صلاح الدين عووضة يكتب : عدوى !!

 

ونمهد لكلمتنا هذه بحكاية..

حكاية واقعية بطلاها الوالد – عليه الرحمة – ثم الجن المزعوم… أو البرئ..

فقد حكى لنا إنه نُقل إلى شندي في مستهل حياته العملية..

وطُلب منه الانتظار ريثما يتم توفير بيت له…وطال الانتظار..

ثم قيل له أن ثمة منزلاً جميلاً – ذا حديقة غناء – بيد أنه مسكون… وملعون..

وسبب (لعنته) أن ضابطين قتلا نفسيهما فيه بالرصاص..

ومنذ ذلكم الوقت باتت أصوات طلقات الذخيرة تدوي بين جنباته ليلاً..

ولم يجرؤ أحد على السكن فيه رغم مغرياته… وشجيراته..

فطلب الوالد منحه المنزل غير عابئ بتوسلات الإشفاق من تلقاء زملائه..

ولبث فيه من عمره سنين… لم يصادف خلالها (شبحاً)..

أما أصوات الرصاص – ليلاً – فلم تكن سوى اصطفاق النوافذ بفعل الرياح..

وكل القصة بدأت بعقل (غير محصن)… ثم انداحت..

وفي كلمة سابقة – قبل أعوام – أشرت إلى ضرورة تحصين العقول بجرعات منطق..

وتحدثت عن عدوى نفسية… لا تقل خطراً عن الفيروسية..

واستشهدت بأمثلة عدة…منها حادثة مدرسة (السرايا) – دنقلا – قبل سنوات..

وكذلك حادثة إصابة طالبات – جماعياً – بالزائدة الدودية..

ثم حادثة الضحك الهستيري الجماعي – بمصر – دون سبب..

فدائماً ما تبدأ العدوى بعقل واحد (ضعيف المناعة) حيال المرعبات… والخرافات..

ثم تنتقل إلى عقول متشابهة… بنسب مناعة متفاوتة..

وتكثر مثل هذه العقول في المجتمعات التي تكثر فيها ظاهرة الإيمان بالخوارق..

وكذلك ظاهرة تقديس الشيوخ… والفراعين..

وسلاطين في كتابه قال إن المهدي فُتن به الناس كشيخ دين – ذي كرامات – أولاً..

ثم قدسوه – من بعد ذلك – كقائد سياسي خارق…ومنقذ..

وبدأت (عدوى) الافتتان – ثم التقديس – ببسطاء…ثم انتقلت لعلماء ؛ أقل بساطةً..

وعقب كلمتي تلك بيومين وقت حادثة طالبات ربك..

فقد انتقلت عدوى الإغماء – دونما سبب – من طالبة (مذعورة) واحدة إلى الأخريات..

ولو كانت عقولهن محصنة بقليل منطق وعلم نفس لما أُغمى عليهن..

ولا أدري سبب حجب مادتي (التحصين) هاتين عن مدارسنا..

فليس بالرياضيات وحدها ينمو العقل ؛ ولا الجغرافيا… ولا التاريخ… ولا الكيمياء..

بل ومعها مبادئ الفلسفة… وأساسيات علم النفس..

وذات ليلة هاتفني سكرتير تحرير صحيفة كنت أعمل بها… مذعوراً..

وسبب الذعر كلمةٌ لي قال إن فيها تجاوزاً لخط أحمر..

ثم هاتفني بعده مدير التحرير ليعيد على مسامعي الكلام ذاته..

ثم رئيس التحرير (بذات نفسه)..

فعلمت أن عدوى الرعب انتقلت من عقل…إلى ثانٍ… إلى ثالث؛ بلا (منطق)..

وخبطات نوافذ بيت مهجور قد يسمعها عقلٌ دويَّ رصاص..

فيوغل فوراً في متاهاتٍ من بنات أوهامه..

ويجزم بأن البيت ملعون..

ومسكون !!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى