القطاع المصرفي.. إعادة الهيكلة

 

الخرطوم- رشا التوم

في اليوم الثالث والختامي للمؤتمر الاقتصادي القومي الأول، كانت السمة البارزة للمشاركين التدافع والتناكف حول المدخل الرئيس للقاعة الرئاسية بغرض الدخول بعد أن منعت المراسم الذين لا يحملون دعوة أو بطاقة الدخول للقاعة لحضور الجلسات، وساد هرج ومرج حتى اقتحم العشرات من الأشخاص البوابة غير آبهين، وبدأت الجلسة في أجواء مشحونة بالهمهمات والتساؤل عن مصير الأوراق والجلسات وتوصيات المؤتمر كيف تكون؟

امتيازات وإعفاءات

أكد  نائب محافظ بنك السودان المركزي محمد أحمد البشرى، أن أبرز التحديات التي تواجه البنك سعر الصرف المرن المدار  لعدم توفر احتياطيات كافية من النقد الأجنبي، ووجود اختلالات هيكلية عنيفة مما دعا البنك للتدخل لتحجيم السيولة. وقال إن سعر  الصرف الحر غيرمناسب لأن الاقتصاد يواجه  اختلالاً مطالباً بفرض ولاية البنك المركزي  على موارد النقد الأجنبي  بالتنسيق مع أجهزة الدولة.

وكشف عن انخفاض  كفاية رأس مال البنوك من 15.35 إلى 14.96% ورهن في الورقة المقدمة في المؤتمر الاقتصادي أمس رهن استقرار مستوى عام الأسعار باستقرار التضخم والذي يؤثر تأثيراً عكسياً، مضيفاً (نحن غرقاتين بي اضنينا) داعياً إلى خلق أدوات جديدة للصيىرفة الإسلامية لتحقيق معدلات تضخم بأرقام أحادية  أقل من ١٠% من خلال تحسين ميزان المدفوعات وعرض النقود المستهدف والالتزام بالاستدانة المؤقتة وترشيد  تمويل المصارف من المركزي واتباع  المصداقية والشفافية في التعامل مع الجمهور بجانب إزالة المخاطر  وتوفير ضوابط لمكافحة تزييف وتزوير العملة، مطالباً  بفرض ولاية المركزي على الأموال الحكومية كافة   وإيقاف تغطية  تمويل  خطابات  ضمان الحكومة بالنقد  الأجنبي وخلق  سياسات جديدة  لتحويلات  المغتربين والتوجيه بالاستفاده من نتجارب الدول في إعفاء الديون  استنادًا على الاتفاق مع جنوب السودان لقسمة الدين.
منوها لأهمية الوصول  بالعجز إلى مستويات آمنة،  ومنع التجنيب  وتوظيف رسوم العبور والطيران المدني بالإضافة إلى إلغاء  وحصر الامتيازات الممنوحة للشركات الحكومية،  مشيراً إلى السياسات المالية التجارية ونادى بوضع سياسة واضحة للحفاظ على الأسواق الخارجية ومراجعه سلع الصادر وحظر السلع الكمالية والهامشية.

وأكد أهمية سن  تشريعات خاصة بتزوير العملة  وتنظيم طباعتها وإيقاف تمويل  خطابات ضمان الحكومة بالنقد الأجنبي

وزاد قائلاً: هناك بعض من الوزارت  تحتفظ بالنقد الأجنبي  وطالب بتمكين البنك من السيطرة على موارد النقد الأجنبي، وقال إن الحكومة ترغمنا على تمويلها بأكثر من 15%.

وأقر بارتفاع نسبة التعثر في البنوك  إلى 4.1 % مقارنة بـ3.2%.
وشدد على ضرورة  تحسين بيئة الاستثمار وتبسيط الإجراءات وإعمال نظام  النافذة الواحدة.

انعدام السيطرة  

وقدم ممثل قوى الحرية والتغيير د. شوقي عزمي، ورقة بعنوان (تقليص وتمويل الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة وتمويلها من مصادر حقيقية)، مؤكداً أن البلاد ورثت  مديونية خارجية تتجاوز 64 مليار دولار،  وعجزاً في الميزان التجاري للعام 2020م بنحو 5 مليارات دولار، وشن هجوماً كاسحاً على بنك السودان المركزي،  وآنه  حتى الآن  لا يملك الصلاحيات الكاملة للسيطرة على موارد النقد الأجنبي، مطالباً بعدم الاعتماد على المنح والقروض وتقليل الاستدانة من البنوك.

   فقدان  الصلاحية

وقال: في الفترة الماضية تحول  بنك السودان المركزي الى مكتب من مكاتب وزارة المالية، وفقد السلطة لاستقلال  قراراته  مشيراً إلى رفض القوى السياسية  الخضوع إلى شروط  البنك الدولي والتي  تنتقص من حقوقنا،  وتمس السيادة  السودانية وتفاقم من  مشكلات الاقتصاد الوطني، ولفت أن هناك فريقاً يرى التعاون مع صندوق النقد، وفريقاً  آخر يرى  ضرورة الاعتماد على الذات..  محذراً من تحرير سعر الصرف وأثره على الجهاز المصرفي، وبلغ عدد البنوك العاملة في البلاد  ٣٩ بنكاً في البلاد ٤٢ مشيرًا إلى تراجع رأسمال المصارف إلى  ٥ مليارات جنيه،  وبلغ رأسمالها 13.2 مليار ج س المصارف الأجنبية والتي تعنى بتحويل الأموال والعملات الحرة،  وصلت حقوق الملكية الي2.3  مليار دولار  وعقب تعديل السعر  الصرف للدولار بلغت 55.773 مليار دولار،  وبعد تطبيق الميزانية المعدلة ٣٥٤  مليون دولار فقط ، وشرع  المودعون في سحب  أموالهم من المصارف ووصلت إلى 240 مليون دولار فقط  هي رأسمال المصارف حاليًا.. وأكد أن  تحريك سعر الصرف يؤدي لانهيار القطاع المصرفي تماماً، علاوة على أن  السياسات السابقة مكنت البعض من امتلاك أسهم بنوك بأكثر من 15%  منحتهم الحق في اتخاذ  القرار وهي كارثة حقيقية. وقاموا بتوجيه تلك الأموال إلى تجارة العملة وخلافة وأضاف أن الذهب أحد الموارد المهمة  وحال قدم بنك السودان المركزي  خدمات للمعدنين وتمويل القطاع التقليدي من قبل المصارف، فالعائد الشهري المتوقع من صادر الذهب  400 مليون دولار كافية لتمويل شراء السلع الضرورية و سداد جزء من المديونيات المترتبة علينا، داعياً إلى  إنشاء بورصة الذهب فوراً تتبع للجهات  النظامية المعروفة وليس إلى تجار.

مبيناً أن وزارة الطاقة والتعدين هي المسؤولة عن الذهب  ويجب إدخال كافة الشركات الأجنبية وشركات الامتياز تحت مظلة الرقابة الحكومية عبر الوزارة والإشراف على التصدير  منعاً للتهريب،  منوهاً أن هناك عصابات استفادت من تصفية الذهب خارج السودان، مشيراً إلى الآثار السالبة الناجمة عن استخدام الزئبق  في عمليات التعدين وما له من آثار  على المحاصيل الزراعية.

وشدد على أهمية  استئناف شركة أرياب للعمل وهي مملوكة للشعب السوداني بنسبه ١٠٠ % وكشف عن  سرقة مخلفات  وبيع المواد الخام من أرض التعدين داعياً الى البدء في  مشروع النحاس بواقع ١٢٠٠ طن جاهزة دون توفير التمويل،  وقال: دعونا نبحث عن تمويل لهذا المشروع  بدلًا من التفاوض على ٥٠٠ جنيه لدعم  الأسر.
دمج طوعي

من ناحيته قال ممثل اتحاد المصارف الرشيد عبد الرحمن أن الحديث  يدور عن هيكله الجهاز المصرفي سواء  بالدمج القسري والذي يحدث تفادياً لخسائر المودعين وإما  الدمج الطوعي، وهو نادر الحدوث، وقد تم لبنكين  بغرض تقوية رأس المال ومواكبة التكنولوجيا وأقر بمواجهة القطاع المصرفي  مشكلة  في المعايير العالمية المتبعة في الجهاز المصرفي بسبب المقاطعة  وتراجع الأداء  نتيجة ماثلة لعدم استقرار  سعر الصرف وتدهور رأس المال، وطالب بدمج طوعي بين البنوك وتحفيز حكومي ومن قبل البنك  المركزي لأغراض المنافسة إقليمياً وعالمياً،  منوهاً لأهمية انتهاج النظام المزدوج بدون اتهام وتشكيك،  وقطع بأن النظام الإسلامي مشوه في الفترة الماضية مع الأخذ في الاعتبار بأن  المودعين يفضلون الودائع الاستثمارية لأرباحها العالية، وأفضل من  النظام التقليدي. لأن  سعر الفائدة في النظام التقليدي تفرض غرامة تتناسب مع فترة التأخير، وبالتالي يحدث نوع من التوازن.. كل شخص يختار ما يراه مناسباً له بحسب وضعه. وعاب المشروعات التنموية التي تأخذ الصفة السياسية في التمويل.

الفساد والتهريب
وأكد ممثل لجان المقاومة في المؤسسات بأن  السوق الأسود هو القطاع الممول الرئيس للعجز في القطاع الرسمي،  موضحًا أن الإصلاح  المستهدف لن يتم إلا بمعالجة التحكم في السوق الأسود.. مشيرًا إلى أن  نسبة الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي كبيرة،  وهذا الأمر يتطلب تغيير العملة فوراً والالتزام بعدم تمويل البرامج الشعبوية من الحكومة. حتى لا يتم تمويلها من طباعة العملة، وقال إن سعر الصرف المرن غير واضح، ولابد من إطار يتحرك فيه سعر الصرف.. ودراسة لتحديد  نطاقه  لتحقيق أي نجاح في هذة المسألة ومحاربة  التهريب  والتي منعت وصول السلع للولايات والمناطق النائية  مطالباً بتكوين لجنة  للقضاء على الفساد حتى آخر نقطة في الحدود السودانية…
 لماذا الصمت

وأبدى  ممثل سلطة أسواق المال وسوق الخرطوم للأوراق المالية  د. خالد الفويل استغرابه لتجاوز الحكومة  حق الاستدانة من بنك السودان المركزي بأكثر من  ١٥% حسب ما هو متفق عليه، وتساءل لماذا سكت البنك المركزي عندما تجاوزت الحكومة النسبة المقررة ؟ ولماذا لم يتمسك  بالقانون،  منوهاً لأهمية البحث عن أسباب التضخم. ورجع قائلاً إن  الودائع في البنوك تحولت إلى  دولار، وهناك  كتلة نقدية كبيرة خارج الجهاز المصرفي، موضحاً  أن نظام  التمويل الإسلامي فيه  كثير من اللغط وتحول إلى عملية ربا واضحة بحسب  فتاوى .. ولفت الى  التزامات السلام وأثرها على السياسات المالية والنقدية  والتي بدورها تحتاج موارد،  وتساءل  عن إغفال قطاع التأمين والتقنية ودورها في العملية الاقتصادية .

 

مشكلة الضمانات

وفي السياق ذاته مضى  ممثل أصحاب العمل أحمد سمير أحمد قاسم قائلًا بأن  التمويل المتاح من أصحاب العمل يقدر بنسبة 33% وأقر بمواجهة مشكلة في الضمانات المصرفية في التمويل مما  يؤثر سلباً على قطاعات الشباب. وانتقد ضعف التمويل المتاح من البنوك. وإحجامها  عن الأدوات المستندية طويلة  الأجل. ودعا إلى مراجعة التمويل الأصغر بجانب أن  سعر الصرف المرن المدار يجب النظر إليه كمؤثر لضعف الاقتصاد مما يدعو الى اتخاذ  تدابيرهامة قبل التطبيق لتوفير احتياطي كافٍ من النقد الأجنبي  والسيطرة المالية على عجز الموازنة وتقليص العجز في  ميزان المدفوعات..  وأوصى  بالتمويل المتوسط وطويل الأجل للمشروعات وتقويم إصدار السندات والصكوك و ضمان استرداد حصائل الصادر.

ممثل الجهاز المركزي للإحصاء  علي محمد عباس،  طالب  بمعالجة التشوهات في سعر الصرف ومعدلات  التضخم في الريف والمدن والتي بلغت معدلات عالية ووصلت في الريف بواقع ١٧٨% في أغسطس مقارنة ١٥٥%  في شهر يونيو و مؤكدا اًهمية إجراء مسح للأسر ووضع سياسات تعتمد على واقع حقيقي. وذكر بأن البيانات الحالية  طال عليها الزمن ولا تمت للواقع بصلة.

وتطرق  د. عبد الرحمن محمد عبد الرحمن من بنك السودان المركزي إلى التوصيات التي دعت الى ضبط صيغ البيوع الإسلامية  والحد من هيمنة السياسة المالية على السياسة النقدية.. بجانب أن وزارة المالية تعتمد على البنك في تمويل الموازنة وأهمية  هيكلة الجهاز المصرفي والعمل بالنظام المركزي المزدوج. علاوة على  دمج بنك الادخار والأسرة لتقديم التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. ورفع سقف التمويل الأصغر الى٢٠٠ ألف جنيه، وردع المتعاملين بالنقد الأجنبي خارج الأطر الرسمية و مراجعة العقود  المبرمة مع شركات الامتياز العاملة في قطاع التعدين..  وتشغيل المصانع المتعطلة.

  مداخلات

قال عضو الحرية والتغيير د. صدقي كبلو  إن النظام المصرفي الإسلامي غير صالح  لتمويل التنمية ورأس المال الدائر للصناعة ،  ومن أجل مصلح الاقتصاد يجب أن تكون النافذة التقليدية  في  الجهاز المصرفي  هي الأولى.

عضو الحرية والتغيير د. شوقي عزمي  تم اعتراضه من قبل المنصة بحجة انتهاء الزمن الممنوح له ولكنه مضى في سرد مداخلته غير آبه بالمنصة مما دعا رئيس الجلسة بمطالبة عزمي بعدم إثارة الحضور عليهم.

** ارتفع في القاعة صوت أحد الآباء كبار السن من شريحة المعاشيين متحدثًا عن سوء أوضاعهم وعجزهم عن مقابلة وزير المالية أو الجهات ذات الصلة لعرض مشكلاتهم فاعترضته المنصة كالعادة وما خفف من وظأة الموقف مسارعة وزير المالية المكلف د. هبة محمد علي بالتوجه نحوه واحتوائه في سلام حار مع وعد بالاستماع إليه ومعالجة مشكلته مما وجد ترحيباً بخطوة الوزيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى