اللجان بنت بيئتها..!!

 

 

الطاهر ساتي  يكتب :

 

:: (من عُيُوب الديمقراطية أنّها تجبرك على الاستماع إلى رأي الحمقى)، جورج برنارد شو.. ولكن ما حدث لعضو المجلس السيادي، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي إبراهيم – بالحتانة – لم يكن (آراء حمقى)، بحيث تكون من عيوب الديمقراطية، بل ما حدث يُعتبر بعض أفعال السُّفهاء، ولا تمت إلى الديمقراطية حتى بصلة أو صفة (العيب).. ليتهم كانوا مجرد حمقى، وحاوروا كباشي في الشأن العام وناقشوه في القضايا العامة بأسلوب الحمقى.. ولكنهم عندما عجزوا عن الحوار – وفشلوا في النقاش حتى بأسلوب الحمقى – انحدروا إلى ما هو (دون الحماقة)، أي السفاهة والوقاحة..!!

:: والحديث بأنّ الجماعة – لجنة مقاومة كانت أو غيرها – غير مسؤولة عن سلوك فرد أو أفراد، يكون صحيحاً حين تستنكر الجماعة سلوك الفرد أو الأفراد ثم تخرجهم من أوساطها وتقدمها للسلطات العدلية.. فالسُّفهاء هناك، غير الإساءة لـ(كباشي) بعنصريتهم المنتنة، أساءوا لوالدته الكريمة أيضاً.. وثلاثة أيام من الحدث، وغير بيان يحمل أرقام لوحات عربات أصحابها كانوا حضوراً بمنزل الأستاذ جمال عنقرة، لم يصدر أي بيان – عن لجنة المقاومة بالحتانة – يحمل أسماء الأفراد الذين أساءوا إلى كباشي ووالدته الكريمة.. وبالتأكيد لن يقدموهم للعدالة بتهمة العنصرية، وهنا تصبح الجماعة مسؤولة عن سلوك الفرد أو الأفراد..!!

:: والجدير بالانتباه، ما تَعَرّضَ له كباشي بالحتانة، وقبله عثمان ذو النون بسنار وأكرم التوم بالخرطوم، وآخرون بدارفور، كل هذه الأحداث ليس بمعزل عن المناخ السياسي.. وقبل أشهر، في حادثة كهذه، استشهدت بقصة الشاعر علي بن جهم.. هذا الشاعر غادر البادية إلى المدينة – لأول مرة – ليمدح الخليفة المتوكل قائلاً: (أنت كالكلب في حفاظـك للـود وكالتيس في قراع الخطوب).. وغضب مجلس الخليفة من الوصف، ولكن الخليفة لم يغضب، بل أمر للشاعر بقصر على شاطئ دجلة، يجاوره بستانٌ وجسرٌ عريقٌ، فأقام أشهر، ثم أنشد أعذب ما قيل في الوصف: (عيون المها بين الرصافـة والجسـر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري)..!!

:: وهذا حال شباب الثورة السودانية.. بسلميتهم التي شاهدها العالم واحتفى بها، نقلوا الثورة إلى مرحلة الدولة التي تحكمها الحكومة الانتقالية.. وهم يعلمون بأن هذه الحكومة الانتقالية من مراحل الثورة المهمة للغاية، وهي المرحلة الآمنة، والتي منها يجب أن تنطلق الحكومة إلى مرحلة السلام والبناء والتعمير وحكم القانون ودولة المؤسسات وليس الإساءات.. وشباب لجان المقاومة هم من نقلوا البلاد من مخاطر الثورة إلى (بر الأمان)، وبوعيهم ويقظتهم وحكمة قيادتهم – تجمُّع المهنيين – أوصلوا قطار الثورة إلى هذه (المرحلة الآمنة)..!!

:: ولكن الحكومة لم تُواكب بعد، بحيث تكون حكومة المرحلة الآمنة.. فالشاهد أنّ أنشطة لجان المقاومة، وتظاهراتها وسُلُوك أفرادها – كما أشعار علي بن جهم – بنت بيئتها.. نعم، فاللجان المجتمعية بنت بيئتها.. إن وجدت بيئة سياسية نقية، ودولة مؤسسات تُصنع فيها القرارات بمهنية ونزاهة، وتسُود فيها أحكام القانون، فإنّ لجان المُقاومة طاقة شبابية قادرة على المُساهمة في البناء والتعمير وحماية الوطن وقيم الثورة.. ولكن إن لم تجد البيئة السياسية النقية ودولة المؤسسات التي تنظمها وتوظفها، بحيث تكون طاقة إيجابية، فإن الطبيعة – التي لا تقبل الفراغ – هي التي سوف تُحوِّل لجان المُقاومة إلى طاقة سالبة وذات مخاطر على أمن المُجتمعات وسلامة أفرادها..!!

   

   

   

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى