جمهورية السودان المختلة ٢-٢

 

لا يمكن التأريخ لاختطاف بلاد السودان، ومن ثم تأسيس الجمهورية المختلة بيوم استقلال البلاد، فقد بدأ الاختطاف قبل ذلك ببضعة عقود حين كانت الإدارة الاستعمارية تحصل على أفضل أنواع المساعدات المناهضة لكرامة المواطنين من نخبة محدودة من الأعيان الذين قامت بصناعتهم لخدمتها من شيوخ ورجال إدارة أهلية وأفندية (تكنوقراط بلغة اليوم)، وحين غادرت الإدارة الاستعمارية تزاحم هؤلاء لوراثتها.

إذا أمعنت النظر في أثرياء السودان اليوم ورجال الأعمال فإن قلة محدودة منهم ستنجو من صفة اللصوص والفاسدين وربما (الماسونيين) كذلك أعضاء الأخوية الأممية التي تتجاوز حدود الدول والديانات والأعراق! المجالس الشعبية مملوءة الآذان بحكايات اختطاف الدولة لصالح صناعة الأثرياء من نوع قرار السماح بتوريد شاحنات النقل دون جمارك، بينما هناك شخص محدد ينتظر على خطوات من ميناء بورتسودان بمئات الشاحنات! أبدل الشاحنات بسيارات كورولا مثلاً وستجد الدولة قد صنعت بقرار جائر واحد مليونيراً من العدم.

راجعوا إعفاءات الجمارك الفجائية عن بصات الركاب، والوقود، والدقيق، والسكر، وحليب الأطفال، وغيرها من السلع وستجدون وراء كل إعفاء منها صاحب مصلحة! راجعوا ذاكرة الشعب عن قرار طلاء الأسواق بالأبيض وأبوابها بالأخضر لنعرف من المستفيد من تلك القرارات التنظيمية! راجعوا كيف يتم حبس رجال الأعمال والمستثمرين فجأة، وكيف يطلق سراحهم فجأة، ومن الذي يقبض الفدية؟ راجعوا كيف يتم احتساب التعويضات عن المصادرات الجائرة وستعرفون كيف يتواطأ الخصوم في السودان على معاداة بعضهم في العلن، واقتسام المكاسب في السر!

راجعوا قوائم الممنوعات من التصدير والاستيراد في وزارات المالية والتجارة والجمارك لتعرفوا حيثيات المنع، ولماذا تمنع بضائع جيدة مثل السيارات اليابانية التي تجاوزت العشرة أعوام فيما يمتلئ السوق بالسيارات الرديئة؟ هذا مثال فقط فالقائمة الهائلة وأغلب الممنوعات متوفرة في السوق على كل حال! راجعوا تقارير دعم السلع الغذائية، والأدوية، والتقاوى، والأسمدة، وقطع غيار المصانع، والقروض والمنح الأجنبية منذ الاستقلال لنعرف المستفيدين، ونستعيد حقوقنا من المتواطئين واللصوص.

نقلت وسائط الإعلام الجديد أمس السبت أن الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة قد صرح بامتلاكه لمعلومات تشير لشراكات تجارية بين نشطاء في قوى الحرية والتغيير ومؤسسات نظامية أثرى بسببها البعض من عدم. في الغالب فإن مزاعم القيادي الإسلامي البارز يمكن أن تكون صادقة، فهو قادر على التجول سراً في دهاليز وأرشيف الكثير من الدوائر الحكومية وليته لو مضى قليلاً وقدم للشعب السوداني بعض ما يعرف عن فساد الإسلاميين أيضاً، ولا بد أنه يعرف معلومات أكثر دقة وتفصيلاً في هذا الجانب.

أرجّح أن تلويح الدكتور رحمة بهذه المعلومات لا يهدف – بالتأكيد – إلى تمليك الرأي العام أي معلومات وإنما هي بالونة في الهواء لابتزاز وتهديد (Blackmail) بعض الدوائر المتنفذة لأغراض لا تعني الشعب السوداني في عمومه.

إن الحاجة الآن ملحة لتأسيس لجنة دائمة لتقصي الحقائق حول الفساد ونهب الدولة وفقاً لقانون يضمن سرية مداولاتها، ويحمي الشهود ويسمح للمواطن/ أي مواطن بالإدلاء بشهادته عن كل فساد عرفه، ومن ثم تحويل الشهادات المحكمة على النائب العام لإجراء اللازم. فقط نحتاج إلى نائب عام مستقل ومحترف من خارج دائرة النشطاء ليقوم بهذه المهمة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى