ابتدرتها بلقاء حمدوك .. تسليم البشير ومتهمي الإبادة.. جدل بزوايا مختلفة

 

الخرطوم: مريم أبشر

منتصف ليل أمس الأول السبت، وصلت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا الخرطوم في أول زيارة معلنة لها، على رأس وفد معتبر من المحكمة  لبحث أوجه التعاون مع الحكومة الانتقالية بشأن محاكمة المطلوبين من النظام السابق بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور، وحسب جدول الزيارة، فإن  بنسودا ستبقى ومرافقوها أربعة أيام حتى الأربعاء المقبل، وسيناقش الوفد أساليب التعاون بين حكومة السودان والمحكمة الدولية فيما يتعلق بالمتهمين الذين أصدرت المحكمة بحقهم أوامر اعتقال،  وتوقعت مصادر أن يتم تفاوض بنسودا ووفدها مع قيادة الحكومة الانتقالية والجهات العدلية المعنية على ملف تسليم البشير ومسئولين أخرين في النظام السابق هما الفريق عبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون.

غير أن أمر التسليم من عدمه أثار جدلًا كثيفاً في الأوساط السودانية  ما بين مؤيد للتسليم، وفي مقدمة هؤلاء أهل المصلحة الحقيقية من طالت أسرهم وعائلاتهم وأقرباءهم يد الغدر والقتل والإبادة، والآخر الذي يرى أن القضاء السوداني لا زال بخير يملك من القدرة والإرادة ما يجعل من ارتكب جرمًا في حق المواطن السوداني أيا كان يجد من العقاب والجزاء ما يعادل جرمه.

وبين هذا وذاك، يبقى الموقف الكلي للحكومة الانتقالية وحجم تنسيقها مع المحكمة الجنائية هو الفيصل في التقرير النهائي بشأن التسليم من عدمه إن توفرت الإرادة والقدرة العدلية.

بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن الحاضنة السياسية نفسها شملها ذات الجدل المحتدم حول التسليم, ففي الوقت الذي أيد فيه بعض من تلك القوى خطوة التسليم, رفضته أخرى واعتبرته انتهاكاً لسيادة البلاد واستقلاليتها.

فلاش باك:

وكما هو معلوم، فإن محكمة الجنايات الدولية كانت قد  أصدرت مذكرتي اعتقال بحق الرئيس المخلوع عمر البشير في  عامي 2009 و2010 تتعلق الأولى بالإبادة والثانية جرائم ضد الإنسانية،  واتهمته بأنه العقل المدبر للفظائع التي ارتكبت بدارفور، كما أصدرت  مذكرات بحق اثنين من مساعديه هما أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين بذات التهم الإباده الجماعية والتطهير العرقي وجرائم حرب  ضد الإنسانية أثناء النزاع الذي نشب في إقليم دارفور خلال الفترة من 1989 وحتى 2004 وأسفر عن 300 ألف قتيل و(2.5 ) مليون من النازحين و اللاجئين الذين لا يزالون يعانون في معسكرات النزوح واللجوء داخل السودان وخارجه.

توفر الإرادة والقدرة:

وفي وقت يحتدم فيه الجدل حول أمر التسليم من عدمه, يقول الأستاذ والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، إن مسألة القضاء الدولي لم تعد تخضع لوجهة النظر الشخصية، فالقانون الدولي الأساسي والإنساني والقوانين الأخرى دائماً تعتمد على المحاكم الوطنية إذا ما توفرت لها الإرادة والقدرة والرغبة، ويضيف خاطر للصيحة: يمكن لمحكمة الجنايات أن المرحلة الأولى أن تساعد المحاكم الوطنية حتى تتمكن من تحقيق العدالة أو تتعاون معها أو أن تقام محكمة هجين في البلد نفسها. ويزيد: أما في حالة عدم وجود الرغبة والقدرة في تحقيق العدالة، فإن تدخل المجتمع الدولي يصبح واقعاً وعدد آخر بعض الحالات لافتاً إلى أن هبرى تمت محاكمته خارج تشاد، وذكر أيضاً محكمة أروشا الشهيرة، فضلًا عن محاكمات تمت بلاهاي  طالت الرئيس الكيني كينياتا  ووزير الصحة السابق أبوقردة، فضلاً عن محاكمة كوشيب التي ما زالت مستمرة.

ويؤكد خاطر في حديثه للصيحة على مرونة المحكمة الجنائية في التعامل مع المطلوبين لديها, بيد أن ذات المحكمة متمسكة جداً بتحقيق العدالة في قضاياها المعروفة ضد المتهمين.

بعيداً عن الرأفة:

تسليم البشير وأعوانه من الذين ارتكبوا جرائم ضخمة ضد الشعب، رغم ما فيه من ذلة سياسية كما يرى الدكتور وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات عضو الحرية والتغيير صلاح الدومة، إلا أنه غير كافٍ بحق من يقول ارتكب جرائم ضخمة بحق دارفور وكل الشعب السوداني وبحق الإسلام، وأكد في تصريح للصيحة، أن الشعب السوداني لن يستفيد من ذلته شيئًا و أن الأوفق والأحق لأهل الضحايا وكل الشعب أن يتحاكم هنا داخل السودان، ويدفع نحو حبل المشنقة، لأن جرائم القتل والإبادة الجزاء الذي يقابلها هو الإعدام، وإن بلغ التسعين عاماً. وجدد التأكيد على أن رفضه لتسليم المخلوع ليس رأفة به وإنما بغرض تحقيق العدالة. وأضاف إن سلم  للجنائية ستكون إقامته في فندق خمسة نجوم، فضلًا عن أن أقسى عقوبة ستكون التأبيد، وهي لا تتناسب وجرائمه.

ولفت الدومة لأمر آخر وهو أن المحكمة ربما تنتزع منه معلومات جديدة أخرى تستفيد منها القوى الدولية ومن ثم استخدامها ككرت ضغط ضد الحكومة الانتقالية التي ما زالت تدفع ثمن جرائمه، وقال إن كل الشعب السوداني أصبح ضحية جرائم النظام البائد، ولفت إلى أن الشعب السوداني الذي قدم أنهاراً من الدماء لاقتلاع النظام، كان ينبغي أن يكافأ من قبل المجتمع الدولي لا أن يُعاقب كما يحدث الآن.

وفي ذات  المنحى الرافض للتسليم، مضى الأستاذ المحامي علي السيد بتأكيده ابتداء أنه ضد أي محاولة لتسليم أي مواطن سوداني ليحاكم بالخارج، ويعتقد أن مثل هذا الحديث كان يتم التأمين عليه إبان العهد البائد، عندما كان القضاء غير مستقل  وغير نزيه، غير أن الموقف تبدل الآن، بعد قيام الثورة ووجود قضاء مستقل وقادر وراغب  ونائب وحكومة جادة، وأن هنالك عدالة بعد تعديل القوانين. ويرى في حديثه (للصيحة) أنه ليس هنالك من مبرر لتسليم مرتكبي جرائم دارفور للجنائية،  ويرى أنه من الأفضل إقامة محاكم مشتركة بين القضاء السوداني والجنائية لمحاكمة المتهمين، لافتاً إلى أن النظام الأساسي نفسه للمحكمة الجنائية أشار إلى أنه في حالة عجز القضاء الوطني وهذا ما انتفى عقب قيام الثورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى