تعرفة المواصلات.. إقطاعيات الـ(كمسنجية) وانعدام الرقابة

 

الخرطوم: منال عبد الله

على الرغم من الشتات والهجر والتربص الذي أصبح يشوب العلاقات الإنسانية في معظم المجتمعات المعاصرة، والمجتمع السوداني لا ينفصل عما ينتظم تلك المجتمعات، ولكن الأوضاع الاقتصادية الراهنة بالبلاد جعلته أكثرانسجاماً وتماسكاً من ذي قبل، وتشهد الصفوف المتطاولة أمام الصيدليات العامة والمخابز وطلمبات الوقود مواقف إنسانية وأنواع مختلفة من الإيثارعلى النفس كفيلة بأن تمحو من ذاكرة كل مُصطف السلوكيات الشاذة الأخرى وظواهر الاعتداء على النفس والممتلكات التي تحدث أثناء الحصول على الخبز أو الدواء أو الوقود، وما خلفته الأزمة المستمرة للحصول على الوقود فضلاً عن زيادة أسعاره خلقت انسجاماً آخر بين المواطنين من الفئات العمرية المختلفة التي تستقل المواصلات العامة من المواقف الرئيسية للمركبات بمحليات ولاية الخرطوم السبع، وأصبح المواطنون على قلب رجل واحد برفضهم الزيادات اللحظية التي تتم على تعرفة المواصلات بإيعاز من الـ(كمسنجي) لسائق المركبة، فهل بإمكانهم الصمود أمام موجة الجشع التي تشهدها المواقف، في ظل انعدام التعرفة الموحدة والرقابة الحكومية؟؟

نسب مخيفة

لم تحدد أي جهة سوى شركة المواصلات العامة تعرفة محددة للمركبات التي تنقل المواطنين بالعاصمة المثلثة الخرطوم وحددت قيمة التذكرة (50) جنيهاً بدلاً من عشرين إبان تحرير سعر الوقود، وشملت التعرفة طبقاً لبيان تابعته الصحيفة جميع الخطوط الطويلة، وحددت في الوقت ذاته آليات الرقابة عليها، وشددت على عدم تجزئة الخطوط ووضعت الشركة ملصقات بالبصات عليها أرقام تلفونات للتبليغ عن أي مخالفة في هذا الأمر، وطبقاً لمتابعة (الصيحة) والجولات المستمرة بمواقف المواصلات المختلفة والمحطات الرئيسية لا توجد تعرفة ثابتة لجميع الخطوط، وذلك منذ أكثر من عام، وتفاقمت الفوضى عقب تطبيق الحظر الشامل بالبلاد بسبب جائحة الكورونا، والذي لم يلتزم به مواطن ولا أي جهة رسمية ولا نظامية، بل كان بمثابة (قاصمة الظهر) التي حلت على الاقتصاد السوداني في مجمله، وأدت بقطاع المواصلات إلى الفوضى الفعلية وخاصة فيما يلي التعرفة والتي تفاقمت إلى نسب مخيفة بلغت الـ900% وفي بعض الخطوط تجاوزت الزيادة الـ1000% وهي تشمل كافة المركبات وحتى الأجرة وفي غضون السبعة أشهر التي خلت، وأصبحت تكلفة تنقل الشخص من منزلة إلى الجهة التي يريد سواء عمل أو دراسة أو استشفاء وغيرها من الأسباب التي تستدعي الشخص للخروج من منزله لا تقل عن الـ1000 جنيه “مليون” بالقديم.

ورصدت (الصيحة) واقع الحال داخل مواقف المركبات وتبين أن المهندس الفعلي لتعرفة المواصلات هو الـ(كمسنجي) وهو الشخص الذي تعهد بأن يعلن عن الوجهة التي سوف تقصدها المركبة، ومعظمهم شباب في مقتبل العمر بخلاف الشكل العام لــ”لطرّاح” الذي كان رجلاً متقدماً في السن أجبرته ظروف الحياة لدعوة الناس للمركبات العامة دون سؤالهم الناس، ويحدد لمن يقصد مكاناً بـ(الوصف) وجهته، ليسيطرحالياً عدد من الشباب في مقتبل العمر على المواقف قاصدين الكسب السريع دون كبيرعناء.

قصة الكمسنجي

يتمحور الدور الرئيسي للكمسنجي أو الطرَاح كما هو متعارف عليه في الوقت الحالي، في (اصطياد) أو جلب المركبة من خارج الموقف والاتفاق مع سائقها على التعرفة التي سوف يعلنها للمواطنين، ويتكرر هذا المشهد في أوقات الذروة عقب صلاة العصر، ويتفاجأ المواطن بزيادة قد تصل إلى 100%.

وقالت نيبال محمد ــ موظفة بولاية الخرطوم تسكن محلية كرري وتعمل بمحلية الخرطوم ــ إنها تعود إلى منزل أسرتها باستقلال مركبات الثورة بالنص ـ المهداوي والتي تتواجد بالمحطة الوسطى ببحري، مبينة أن تعرفة المواصلات كانت خمسة جنيهات قبل الحظر الشامل بسبب الكورونا وحالياً الراكب (50) جنيهاً للحافلة الـ(روزة)، بينما تقل الكريز الركاب بـ(100)جنيه، وأكدت في إفاداتها للصحيفة أن الزيادات المستمرة في تعرفة المواصلات سوف تدفع بها قريباً إلى ترك العمل، لأن الأجر الذي تتقاضاه لا يكفي لتغطية تكلفة الذهاب والعودة إلى العمل بعيداًعن أي متطلبات حياتية أخرى. وتابعت (الصيحة) في ذات الأثناء تراجع سائق عن التعرفة التي فرضها الطراح على الركاب القاصدين للثورة المهداوي بعدما رفض الأخيرون الركوب إلى (100) جنيه بدلاً من (150) جنيهاً، كما بينت جولة للصحيفة بصينية السوق المركزي الخرطوم والتي تعتبر تجمعاً للمركبات القاصدة السوق العربي أو جنوب الخرطوم وبموقفي جاكسون وشروني، أن الكثير من المواطنين آثروا الصمت وامتنعوا عن الخوض في جدل مع الكمساري بسبب الزيادات وكأنما لسان حالهم يقول (تركنا الأمر لعدالة السماء).

انعدم الثبات

في السابع والعشرين من أكتوبرالمنصرم، أعلنت وزارة الطاقة والتعدين رسمياً تحرير أسعار الوقود (البنزين والجازولين). وأكد وزيرالطاقة والتعدين المُكلف خيري عبد الرحمن أهمية تطبيق قرار رفع الدعم عن المحروقات لجهة تخليص بواخر وقود موجودة بميناء بورتسودان وتجنباً لارتفاع قيمة غرامات التأخير، فيما كانت الوزارة قد أكملت في أغسطس الماضي توزيع البطاقات الممغنطة لأصحاب المركبات العامة، وأعلنت في الوقت ذاته التزامها بمنح المركبات الوقود المدعوم بالمحطات التجارية في حال لم يتوفرالمدعوم، كما أعلنت غرفة النقل العام بالخرطوم في ذات التوقيت عن تقديم مقترح بتخفيض سعرالتعرفة، بيد أنها أكدت مؤخراً عقب زيادة أسعار الوقود على تأرجح وعدم ثبات التعرفة في الوقت الحالي والتزام سائقي المركبات العامة بتعرفة محددة، وطبقاً لإفادات سائقي مركبات لـ(الصيحة)، أنهم لا يتمكنون من الحصول على الوقود المدعوم إلا بالمكوث في الطلمبات لعدة أيام في ظل تعنت أصحابها حيالهم، كما أن عدداً كبيراً من السائقين لم تصرف لهم البطاقات الممغنطة التي تمكنهم من صرف الوقود الحكومي، ليصبح ليس أمامهم خيار سوى التزود بالتجاري، الأمر الذي يؤدي إلى زيادتهم للتعرفة، كما شكا موظفون من توقف المركبات الخاصة بوزاراتهم بسبب عدم توفر الوقود الأمر الذي يدفع بهم إلى الاتجاه لاستقلال المركبات العامة مع ارتفاع تكلفة الذهاب والعودة من العمل كي لا تتراكم عليهم الأعباء المكتبية.

فوضى وتدابير

شهدت مواقف المواصلات عقب رفع الدعم عن الوقود فوضى غير مسبوقة، وحدد سائقو المركبات تعرفة الرحلات من تلقاء أنفسهم، فضلاً عن تجزئة الخطوط التي تتم عند انعدام المواصلات والتي ألقت بأعباء إضافية على كاهل المواطنين، فيما أن ولاية الخرطوم لم تلزم السائقين بتعرفة محددة للخطوط المختلفة قبل الإعلان عن الأسعار الجديدة للوقود.

وفي الأول من نوفمبر الجاري إبان الزيادة، عقد والي الخرطوم الأستاذ أيمن خالد نمر، اجتماعاً موسعاً ناقش من خلاله مع الجهات ذات الصلة الترتيبات المتعلقة بالخدمات الرئيسية في أعقاب صدور الأسعارالجديدة للوقود، وشملت المواصلات، وتناول الاجتماع التدابير المتعلقة بتعرفة المواصلات والرقابة على وسائل المواصلات التي تمنح الوقود المدعوم، وقرر الاجتماع تكوين لجنة طارئة لتقديم مقترحات عاجلة حول التعرفة والخطوط يتم التوافق عليها والالتزام بها لحسم الفوضى في التعرفة والخطوط، كما أمن على تكوين لجنة لتفعيل آليات الرقابة وحصر وسائل المواصلات التي تتلقى الوقود المدعوم وربط صرف حصة الوقود بعدد الرحلات التي تقوم بها كل حافلة بالتنسيق مع وزارة الطاقة والتعدين وإصدار أوامرمحلية لمواجهة المخالفات في قطاع النقل والمواصلات ولكن اللجنة لم تعلن قراراتها حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

من جهته، أعلن رئيس اللجنة التسييرية لاتحاد غرف النقل عادل المفتي، عن اقتراب تحديد تسعيرة للمواصلات، وذكر في مؤتمر صحفي مؤخراً أن تدابير تنظيم قطاع المواصلات تشمل تحديد خطوط مُعيّنة لكل مركبة بحيث لا تعمل في غيرها، وتنظيم عمل المنظمين بالمواقف بالتنسيق مع غرفة النقل.

وأطلق مواطنون عبر (الصيحة)، نداء عاجلاً لحكومة ولاية الخرطوم للإسراع في وضع تعريفة محددة لكل الخطوط وفرض رقابة مشددة على المواقف، وعلى سائقي المركبات الذين يتعمدون إخفاء مركباتهم بالتواطؤ مع  الـ(كمسنجية) عند أوقات الذروة لزيادة التعرفة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى