إقرار فولكر بصُعوبة المُهمّة.. هل يُعجِّل برحيله؟

الخرطوم- الطيب محمد خير

وقف الزعيم الاتحادي الشريف حسين الهندي صائحاً بأعلى صوته إبان رئاسته للمعارضة السودانية في فترة مايو عندما عجز عن إنهاء الخصومة والصراعات بين أطرافها، وقف صائحاً الله يرحمك الزعيم الأزهري (لقد اورثتنا شعباً كله سياسيين وقيادات)، اليوم يعيد التاريخ نفسه ها هو رئيس البعثة الأممية المتكاملة لمساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية (يونيتامس) فولكر بيرتس يقف ذات الموقف رغم الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها في مجال حل النزاعات والشؤون الجيوسياسية الإقليمية، مقرّا بصعوبة المهمة في ظل تجاذبات بين المدنيين والعسكر. وقال ان التقاطع بين المكونات السودانية أكبر مما نراه من الخارج مع غياب الثقة. وقال لا تزال التقاطعات قائمة، مشيراً الى ان الأمن ما عاد مضموناً في مقابل الاحتجاجات المستمرة ضد هذه الأوضاع، في ظل وقوع ضحايا مرةً بعد أخرى.

وفي ذات التوقيت، حذّرت صحفية فورن بوليسي الأمريكية من عواقب استمرار الصراع السياسي في السودان، وقالت إنّ الصراع المستمر من أجل مستقبل السودان بين الحكومة والمتظاهرين في الشوارع ستكون له عواقب تتجاوز القرن الأفريقي وتصل تأثيراتها الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين بزياد أعداد المهاجرين غير الشرعيين الجدد المتجهين شمالاً وهم مئات الآلاف.

طريق الانهيار

وعلى الصعيد الاقتصادي،  حذر فولكر من أن السودان في طريقه للانهيار الاقتصادي، وقال لا مستثمرون يأتون للبلاد ولا توجد قدرة حقيقية للدولة والخدمة المدنية لا تعمل، واللافت أن  تحذيرات فولكر من انهيار الاقتصاد السوداني الذي اصبح على الحافة جاءت متطابقة مع حديث وكيل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني، عبد الله إبراهيم الذي أقرّ فيه بوجود عجز كبير في الموازنة، ونبه الوكيل الى صعوبات تواجههم في سد عجز الموازنة على الرغم من لجوء المالية للاستدانة من الجهاز المصرفي الذي يعني اللجوء إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية لسد عجز الموازنة لكن لا تزال المشكلة قائمة في كيفية تمويل العجز، وبذات القدر نبهت صحفية فورن بوليسي الأمريكية إلى المحادثات التي أجرتها روسيا في موسكو مع كبار المسؤولين السودانيين، وقالت إنها تجئ في وقت تحجم فيه مصر ودول الخليج العربي عن المخاطرة باستقرار قصير المدى لدعم التحوُّل الديمقراطي في جوارها، وألمحت الصحيفة إلى رغبة الصين في شريك تجاري مستقر سياسياً في أفريقيا.

تقرير صادم

وقال الخبير والمحلل د. خالد التجاني لـ(الصيحة) ان صح ما نقل على لسان رئيس البعثة الأممية المتكاملة لمساعدة السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، هذا يُثير تساؤلاً أساسياً ومهماً للغاية عن ما مهمة دور بعثة الامم المتحدة لدعم الانتقال في السودان؟ باعتبار انها قدمت الى السودان لإنجاح مهام الفترة الانتقالية، لكن عندما يصدر مثل هذا الحديث الصادم من السيد رئيس البعثة، فإنه يعني فشل الفترة الانتقالية في السودان بالدرجة الأولى، يعني كذلك فشل البعثة الأممية في القيام بمهمتها الأساسية التي من أجلها جاءت الى السودان، وعندما تفشل هذه البعثة في القيام بدورها على رئيس البعثة والأمم المتحدة ان يراجعا قيمة وجدوى وجود هذه البعثة في السودان، مضيفاً ان فولكر ليس محللاً سياسياً حتى يتحدث لنا عن مجريات الأحداث، لأنها معلومة بالضرورة للجميع وليست هناك حاجة لأن يقوم فولكر بشرحها، وعليه ان يجيب على السؤال المحوري ما الذي قدمته البعثة تحديداً لدعم الانتقال في السودان منذ مجيئها قبل عام ونصف تقريباً، والاوضاع لم تتدهور فجأة في الأيام الأخيرة، بل التدهور موجود منذ قدوم البعثة إلى السودان بخطوات متسارعة ومتخلفة حتى في ظل الشراكة العسكرية المدنية وقبل إجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي كانت هناك كثير من الإشكالات في ادارة الفترة الانتقالية وعدم الإيفاء باستحقاقاتها الدستورية، اين دور البعثة الاممية على الاقل لضمان استكمال مؤسسات الانتقال؟

أزمة مستفحلة

وقال د. خالد، صحيح الإجراءات التي تمت في (25) اكتوبر فاقم الاوضاع لكنه لم يصنع الاحداث الحالية ثم انها لم تحدث عن فراغ وانما بسبب وجود ازمة مستفحلة في ظل وجود بعثة الامم المتحدة التي لم يشهد لها اي دور لمنع وقوع هذه الكارثة الماثلة الآن بكل تعقيداتها ، وبالتالي ان كانت البعثة فشلت في ضمان استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية ، يبقى السؤال مشروعاً كيف لها ان تقدم نفسها لتتوسط لجمع الفرقاء، فأعتقد هذا حديث سياسي لا يقدم شيئاً. وأضاف د. خالد إن كان رئيس البعثة يرى الوضع في السودان طبقاً لما ورد على لسانه ما عليه إلا أن يتقدم باستقالته لانه اصبح ليس لديه ما يقدمه لأن السودانيين ليسوا في حاجة لمحلل سياسي ليشخص لهم ما تعانيه بلادهم من ازمة وتدهور على كافة الاصعدة. اما على صعيد الوضع الاقتصادي، قال د. خالد الأوضاع الاقتصادية لم تتدهور وتسوء اليوم ايضاً ما يجعلنا نسأل أين كان المجتمع الدولي الذي قطع على نفسه الكثير من الوعود لمساعدات السودان، لكن جميعها ثبت بالدليل القاطع أنها كانت وعوداً جوفاء لم تتحقّق، مشيراً إلى أن مؤتمر اصدقاء السودان فرض على الحكومة الانتقالية منذ بدايتها ان تتبنى مشروع اصلاح اقتصادي قاس جدًا مراقب من قبل صندوق النقد الدولي يفضي لتحرير اقتصادي كامل في بلد دون تتوفر الشروط الموضوعية لذلك ، في وقت كان المجتمع الدولي يعلم ان هذا البرنامج له آثار اجتماعية قاسية جداً وفرض على الحكومة الانتقالية تنفيذه دون الشروط الموضوعية التي اشرت اليها في حين ان كل الدول التي نفذت هذا البرنامج تمت مساعدتها، لكن السودان لم تتم مساعدته فقط وعود، وقال كل ما لاقاه السودان حسب التقارير الرسمية في عام 2021 لا يتعدى (400) مليون دولار فقط، وفي عام  2020 كانت حكومة حمدوك الأولى تتوقع ان يأتيها دعم من المجتمع الدولي لميزانية عام 2020  أكثر من خمسة مليارات دولار ثم خفضت لـ(2.8) مليار دولار لكن ما استلم حتى نهاية السنة لم يتجاوز الـ(280) مليون دولار فقط ، واضاف تبقى الحجة ان السبب المكون العسكري قد اوقف المساعدات الخارجية حديث غير صحيح وحجة واهية وتُؤكِّدها الإجابة على سؤال لماذا لم يمد المجتمع الدولي يده لمساعدات السودان طوال العامين الماضيين اي قبل (25) اكتوبر تاريخ وقوع الأحداث، وحتى اعفاء الديون لم يتم الاستيفاء بها رغم ان السودان مؤهل لذلك، وجميع الوعود بالمساعدات، منها 2 مليار دولار من صندوق النقد توقفت، حتى برنامج ثمرات حسب تقديرات البنك الدولي يحتاج لـ(1.9) مليار دولار وهو البرنامج الذي يمكن ان يساعد الشعب السوداني بدرجة ولو بسيطة في مواجهة الآثار الحادة للاصلاح الاقتصادي، لكن المبلغ المرصود توفر بنسبة ضعيفة. واضاف صحيح هناك عجزٌ من الحكومة في إدارة هذا البرنامج، لكن لم تتوفر له الأموال الكافية، مشيراً الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعهّدت في نهاية العام 2020 أنها ستوفر 700 مليون دولار لكنها لم توفرها.

ملف أمني

وأكد د. خالد قائلاً الادّعاءات الكثيرة أنه يدعم الثورة والتحول الديمقراطي في السودان لكن لم يقدم شيئا يذكر رغم أنه عقد مؤتمراً في برلين لهذا الدعم ووعد بـ( 1.8) مليار دولار، وبعدها عقد مؤتمر باريس جميعها حبر على ورق تبخّر على أرض الواقع. وبالتالي المجتمع الدولى لعب دوراً أساسياً في التدهور الماثل بغض النظر عن الصراعات الداخلية بين القوى السياسية وهي مسؤولة بالدرجة الأولى، لكن الدولي خدع حكومة حمدوك بوعود لم يف بها. وعن الاثر الذي سيتركه انهيار السودان على امريكا وحلفائها الغربيين الذي اشارت اليه الصحيفة الامريكية، قال د. خالد إن السودان يمثل للمجتمع الدولي ملفاً امنياً مهماً، وبالتالي حريص على أن لا ينهار, إلا سيكون السودان بكبر مساحته مفتوحٌ لجماعات متطرفة، وبالتالي يهدد أمنه واستقراره ومصالحه في المنطقة، متسائلاً: ماذا قدم فولكر لمساعدة السودان اقتصادياً غير الوعود والتحجج بوقوع الانقلاب هذه مُحاولة للهروب على حد قوله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى