سراج الدين مصطفى يكتب: شعراء المفردة المجنحة

نقر الأصابع

سراج الدين مصطفى

شعراء المفردة المجنحة

(1)

محمد نجيب محمد علي شاعر كثيف الجمال باذخ المفردة الشعرية .. يصفه النقاد بأنه من أشعر شعراء هذا البلد ولكنه لم يأخذ حقه ومستحقه كمبدع معطون بالجمال والشاعرية حتى آخر ظفر من أظافره أو أعلى سبيبة في شعر رأسه .. يكتب الشعر بمهارة عالية لا تتوافر لدى غيره .. فهو موهوب حتى النخاع .. ومفرداته الغنائية تؤشر على أنه شاعر عميق المفردة .. جزل العبارة .. صاحب خيال متسع يحلق في الفضاء بلا قيود .. ومن يتمعّن في أغنياته يجده ينحاز للفلسفة الشعرية رغم بساطة ذات المفردة التي تخرج في حلة زاهية وباهية.

محمد نجيب محمد علي صاحب أقوال مأثورة تنضح بالعمق .. فهو قال (كنت شقياً في طفولتي ولا أزال حتى الآن شقياً في هرمي المبكر .. كنت افضِّل في طفولتي السير على الزجاج المهشم حتى يلتقط جسدي كل اسنانه والآن اعمل لاستخراج ما علق بي .. الشعر يا سيدتي هو نوع من فاعرف انه ليس شاعراً).. بالتأكيد لو لم اكن شقيا في طفولتي الشقاء .. يقول التجاني سعيد (اذا وجدت شاعرا سعيد في حياته لما كنت شاعراً ولا أصبحت سعيداً في حياتي ومطمئن القلب .. انا الآن اطمئن لأنني وبوضوح تام اخاف حتى من قرص النمل.

أغنية بتذكرك هي الأغنية التي حررت له شهادة الميلاد والحضور ضمن الشعراء الذين يكتبون الشعر الغنائي .. فهو قال عنها (اذكر أن قصيدة بتذكرك لأحمد شاويش نشرتها في مجلة الإذاعة والتلفزيون واستمعت لها بتلفزيون السودان ذات أمسية من أحمد شاويش ولم يكن يعرفني ولم اكن اعرفه ..!والتقيت به بعد ذلك وقدمت له نفسي واعتذر لي بانه نسي اسم الشاعر واصبحنا اصدقاء، واعتقد ان الراحلة الأستاذة ليلى المغربي لعبت دوراً كبيراً في توصيل هذه الأغنية من خلال برنامجها الصباحي.

(2)

ثمة تراكيب ومكونات إبداعية لقاسم ابو زيد، فهو بغير أنّه شاعرٌ، فهو كاتب درامي رفيع المستوى والخيال، وكذلك هو مخرج له رؤية تتوغّل في جذور الأشياء وتغوص فيها، وتلك المكونات خلقت له فضاءً إبداعياً واسعاً وخيوطاً كثيرة استطاع بها أن ينسج تجربته ويتقن تقويتها وتماسكها ثم القدرة على تطويرها حتى تواكب الحياة ودورانها المتسارع.. وتتعد الأدوات الابداعية لدى قاسم وساهمت في أن يجعله حاضراً لا يعرف الغياب..

ورغم أننا في كثير من الأحيان نقول بأن رحيل مصطفى سيد أحمد كان سبباً في انطفاء العديد من المصابيح الكتابية .. ولكن تظل مسيرة قاسم الإبداعية من خلال الدراما أو كتابة الشعر .. فهو حالياً يشكل ثنائية جديدة مع المبدع الهادي الجبل .. وهذه الثنائية يمكن أن نضعها في مصاف الثنائيات القديمة التي أرّخ لها تاريخ الغناء في السودان.

الكثير من أصدقائي أصحاب التجارب الفنية الجديدة والمختلفة أقوم بإرشادهم نحو الشاعر قاسم أبو زيد.. لأن المفردة العادية لا تعرف طرق أبوابه وهو في حالة خصام معها .. ومن يبحث عن التجديد في المضامين والأفكار عليه بقاسم.. فهو أصبح علامة مميّزة في مجال المغايرة والاختلاف.

(3)

الفكرة تبدو جد مدهشة حينما نتأمل أغنية بجمال (فراش القاش) من حيث كل مكوناتها وتراكيبها.. فهي لحنياً امتازت بخفة ورشاقة (الفراش).. أغنية ذات ألوان طبيعة في جملها الموسيقية.. وهي تأكيد جلي على عبقرية الراحل الجميل زيدان ابراهيم.. سلطان الطرب والتطريب والتنغيم.. وهي واحدة من إشراقات البدايات التي أعلنت عن حضور زيدان كمغن جديد في فضاء الأغنية السودانية.

أغنية (فراش القاش) هي عنوان عريض على موهبة شاعر عظيم.. شاعر مختلف في كل تفاصيله الكتابية.. شق طريقه بمفردة جزلة وبسيطة.. ولكنها في ذات الوقت عميقة ومحتشدة بالجديد من حيث اللفظ والمعنى.. (فراش القاش) أغنية تستحق الوقفة لأنها كانت أول كتابات الشاعر الكسلاوي (عبد الوهاب هلاوي).. أغنية أعلنت عن نبوغه المبكر في مجال كتابة الشعر الغنائي..

موهبة عبد الوهاب هلاوي لا يمكن أن ننسبها للمكان فقط كمكون جمالي.. لأن الفكرة أبعد من تأثير المكان وابعد من حدود الجغرافيا وتراسيمها وحدودها.. عبد الوهاب هلاوي.. صحيح انه من كسلا.. جنة الشرق والاشراق.. وهو واحد من مبدعيها العظام.. ناس كجراي وإسحق الحلنقي وغيرهما من العظماء.. هلاوي ينتمي لهم من حيث التكوين.. لكنه انفتح على دنياوات من الجمال والإشراق في مجال الشعر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى