د. الصاوي يـوسف يكتب: رفع الحصار: ولو في الصين

 

ماذا إذا أصرت أمريكا على عدم رفع الحصار عن السودان وشطب اسمه من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، وأصرت على شروطها المستحيلة  والمتحولة باستمرار، كتعويض ضحايا 11 سبتمبر والتطبيع مع إسرائيل وغيرها من شروط الغالب التي يمليها على المهزوم؟  حينها سوف تضطر الحكومة إلى الرجوع مرة أخرى إلى كتاب الإنقاذ، والبحث عن البديل. والبديل هو التوجه شرقاً، إلى الصين والهند وماليزيا وروسيا.  والبديل الأول والأهم هو الإعتماد على الذات، فبلادنا غنية بمواردها الطبيعية، والبشرية. وتحتاج فقط إلى ثورةٍ كثورة كوبا أو إيران، ثورة لا تنظر طول الوقت خارج السور في انتظار الإعانات والإغاثات والمنح، ولا تمد يدها للخارج وتقبضها عن الداخل، ولا تشغل نفسها بتقسيم الشعب إلى فسطاطين، تعادي أحدهما وتصارعه وتقطع نفَسها في إقصائه، وتقرّب الآخر وتغدق عليه من السلطة والأموال والعطاء اللامحدود،  وهو إما نائم في داره وإما قائم يتظاهر ويعتصم ويغلق الشوارع ويحرق اللساتك.

 

الصين هي الآن ثاني أضخم إقتصاد في العالم، ويتوقع له أن يصبح الأكبر في أو قبل العام 2025 حسب توقعات البنك والصندوق الدوليين. والصين لها تاريخ طويل في التعاون مع دول العالم الثالث دون أطماع إمبريالية، ولها تاريخ من الصداقة الممتدة مع السودان بالذات، لم يتوقف بتغيير الأنظمة الحاكمة. وإذا كان الدولار يسيطر على 60 في المائة من سوق  التبادل التجاري في العالم، ويسطر اليورو على قرابة 20 في المائة، فإن اليوان الصيني يصعد باستمرار في قائمة العملات المهمة.

 

وإذا كان الحصار الأمريكي قد جعل التبادل التجاري مع العالم صعباً، وليس مستحيلاً بالطبع، فقد شهد السودان الطفرة النفطية وفترة الاستقرار الاقتصادي منذ عام 2000 وحتى عام 2011، في ظل أسوأ سنوات الحظر والعداء الأمريكي، فإن التعامل مع العالم الآخر الذي لا يدين بدين الدولار، ممكن ومتاح. وهناك مساعي سابقة للاتفاق مع الصين على التعامل باليوان في كل صادرات وواردات البلاد معها، ويمكن التعامل مع دول أخرى مهمة بعملاتها، كالروبل مع روسيا والين مع اليابان.

 

ومن التطورات المهمة في سوق التجارة الدولية، أن الصين تسعى إلى إصدار عملة رقمية جديدة، ستكون هي أول عملة رقمية يدعمها البنك المركزي لدولة كبرى، على خلاف البتكوين (Bitcoin) التي ليس لها قيمة ثابتة ولا يدعمها أي بنك أو اقتصاد دولة رسمي، ويتوقع أن يُطرح اليوان الرقمي بحلول عام 2022، ليصبح أسهل العملات في التداول، حيث لا يوجد أوراق نقدية مطبوعة، ولا يحتاج للتحويل عبر البنوك ومؤسسات تحويل الأموال الأخرى، وسيكون مثل الدفع من تطبيقات البنوك المعروفة التي يستخدمها المواطن من تطبيق على هاتفه الذكي، ولكن على مستوى التجارة الدولية. وإذا أنجزت الصين هذا الأمر كما هو متوقع، فإن ذلك سيكون طفرةً كبيرةً وتحولاً صادماً في موقف العملات العالمية، وسيكون التعامل باليوان أسهل وأسرع من التعامل بالدولار، ولن يحتاج البلد أو الشخص الذي يقوم بالتعامل باليوان الرقمي إلى مقاصة الدولار الأمريكية ولا بنوك أمريكا وبنوك الدول الأخرى التي فرضت عليها أمريكا بالإكراه ألا تتعامل مع السودان وغيره من دول الحصار.

 

مرة أخرى، البدائل موجودة للخروج من كارثة العجز والتضخم والندرة والغلاء، وكل أمراض الاقتصاد السوداني، وأهمها التوجه للإنتاج، لتحقيق الإكتفاء الذاتي، وزيادة الصادرات، وهناك الكثير من الأسواق التي لا تخضع لسيطرة أمريكا وفتوتها وبلطجتها، ولكن تحقيق ذلك يحتاج إلى أن تترك حكومتنا انشغالاتها الجانبية بتعيين فلان وتمكين علان، وأن تتوجه إلى حشد كل الشعب حول مشروع الخلاص، مشروع الاتفاق والتراضي، مشروع العمل والانتاج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى