عبد العزيز خطاب يكتب : متى يتقاعد المغني ويعتزل (1)

 

السؤال الذي عنونت به مقالتي هذي، يطرح نفسه.. فكل من يحترم تاريخه الفني ومعجبيه من المغنين العالميين عندما يشعر بأن ملكاته الصوتية والإبداعية  قد ضعفت يعتزل فوراً، حفاظاً على تاريخه وارثه الإبداعي، ويعلم بأن هناك ملايين النقاد يستمعون إليه.

الفن والغناء بشكل خاص لا يحتمل الوهن والضعف وتراجع القدرة على الأداء بذات الإبداع وقوة الصوت.

أو يصبح ظهور المغني على القنوات والوسائط الإعلامية تكريماً كارثياً بإصراره على المواصلة، وهو لا يملك أن يطرب حتى نفسه!! شاركوا معي أيها المهتمون في هذا النقاش متى يعتزل المغني الغناء؟ وإلى متى السكوت عن انهيار هذه الصروح الشامخة فوق رؤوس الأجيال الجديدة؟؟

لنتفق أولاً بأن مسألة التذوق نسبية تتفاوت بين شخص وآخر بحسب بيئته وحالته الاجتماعية والثقافية والنفسية.. الخ..

ولنتفق أيضاً بأن للصوت علم يدرس له قواعده التي شيد عليها، كما أن للصوت عمراً افتراضياً قد يطول بالحفاظ عليه واتباع ما لا يضر به، والعوامل كثر، منها ما توجده الطبيعة ومنها ما تدمره طبيعة الإنسان العربيدة!! والصوت تتحكم فيه أعضاء في جسم الإنسان يشيخ عندما تشيخ هذه الأعضاء بفعل التقدم في السن أو اعتلال الحالة الصحية. والغناء وكل ضروب الفنون هي أيضاً وظيفة يؤديها بنو البشر ويجب أن يتقاعدوا عنها متى ما عجز الجسد عن أداء وظائفه كما يليق بالعمل المنوط به.

في السودان لا يهتم المغني بتمرين صوته ولا بالغذاء الضروري واتباع التمارين الخاصة بالتنفس وتقوية عضلات البطن والابتعاد عن كل ما يضر ويدمر الصوت مثل التدخين والتعرض للسخانة والغبار وشرب الماء البارد والقائمة تطول. وبعد هذا يرغمنا على سماعه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!!!

يؤلمنى حقاً أن أجد من أسهموا بشكل كبير في تجميل وتهذيب الذوق الحسي للغناء السوداني في هذه الحالة التي يرثى لها. فلماذا يقبل النجم على نفسه الأفول أمام جيل لم يعايش تألقه وسطوعه؟ ولماذا يصر على إنهاء مسيرته الحافلة بهذا السقوط المريع؟ وهذا يقودني للأسئلة المحورية التالية:-

هل يستمعون لأنفسهم وهم يغنون؟ هل يشعرون بالفرق بين ما كانوا عليه وما آلوا إليه الآن؟؟ ألا يترك ذلك في نفوسهم ما يجبرهم على التقاعد؟؟؟ أم يكابرون!!

إن العالم انفتح على مصراعيه في الفضاء وأصبح السماع متاحاً والمعرفة في متناول الجميع، وأصبح الكل يميز بين الصحيح وغير الصحيح. ونحن الآن نتحدث عن انفتاح الأغنية السودانية على العالمية فكيف تستضيف فضائياتنا هؤلاء العمالقة بعد أن شاخ صوتهم ونضب إحساسهم لكي يكونوا ممثلين للأغنية السودانية في العالم عبر الفضاء المفتوح. ألم يسمعوا بنظام (البلي باك) وهذا النظام يعمل به معظم المغنين في العالم عند استضافتهم في البرامج المباشرة، أو يستضافوا ليحكوا عن تجربتهم ومسيرة إبداعهم وتعرض أعمالهم بأصواتهم من تسجيلات قديمة عندما كانوا يمتلكون نواصي الإبداع والإدهاش حتى يكون حافزاً ودليلاً للأجيال الجديدة في مسيرتهم.

هذا الملف يجب أن يفتح عبر كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة.. وتناقش هذه الحالة وتقام لها السمنارات والندوات وورش العمل، ويجب أن تسن قوانين تحدد عبر لجان متخصصة متى على المبدع أن يترجل حتى يحافظ على إرثه وتحافظ الدولة على ثروتها الوطنية من الفنون حتى لا يعبث بها صنّاعها..

ما زال سؤالي قائماً: متى سيعتزل المغني ويلتحق بمقعد التقاعد؟

في الغرف المغلقة للدارسين لقواعد الموسيقي والمتخصصين تدور نقاشات حادة وتقييم حاسم للحركة الغنائية لكبار المغنين الذين ساهموا بقدر كبير في تشكيل الذوق الغنائي ولكنهم يصمتون في العلن ولم يتجرأ أحدهم على فتح هذا الملف في أي من الأجهزة الإعلامية للعلائق والوشائج الاجتماعية.

أنا من المحبين لروائع ذلك الجيل الذي أثرى وأثر في تشكيل الغناء والموسيقى، وترك لنا هذا الإرث الوطني الكبير.. ولن ينقص في يوم تقديري لما قدموه ولكن!!

ما دعاني وأجبرني على الكتابة هو هذا التقدير والاحترام لهذا التاريخ الكبير لجيل كبار المغنين. لم يعد الكبار كما كانوا عليه ولن يكونوا فلماذا الإصرار على المواصلة وقتل الإحساس الجميل عند محبيهم ومعجبيهم ويتحول ذلك الحب إلى شفقة!!

في المرة القادمة دعوني أعرج بكم إلى مسارٍ آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى