيث البؤس الذي أقنع الزائرين بأن الشمالية نبض الهامش، وهزّ هذا المفهوم الذي وقر في قناعاتهم، وسررت لزيارة جبريل لمنطقة أبو قرون ورفعه الفاتحة لروح ابن البادية وقبله لروح نقد، وسرّتني أيضاً زيارة مني للبطاحين حتى سميته (مني أركو بطحاني)، وأتمنّى أن تمتد تلك الزيارات لنادي الفنانين واتحاد الكُتّاب ودار فلاح والمراكز الثقافية ومراكز الشباب والأندية الرياضية، فلمثل هذه الزيارات إشاراتٌ مُضيئةٌ.

ميسي سيُغادر برشلونة. سيبيع التاريخ للمُستقبل الشخصي وسيتحرّر من ماضيه المُشرق في سبيلٍ مجهولٍ، لكن المُفجع أن السودان سيُغادر نفسه من نفسه، وفي الحالتين أنا اليتيم فسأصير بلا أب ولا برشلونة!!!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى