معاناة لا تنتهي.. قصص عامِلات سودانيات بالسعودية

 

مريضة بالربو: الوكالة بالسودان طالبتني بدفع 21 ألف ريال سعودي  شرطاً جزائياً

عاملة: تعرضتُ للإهانة أكثر من مرة وتقدمت بشكوى ولم يتم إنصافي

مشرفة عاملات نظافة: أنا مريضة وأريد العودة إلى حضن الوطن

قنصلية السودان بجدة: وصلتنا شكاوى ونعمل على الحل بطريق ودي

وكالة الروضة: البنات اطّلعن على العقد وشروطه قبل سفرهن للسعودية..

وكالة: التأشيرة عاملة نظافة لهذا السبب والعقد مُشرِفة

 

ظروف الحياة الضاغطة أجبرت  السودانيين رجالاً ونساء شبابًا وشابات، للبحث عن الهجرة والعمل خارج الديار، وغن كانت الأجور ضعيفة في سبيل توفير لقمة العيش التي أضحت قاسية وصعبة.

وإذا كنتُ في قضية سابقة قد تناولتُ قصة العاملات السودانيات بلبنان وكيف غُرّر بهن ووجدن أنفسهن  (خدم منازل) في سجن كبير ومعاملة لا إنسانية، فإني اليوم أتناول قضية أخرى لا تختلف عن تلك.. فقد دفعت الحاجة كثيرات من بنات بلادي للهجرة إلى المملكة العربية السعودية للعمل في وظيفة مشرفات كما زيّنوا لهن  في السودان بأن العمل ليس فيه إهانة ولا فيه ذل ولكن المحصلة كانت صادمة لهن.

بنات يافعات نضرات تركن بلادهن للعمل مشرفات بالمملكة العربية السعودية، يحملن بين الجوانح آمالاً عراضاً بإصلاح الحال في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعاني منها السودان.. كان همهن الأول الخروج من الأزمة الاقتصادية،  فوجدن أنفسهن في أتون الإهانة وحتى المريضة لا بد أن تدفع الشرط الجزائي المُبيّن في العقد ليسمح لها بالمغادرة.

 

تحقيق: محيي الدين شجر

 

 عاملات نظافة

حكت لي (……..) أنها قرأت أعلاناً في الانترنت عن وظيفة مشرفة بالسعودية، وللظروف السيئة التي تمر بها هي وأسرتها توكلت وقدمت فيها واجتازت المعاينات ودفعت في مقابل الوظيفة 110 آلاف جنيه لوكالة اسمها الروضة  استدانتها أسرتها لتغيير الحال المائل.

وأضافت: حينما أخبروني باستيعابي في الوظيفة طرت من الفرح، وقامت أسرتي ببيع عدد من الإثاث لتوفير ثمن التذكرة.

وقالت: بعد وصولنا السعودية تفاجأنا بأن طلبت منا شركة مهارة توقيع عقد عمل  عاملات نظافة لا عقد مشرفات وحوى العقد  المقدم من الشركة السعودية شروطاً قاسية منها شرط جزائي في حالة ترك العمل بدفع مبلغ كبير نحو 21500 ريال سعودي مع أن الأجر الشهري فقط 1200 ريال زائد 200 ريال إعاشة.

وقالت إنها اتصلت بالوكالة التي أحضرتها بالخرطوم وكالة الروضة حيث طلبت منها الوكالة التوقيع على العقد  وأن عملها سيكون مشرفة لا عاملة نظافة لأن القوانين السعودية ترفض منح إقامة للمشرفات.

وأضافت: بدأت العمل تحت ضغوط كثيرة، حيث تبين لي أن فترة العمل أكثر من الفترة المحددة في العقد ولفترات ليلية، كما وجدت تعاملًا مهيناً من بعض العملاء، وتقدمت بشكوى للإدارة المسؤولة إلا أنها لم تتخذ أي قرار.

وأوضحت أن كل  السودانيات ظروف الحياة في السودان جعلتهن يلتحقن بالعمل في السعودية رغم قلة الأجر وتحملن الكثير من الضغوط ويُرِدن العودة، ولكنهن يخشين من الشرط الجزائي.

ويست لاند

وقالت (……..) لـ (الصيحة ): لقد قرأت إعلاناً في الانترنت عبر وكالة اسمها ويست لاند لوظائف مشرفات بالسعودية، وذهبت وقدمت للوظائف وبعد إعلان قبولي وقعت معي الوكالة عقداً في السودان، وبعد ذلك تولت وكالة أخرى اسمها الروضة باقي الإجراءات، وقالت:  دفعت 110 آلاف جنيه لوكالة ويست لاند، ويبدو أن لها علاقة ما بوكالة الروضة.

وأضافت: في السعودية طلبوا منا التوقيع على عقد عاملات نظافة، حيث يحوي العقد شروطاً مجحفة في حقنا وتخالف قوانين العمل في العالم، ولقد وقّعنا لأن وكالة الروضة طلبت منا ذلك وأخبرتنا بأن العقد صحيح عاملات نظافة، لكن العمل سيكون مشرفات..

وأوضحت: بمجرد وصولنا السعودية تم وضعنا مع عاملات نظافة حيث تعرضنا للضرب والشتيمة من قبلهن وذهبنا إلى قسم شرطة الطائف والسفارة بالرياض  ليتم نقل عاملات النظافة  إلى مقر سكن آخر.

وأوضحت:  ظللنا ممنوعين من الخروج وكأننا في سجن حتى في فترة راحتنا يوم الجمعة بل ورفضوا لنا استقبال الزيارات، وعلقت قائلة: هل هو سجن أم عمل، ولماذا نوقع على عقد عاملات نظافة، لماذا يخدعوننا؟

 

أنا مريضة وأريد العودة 

وأخرى بعد أن وصلت السعودية طبيعة العمل الذي يتطلب استخدام المعقمات أدى إلى تفاقم حالتها المرضية إذ تعاني من داء الربو الحاد  (الأزمة).

حكت لي معاناتها قائلة: في بداية عملي، ولأننا نستخدم المعقمات زادت نوبات الربو أكثر من المعتاد،  وأصبحت لا أتحمل العمل، وذهبت للطوارئ الصحية أكثر من مرة وبعد أن وصلت إلى حالة متأخرة قدمت شكوى لإدارة الشركة، حيث قامت بتغيير عملي من مرافقة لعاملات النظافة إلى عمل آخر مشرفة في السكن، وفيه استخدام أيضاً للمعقمات، وهذا العمل أيضاً لا يتناسب مع شخص مصاب بالربو المزمن.. عندها طلبت إنهاء عملي حفاظاً على حياتي، وقدمت تقارير طبية تثبت إصابتي بالمرض لكن الشركة تجاهلت طلبي واتصلت أنا  بوكالة الروضة بالخرطوم، إلا أنها لم تفعل شيئاً، وطلبت مني دفع الشرط الجزائي البالغ 21 ألف ريال، ولأنني لا أملك هذا المبلغ توقفت عن العمل حتى لا يتفاقم مرضي أكثر وأكثر، وبعد انتهاء فترة الثلاثة أشهر طلبوا مني التوقيع على استمارة إنهاء عمل واستشرت وكالة الروضة بالخرطوم وطلبوا مني التوقيع عليها، وسببت رفض العمل لظروفي الصحية.

وأضافت: أنا الآن أقيم في مكان السكن، ولا أعرف مصيري والمكان مغلق والتهوية فيه سيئة، وأنا أريد العودة للسودان، فلماذا يجبرونني على عمل يسبب لي المرض.

واشتكت من تجاهل خطاباتها للإدارة

شركة عاملات نظافة

 

قريب أحد البنات السودانيات بالسعودية قال، إن قريبته تعاني  منذ أن كانت  بالسودان من الربو (الأزمة) المزمن لدرجة التشنج والإغماء منذ صغرها وراثة لديهم في العائلة.

وحكى لـ (الصيحة) ما مرت به قريبته  بعد وصولها السعودية، وقال: اكتشفنا أن العقد عاملات نظافة وكل الشركة عبارة عن شركة عاملات نظافة تعمل بالمنازل، مضيفاً من حق أي طرف  خلال فترة الثلاثة أشهر الأولي  إنهاء التعاقد إذا رأى ذلك لأي سبب من الأسباب، وأوضح أن الإقامة أيضاً هي إقامة عاملة نظافة.. والعمل غير مرتبط بساعات عمل محددة كما تنص بنوده.

وأضاف: عملها كان  مرافقة لعاملات النظافة في عربة مخصصة، وتسليمهن للعميل كل عاملة في مكان محدد  والتوقيع على  استلامهن وطبيعة هذا العمل صعود السلالم لأكثر من مرة، كما أن السكن مكتظ ويستلزم استخدام مواد النظافة بكثرة مما أدى إلى زيادة في نوبات الأزمة ولمرات متقاربة، وتم تحريك سيارة الإسعاف لإسعافها نتيجة لتأثرها برائحة المعقمات التي تستخدم بكثرة، ولقد ذهبت للمستشفى أكثر من مرة في الأسبوع الواحد، وظلت تستخدم بخاخ الأزمة باستمرار حتى أن مظهرها تغير بسبب المرض المستمر.

وقال: أخبرت  خضرة صاحبة وكالة الروضة بالسودان  بظرفها الصحي منذ بداية عملها

وأكدت لها أنهم سوف يعيدونها للسودان بمجرد استئناف الطيران  وأصبحت أتابع  الأمر مع خضرة، وبعد فتح حركة الطيران أخبرت خضرة بأني مستعد لقطع تذكرة العودة والقيام بإجراءات عودتها للسودان، وأكدت لي بأنها سترجع وعلقت بقولها (ما على كيف الشركة لأنها عاملة معاهم عقد وحتعرف كيف ترجعها حتى لو خاطبت أعلى مسؤول في الشركة السعودية).

مضيفاً: حتى الآن قريبتي موقوفة عن العمل، ولم تسافر، وطالبتني خضرة بدفع الشرط الجزائي إذا أرادت الرجوع للوطن، ثم أصبحت لا ترد على اتصالاتي معها.

وحول منعها من مقابلة قريبتها، قال: موضوع أن أصطحب قريبتي من الدرجة الأولى  أو تزورني في يوم عطلتها هو موضوع محير لأنهم رفضوا لي ذلك، وكأنهم اشتروا البنات، حيث ذهبت إليها ومعي زوجتي  وأطفالي فرفضوا حتى تقرب منا مثل  زيارة السجن هي داخل العمارة، ونحن خارج الباب، والمهم الأسلوب كان مهيناً وبعدها بفترة أخذت الرقم الوطني،  وإقامتي لكي أثبت لهم أني قريبها،  وللأسف بكل بساطة وبدون الاستماع لي قال لي المسؤول (بنت حتطلع ما في وما عايز نقاش)، كأنها في سجن.. وأضاف قائلاً: بعد مراجعتي للأحداث والتفاصيل  وصلت لقناعة أنهم يريدون انقضاء  فترة الثلاثة أشهر ومن ثم يطالبون بالشرط الجزائي المجحف وبالفعل طلبوا منها التوقيع على رفض العمل ليطالبوها بالشرط الجزائي 21 ألف ريال مع العلم أن راتبها فقط 1200 ريال زائد 200 ريال إعاشة، وهو أجر عامل النظافة في السعودية، علماً أنهن في السكن حتى ماء الشرب يشترينه ونصف الراتب لا يكفي للإعاشة.

الروضة ترد

لمعرفة الحقيقة، اتصلت بالمسؤولة عن وكالة الروضة بالخرطوم وتدعى خضرة وحين سألتها ردت بقولها: كل البنات السودانيات قبل سفرهن اطلعن  على العقد ووافقن عليه، وأحضرن موافقة من أولياء أمورهن بالسماح لهن بالسفر.

وقالت: كُنّ يعلمن بوجود  شرط جزائي في العقد وبالرغم من ذلك وقعن عليه.

وأوضحت أن خروجهن من مكان العمل غير ممنوع، ولكن بشرط أن يكون مع شخص يقرب لهن، وأوضحت أن ساعات العمل لا تزيد عن ثماني ساعات، والعمل مريح وأن هنالك بنات لهن سنتان بالسعودية وبعد انتهاء العقد طالبن بالاستمرار.

وحول توقيع البنات على عقد عاملات نظافة بدلًا من عقد مشرفات، ذكرت أن وظيفة مشرفة تتطلب شهادة جامعية في الإدارة موثقة في السفارة السعودية ومن الملحق العسكري، وقالت إنهن ارتضين أن يوقعن على عقد عاملات نظافة ولم يعترضن.

وحول طلب بعض البنات الرجوع للسودان بسبب المرض أو لأسباب أخرى، ردت : الرجوع ليس من مسؤوليتي لأن مهمتي وصولهن السعودية، وبعد ذلك العقد مع الشركة المُشغِّلة  ما يحكم العلاقة.

وأشارت أن السودانية التي تعاني من داء الربو حالتها تسمح بالعمل والشركة أجرت لها فحصاً وتبين أنها تعاني من ضيق في الشعب لا يسمح لها بالعمل في الأماكن المرتفعة،  ولكن يمكنها العمل وبينت أنهم قاموا بنقلها من المنطقة المرتفعة التي كانت تعمل فيها إلى العمل بالرياض، وأشارت إلى أنها منذ البداية طالبت بالعمل في الرياض، وتم عقابها بأن تعمل في الطائف،  مشيرة إلى أن تقريرها الطبي الذي قدمته صادر من طبيب سوداني وأن أخرى أيضاً قدمت تقريرًا طبياً من نفس الدكتور السوداني، وأوضحت أن شركة مهارة هي شركة كبيرة ولها فروع في أنحاء المملكة وتتعامل باحترامية.

وأوضحت أن عودة أي مشرفة تتم وفق إجراءات مع مكتب العمل حتى تسترد الشركة ما دفعته من أموال في حال رفض أي عاملة للعمل.

من جانبها، نفت المريضة بالربو أن تكون قد اطلعت على العقد في السودان، وذكرت أن المسؤولة في وكالة الروضة قالت لها (عقد شنو ده مجرد انكن تلتزموا وأن تثق في كلامها)، وعليها أن تتوكل على الله، وقالت إنها حينما علمت أن العقد عاملة نظافة رفضت التوقيع غير أن خضرة مسؤولة وكالة الروضة طالبتها بالتوقيع لأنه حسب قولها مجرد التزام بالعمل.

وحول فحص الشركة، قالت إنها مريضة بالربو منذ فترة وتتردد على المستشفى بصورة مستمرة،  وأضافت: (والله كان نفسى أكون زي زميلاتي وأقدر اشتغل وأحقق أحلامي بس ظرفي لا  يسمح).

مسؤول بوكالة ويست لاند قامت بالتعامل مع بعض البنات السودانيات عبر وكالة الروضة، قال لي إن التأشيرة هي تأشيرة عاملة نظافة، لكن العمل حسب العقد مشرفات لأن تأشيرة عاملة النظافة أقل كلفة من تأشيرة المشرفة.

قنصلية السودان بجدة

اتصلتُ بقنصلية السودان بجدة وأكد لي مسؤول بها أن  المواطن أو المواطنة لا يدقق في عقد العمل ولا يطلع على  تفاصيله ودراسته دراسة متأنية ليعرف ماله وما عليه أو يبدي ملاحظات لتعديله، وأكد على وصول شكاوى من عاملات بالقنصلية بجدة وجاري العمل على حلها بصورة ودية.

تواصلت مع مسؤولة بالخارجية السودانية ونقلت لها القضية، وذكرت لي أنهم أحالوا الأمر للإدارة القنصلية  وفي انتظار ردهم.

خاتمة

حسب متابعتي لهذه القضية، فإن بعض السودانيات عبّرن عن رفضهن للعمل ويحاولن نقل كفالتهن من الشركة السعودية وفشلن في مسعاهن، كما ترى أخريات بأن العودة لهن أفضل، كما تمكنت واحدة فقط من الهرب.. أما المصابة بالربو فإنها تنتظر قرار الشركة في أمرها كما تنظر قنصلية السودان بجدة في بعض الشكاوى التي وصلتها وتحاول حلها بطريق ودي كما قالت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى