هم الإسبوع

رحم الله استاذي عيسي ادم الشامي

بقلم:د.محمد عيسي عليو

أي منا .وهو يدلف مراحله التعليمية. إلا وله ذكريات مع معلميه. وفي غالبها ذكريات طيبة وجميلة بل في بعضها منعطفات تاريخية لولا تصرفات بعض الأساتذة لخرجت بنا هذه المنعطفات إلي الهاوية ورمت بنا عن جادة طريق العلم. خاصة تعامل كثير من المعلمين ما بعد الإستقلال. إذ كان المعلم مؤهلا تأهيلا ليس في التعليم فحسب. وإنما في التربية واستحضار الروح الأبوية وهو يدرس تلاميذه. كان طليعيا وطبيعيا أن يكون المعلم أخ أكبر واب من الآباء الأكابر وهو يتناول القضايا العامة التي تخص التلميذ. كان المعلم يراعي حالة التلاميذ خاصة الفقراء منهم.والذين يكونون في الداخليات وذويهم في بعد عنهم. سواء ظروفهم المادية أو الصحية أو العلمية. فتجد أن المعلم يصرف من جيبه الخاص في مثل هذه الحالات للطلاب ذوي الحاجة. بل يعتبر مثل هؤلاء التلاميذ كأبنائه. وكان كثير من التلاميذ يرفض المدرسة ويهرب إلي اهله الذين هم مثل ابنهم غير جادين وغير راغبين أصلا في التعليم. أحيانا يدخل الفرد إبنه مجاملة لصديق أو معلم أو زعيم إدارته. فعند وصول إبنه إليه هاربا من المدرسة يحمد الله علي سلامة الوصول ويسلم إبنه العصا ويمسكه درب (الغنيمات أو البقيرات أو الإبل ) ليرعي النعم وبذا يوفر له أجرة الراعي والأبن الصغير في غاية السعادة لتصرف الأب الذي خارجه من مصيبة إسمها أ ب ت. ولم يعد الطفل مسرورا للعقب وهو يتعقب بهائمه حتي يجد المعلم أو مرساله طالبا عودته إلي المدرسة. ولا خيار للوالد من تنفيذ رغبة المعلم الذي كان في زمانه ملكا غير متوج يحترمه الجميع ويهابه الجميع ويقدره الجميع. هذه بعض المنعطفات التي كادت أن تخرج ببعضنا إلي ضآلة الجهل وضالة الطرق وفقر التحصيل. هناك طلاب بتصرفات بعض المعلمين التي خارجتهم من الضياع أصبحوا قادة عسكريبن وعلماء دين وأطباء مهرة وفنيين ممتازين.
أستاذي عيسي آدم الشامي الذي افتقدته إلي الأبد أيام العيد الماضي أحد هؤلاء المعلمين العمالقة الأجلاء الذين كانوا ملوك زمانهم لخلقهم وادبهم وحسن سلوكهم. وفوق ذلك نواياهم الدينية والوطنية الطيبة. عيسي آدم الشامي مثال للمعلم الأب المعلم المبدع المعلم الوطني الذي يري مستقبل وطنه الزاهر في عيون وعقول تلاميذه. كنت وشقيقي الشهيد أمين في منعطف الهاوية لولا لطف الله تعالي ثم حكمة وقرار استاذي المرحوم عيسي آدم الشامي والتفاصيل تطول وتطول. ويكفي أنه من عشرات المعلمين الذين لهم فضل علي أن انتقيته شكرا في مقدمة رسالتي للماجستير والدكتوراه وهما منشورتان في كتابين بالمكتبات الآن. كنت في دوام تفقدي لأستاذي عيسي وهو يقضي بقية حياته في مدينته عديلة بولاية شرق دارفور.ففي العيد الفائت اتصلت به للمعايدة والاطمئنان علي صحته كالعادة عن طريق أحد أقربائه وهو الأبن قزافي لأني فشلت في الإتصال بابنه محمد عيسي وإذا بقزافي يتلعثم ويتردد ليس كعادته هاشا باشا وتأكد له أني لم أعلم بوفاته. واخيرا أفصح بوفاة استاذي وحبيبي وصاحب الفضل علي الأستاذ المربي الفاضل عيسي آدم الشامي. وهو من بقايا العطر الطيب القديم الذي كنا عندما نستنشقه يذكرنا بكل عطور استاذتنا العظماء ذات الرائحة المميزة في القرية والمدينة مثلها ومثل أقلامهم وأقمصتهم وجلابيبهم واحذيتهم. وحتي مشيهم وجلساتهم. وكنا إذا سلك المعلم دربا سلكنا دربا آخر وإذا اقتني المعلم عطرا اقتني اغنياء الطلاب عطرا آخر. وهكذا إذا لبس المعلم ساعة فيختفي نوعها من معصم أي طالب إذا كانت في يده. مات أستاذي عيسي ونحن في حاجة إلي علمه وحكمته وتراكم تجاربه. وإذا بكاه اهل عديلة وشرق دارفور باسرها فلا يظنون أن دموعهم وحدها هي التي سكبت. فإن عيون أخري بكت ولكن لا نقول إلا ما يرضي رب العالمين. وإنا علي فراقك يا أستاذي لمحزونون. ربنا أغفر له وارحمه وأرحم جميع أموات معلمينا واموات المسلمين جميعا. وارحمنا إذا صرنا إلي ما صاروا إليه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى