العمارات السوامق والأسامي الأجنبية

 

قامت لجنة إزالة التمكين بفصل 109 دبلوماسياً وإدارياً من وزارة الخارجية، بينهم سفراء من ذوي الخبرة والمهنية العالية، ممن التحقوا بالعمل الدبلوماسي من مداخل الخدمة عبر لجنة الاختيار وتدرجوا فيه حتى قمته، فصلاً جماعياً ليس فيه حيثيات ولا توضيح مفصل لأسباب الفصل. وكان المتوقع من لجان حكومة ما بعد الثورة، أن يكون هدفها إحقاق الحق وإبطال الباطل، واتباع الإجراءات السليمة وفق قوانين الخدمة المدنية، وسيادة قيم العدالة في كل ما تفعله الدولة.

ومن ناحية أخرى، قامت لجنة أخرى مختصة بقضايا المفصولين، بإعادة تعيين عددٍ من المفصولين في وظائف عليا بمرتبة سفير في الخارجية. وقد كتب الكثير من المراقبين ملاحظاتهم على هذا التعيين، ومن أهم ما كُتب أن بعض هؤلاء قد تجاوزوا سن المعاش بكثير، وبعضهم قد اعتزل العمل منذ سنين بعيدة وابتعد عن عالم الخارجية والعلاقات الدولية، وكان من الأفضل إنصافهم معنوياً ومادياً، وليس تعيينهم في مراتب عليا مع دفعتهم، لأن هذا شبيه بفصل طالب من السنة الثالثة الإبتدائية ظلماً، ثم تعويضه بعد ثلاثين عاماً، بتعيينه أستاذاً جامعياً أسوة بزملائه الذين واصلوا الدراسة!

ورغم ما في هذه الآراء من وجاهة، إلا أن ما أهمني في الأمر كله هو جانبين. الأول الظلم الذي وقع على بعض المفصولين، بل أغلبهم، ممن لم يتم تعيينهم سياسياً ولا بمذكرات التمكين. وإنما تقدموا للخدمة مثلهم مثل آلاف العاملين في كل أجهزة الدولة الآن، وتم اختيارهم بعد اختبارات ومنافسات مفتوحة ومعاينات، أشرفت عليها الجامعات في مراحلها الأولى، ولجنة الاختيار في مراحلها التالية.

والثاني أن الكثير من الذين تم تعيينهم مؤخراً، هم من حملة الجنسيات الأجنبية. وهذا أمر خطير ويخالف نظم العمل الديبلوماسي في السودان وربما في العالم كله. فالمعروف أن الديبلوماسي لا يُسمح له بالزواج من أجنبية. كما تحرم النظم السائدة عندنا تعيين أي ديبلوماسي يحمل جنسية مزدوجة، لأن في ذلك تضارباً للمصالح وخطراً حقيقياً وكبيراً على الدولة التي يمثلها ذلك الديبلوماسي. فإذا تضاربت مصالح السودان مع مصالح وطنه الآخر، فلمن سيكون ولاؤه؟

لقد بلغت الاستهانة بقيمة الوطن التمثيلية أن بعض هؤلاء الديبلوماسيين يسافر حتى الآن، في مهام تتعلق بتمثيل السودان، أداء لواجباته في الخارجية السودانية، بجواز السفر الأجنبي! وفي ذلك خرقٌ بائن للأعراف الديبلوماسية المتعارف عليها في العالم كله، وفضيحةٌ مجلجلةٌ ومخزية، وجهلٌ واستهتارٌ لا يليق حتى بموظف صغير بسيط يحمل اسم الدولة ورمزيتها.

على السيد رئيس مجلس السيادة، وهو الذي يحمل السفراء خطاب الاعتماد الموقع منه شخصياً، تدارك هذه الكارثة الفضيحة، وإصلاح هذا الاعوجاج المخجل اليوم قبل الغد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى