معاليه استراتيجياً (2 – 2)

مِنَ خلال مُتابعة أنشطة الوزير نصر الدين مفرح، يُمكن الخلوص إلى (4) أعمدة يتأسّس عليها عمله وهي: الهوس بالإعلام، والاعتقاد بأنّ مُهمّته هي التقليل من شأن اعتقاد غالبية السُّكّان المُسلمين مُقارنةً بالآخرين، والتعويل على الغرب في القضايا الإسلامية، والتقرُّب من دول الخليج.

يحتاج الوزير مفرح إلى بذل بعض الجُهد للتحصيل حول التعدُّد والتنوُّع الديني، وما إذا كان السودان بحاجةٍ إلى سياسات تضمن حُرية العبادة، أم نشاطات عبثية تُريد مَنح الأقليات غير المُسلمة – مع وافر الاحترام والمَحَبّة لها – سطوة على غالبية سُكّان البلاد من المُسلمين. لقد كان حديث الوزير لصحيفة حزبه على امتداد صفحة كاملة (31 أكتوبر 2019م) والتي حملت عنواناً مُتهافتاً (أنا مهموم جداً بقضايا الأقباط والمسيحيين وأبحث عن عابدي الحجارة والأوثان لأنّهم جُزءٌ من الوزارة)، وفيما لا تُوجد معلومات عن قضايا يتبنّاها نشطاء أقباط، فإنّ الوزير قد يجد نفسه في مُواجهة مع اعتقاده الديني نفسه وهو يتملّق عَبَدَة الحجارة الذين وصف الإسلام عهدهم بالجاهلية! إنّ تجارة الدين التي اعتمدتها الإنقاذ تبدو أقل كساداً وأكثر استقامةً من تجارة مفرح!

يلتقي الوزير بشكلٍ مُتواصلٍ بمن يتيسّر من السفراء الغربيين هولندياً وألمانياً وفرنسية، وبما أنّنا نعرف طريقة تفكير الوزير من خلال أحاديثه في وسائل الإعلام، فإنّه لن يصعب عليه تصوُّر النسق الذي تجرى عليه المُباحثات معهم.

لقد اتّخذت وزارة الخارجية الخطوة الصحيحة، إذ حذّرت مفرح من طَلب اللقاءات مع السفراء الأجانب على خلفية إصراره على لقاء السفير الإماراتي. يحتاج الوزير إلى مَوقفٍ صارمٍ من وزارة الخارجية ورئيس الوزراء – إن تيسّر له بعض الوقت في الخرطوم – ليعتني بنشاط وزيره الفائض في دول الخليج، ومن ذلك إصداره لنعي رسمي لسُلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد، وقيامه بمُخاطبة السُّلطان الجديد هيثم بن طارق، وسفير السلطنة بالخرطوم قبل مجلس السيادة.

ثم أتت الخطوة الأكثر بشاعةً في هذه السلسلة بإصداره خطاباً بتفويض مُواطن (لا نُريد ذكر اسمه) بجمع تبرُّعات في السعودية. ما لم يتدرّب عليه مفرح في دورات الاستراتيجيا بقريته أنّ جمع التبرُّعات يحتاج إلى مُوافقة السُّلطات المحلية، وإن جمع التبرُّعات في جمهورية السعودية (وفق قوله في مؤتمر صحفي) لا يُمكن القيام به بمُوجب تفويضٍ من حكومة السودان، وإنّ أيِّ نشاطٍ حكومي خارجي ينبغي له الحُصُول على مُوافقة رئيس الوزراء الذي يُوجِّه وزارة الخارجية باتّخاذ ما يلزم. فهل مرّت هذه الخطوة بالدورة المُعتادة أم تصرّف مفرح بحكم خبراته التي نالها من رئاسة جمعية التبلدي؟ وهل تمّت هذه الخطوة بالتشاوُر مع وزارة العمل والضمان الاجتماعي؟ لتقريب الصورة: هل يملك وزراء أجانب إصدار خطابات لمُواطنيهم بجمع تبرُّعات في السودان؟ إذا لم تتوفّر المعرفة، ولم يتوفّر القياس الصحيح وعَمّت الفوضى يصدر الوزراء خطابات من هذا النوع دُون مُحاسبة. نتمنى أن يعي المُواطن المعني الأعراف السارية في بلد الإقامة وأن يترفّع عن مثل هذا العمل.  

أمّا رئيس الوزراء، وحزب الأمة، ونشطاء الحُرية والتّغيير حلفاء المجلس العسكري في الحكومة المُؤقّتة، فعليهم التحلِّي بالحد الأدنى من المسؤولية عن نشاطات مفرح في الخارج أولاً ثُمّ الداخل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى