أنور بابكر أحمد الفكي يكتب : إضاءات حول لجنة فض الاعتصام

 

كثر الحديث من الرأي العام حول عمل هذه اللجنة الخاصة بفض الاعتصام الخاص بالقيادة العامة في الثالث من شهر يونيو 2019م, وسوف أقوم من جانبي بفك بعض طلاسم هذا الموضوع الهام بالنسبة للرأي العام السوداني حتى يتفهم الشخص العادي الحاصل من الناحية القانونية والإجرائية لعمل هذه اللجنة, وكذلك الوقت الذي أخذته منذ تكوينها والمدد الأخرى التي أخذتها حسب لائحة إنشائها من قبل الجهة المختصة للتمديد.. وقبل الخوض في هذا الموضوع فإن عمل هذه اللجنة يهم كل الشعب السوداني بمختلف توجهاته وليس أسر الشهداء والجرحى والمفقودين فقط، لأن الذي حصل يعتبر من أفظع الجرائم التي ارتكبت في العصر الحديث لتاريخ السودان من جميع الأوصاف والأوزان.

تكونت هذه اللجنة بأمر من سعادة السيد/ رئيس مجلس الوزراء برئاسة المحامي نبيل أديب, وقام النائب العام بإعطائه سلطة وكيل نيابة عام, وبدأت اللجنة أعمالها ودعت من خلال الإعلام كل من له شهادة أو مستند يقدمها لهذه اللجنة حتى تتوصل اللجنة في النهاية للحقيقة المجردة والتي نصبو إليها جميعاً كشعب اكتوى بنيران هذه الكارثة التي ألمت بأبنائه وهم خيرة شباب السودان من مهندسين وأطباء ومحامين وصيادلة ومحاسبين.. الخ.

وقد ذكر رئيس اللجنة خلال الصحف السيارة بأنهم قد استمعوا لشهادة أكثر من ثلاثة آلاف شاهد، هذا بخلاف المستندات والفيديوهات والصور المصاحبة وقد قبلتها اللجنة، وقامت بأخذ أقوالهم ومن ثم تقييمها من الناحية القانونية ووزنها الوزن السليم لتقديمها للمحكمة المختصة كبينات متماسكة وقوية في مواجهة كل من تثبت عليه المشاركة في هذه الجريمة البشعة والتي هزت كل أركان الدنيا، ومن ثم إدانة كل من تثبت في مواجهته هذه البينات.

من المفهوم أن هذه الدعوى جنائية, ولابد أن تقدم إلى المحكمة عن طريق اليقين وبطرق الإثبات التي تؤديها من تماسك للبينات وترابط حتى لا يكون للمحكمة أدنى نوع من الشك وكما هو معلوم لدينا نحن القانونيين أن أي شك في القضايا الجنائية يفسر لمصلحة المتهم, ولهذا السبب أرى العذر للزميل المحامي رئيس اللجنة بتمديد الفترة حتى يمكنه من تقديم قضية قوية ومتماسكة ومكتملة الأركان من الناحية القانونية يمكن بموجبها أن تقنع القاضي بإدانة كل الماثلين أمامه بموجب قضية الاتهام المقدمة.. وهذا يعني أن يثبت الاتهام بأن الشخص الظاهر في الفيديو وحسب صورته مطابق للشخص الماثل وهو الذي قام بإطلاق النار على الشخص المرحوم الذي قام هو بتنفيذ القتل بالآلة التي يحملها، ووفقاً لذلك ليس هنالك مناص للمحكمة إلا التوصل لإدانة هذا الشخص حسب الفيديو وبشرح بسيط، فإن هذه المسألة مأخوذة من القوانين الجنائية نفسها بحيث هنالك مبادئ عامة وقواعد قانونية, فالشك يعتبر من المبادئ العامة ويفسر تلقائياً لمصلحة المتهم، فإذا تعارض المبدأ القانوني مع القاعدة القانونية فلزاماً على القاضي أن يطبق المبدأ العام، لأنه أسمى وأعلى درجة من القاعدة القانونية, فعلى هدي ذلك نجد العذر لهذه اللجنة من الوقت الذي أخذته حسب ما شرحنا آنفاً, وفوق ذلك فإن عمل هذه اللجنة يهم كل فرد في هذا الوطن من الناحية الواقعية، لأنها سوف تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر حتى يتبين لهذا الشعب الصامد الصابر المحتسب من هو صليحه ومن هو عدوه.. وهذا يؤدي إلى تغيير خارطة الحكم لا محالة لأن كل الغموض يكون قد بان.

وكذلك فإن أبجديات سير المحاكمات الجنائية بأنه ليس على المتهم إظهار براءته، ولكن على الاتهام أن يقيم الدليل فوق مرحلة الشك المعقول بأن هذا الشخص هو من قام بارتكاب الفعل المقدم بموجبه للمحاكمة, وهذا دليل آخر بأن عظم المسؤولية لهذه اللجنة كبير حتى تعيد البسمة المفقودة لنا جميعاً من خلال تقديم قضية اتهام مكتملة الأركان وفوق مرحلة الشك المعقول.

من خلال هذا السرد يظهر لنا أن الموضوع برمته متعلق بوزن بينات للمحكمة، وهذا يتطلب من الاتهام أخذ كل الحيطة والحذر من تقديم قضية تقنع القاضي بأن الفعل المعين صدر من هذا الشخص ولترمز له باسم (×( من الناس وبهذا تكون اللجنة قد أدت دورها المنوط بها قانوناً كاملاً ومقنعاً لكل أفراد الشعب السوداني والذي يعول عليها كثيراً.

 

المحامي بالخرطوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى