تعويض ضحايا التفجيرات.. خطوات رفع الحظر!!

 

تقرير: عبد الله عبد الرحيم

ما بين الأمر الواقع وشروط رفع العُقُوبات الأمريكية المفروضة على السودان، أكدت الحكومة أنها ستمضي قُدُماً في التفاوض مع أسر ضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي ودار السلام للوصول إلى اتفاقٍ مُناسبٍ وترضيات شبيهة بالتي تمّت في الاتفاق مع أُسر ضحايا المُدمِّرة “كول”، والوصول للاتفاق المُناسب الذي سيخدم طي ملف الأزمات المُتراكمة بين الخرطوم وواشنطن.

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح، إنّ حكومته ستتّبع ذات النهج والمسلك الذي سلكته في التعامُل مع القضايا الخارجية وخاصة في الملفات التي لها علاقات وطيدة بملف رفع السودان من قائمة الإرهاب، أو القضايا التي أُدخل السودان بسببها تحت جانحة هذه العقوبات الدولية، وذلك بالاتجاه نحو مُعالجة قضية أُسر ضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي ودار السلام، وذلك للتّوصُّل إلى تعويض تتمكّن حكومته السودان الإيفاء به، بيد أنّ فيصل قال إنّ الشعب السوداني والذي يدفع هذه الغرامات لم يكن مسؤولاً عنها، وإنّما هي تركة من تركات النظام البائد، مُشيراً إلى أنّ الحكومة تتعامل مع هذه العقوبات باعتبار أنّها أصبحت أمراً ضرورياً أصدرته محكمة أمريكية، فأصبح أحد الشروط للاستمرار بذات الألق، مُفاوضات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فهل سيصل الطرفان إلى اتفاقٍ مُناسبٍ كما قالت الحكومة السودانية، أم أن أهالي الضحايا بالإضافة للإدارة الأمريكية يُمكن أن يكونا لهما رأي مُغاير، وبالتالي ربما أدى هذا الفعل إلى تعميق تعليق رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب جرّاء أخطاء الحكومات السابقة، وبالتالي مُعالجة القضايا العالقة وإغلاق ملف الإرهاب والعقوبات بصورة نهائية!

أثر رجعي

خلال العام الماضي وفي منتصف شهر يونيو، وافقت المحكمة العليا الأمريكية على نظر دعوى تطالب بعقوبة مالية على السودان تبلغ 4.3 مليار دولار بزعم أنه تواطأ في تفجيرات نفّذها تنظيم القاعدة عام 1998 استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وأسفرت عن مقتل 224 شخصاً.. وقبلت المحكمة طعناً أقامه مئات مِمّن أُصيبوا وأقارب قتلى يُريدون تجديد دعوى فرض العقوبات المالية، بعد أن قضت محكمة أدنى درجة في 2017 بأنّه لا يُمكن فرض هذه العقوبة على السودان، إضافةً إلى نحو ستة مليارات دولار تعويضات تضمّنتها الدعوى، وقتل 12 أمريكياً في الهجمات التي نُفِّذت في السابع من أغسطس عام 1998 والتي أُصيب فيها آلاف.. وتَمّ إثبات الأضرار بشكل افتراضي، لأنّه بالنسبة لمُعظم ما جاء في الدعوى لم يُمثل السودان أمام المحكمة الأدنى درجةً للدفاع عن نفسه في مُواجهة مزاعم إيوائه عناصر من القاعدة وتقديم الدعم لهم، وكان من شأن ذلك شن الهجمات.

وكان المدعوون قد أقاموا دعواهم أمام المحكمة الاتّحادية في واشنطن بمُقتضى قانون الحصانات السيادية الأجنبية والذي يمنع بشكل عامٍ الادعاء ضد الدول الأجنبية إلا إذا كانت الولايات المتحدة أعلنتها دولاً راعية للإرهاب.. وبعد إقامة دعوى بشأن تفجير السفارتين في 2001، أُقيمت (6) دعاوى أخرى من قبل أكثر من 700 من المُصابين وأقارب القتلى.. وأثبت قاض اتحادي مسؤولية السودان وحكم عليه بدفع 10.2 مليار دولار، بينها 4.3 مليار دولار عقوبة مالية للمدعين!

وفي 2017، أيّدت دائرة في محكمة الاستئناف في العاصمة الأمريكية الحكم بمسؤولية السودان، لكنها قضت بأن التعديل القانوني الذي سمح بالعقوبة المالية تَمّ بعد حُدُوث التفجيرات ولا يُمكن تطبيقه بأثر رجعي.

وحثت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، المحكمة العليا على قبول الدعوى الجديدة وأن تقضي بإعادة نظر دعوى العقوبة المالية.

وفي الأسبوع الماضي، وقّعت وزارة العدل السودانية، اتفاقاً مع أسر ضحايا المُدمِّرة “كول” بواشنطن في إطار الجُهُود التي تبذلها الحكومة السودانية لرفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ضبابية الموقف

ويقول المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب لـ(الصيحة) حول المفاوضات التي تعتزم الحكومة إجراءها مع أسر ضحايا السفارتين الأمريكيتين والمفاوضات التي أجرتها مع أسر ضحايا المُدمِّرة “كول”، إنّ تسوية هذه المواضيع من البنود الموجودة تاريخياً، ولكن الحكومة وقتها كانت ترى أنها يجب أن تسلك المسار القانوني، لجهة أنها كانت تنفي بشكل قاطع أيِّ صلة لها بهذه التفجيرات، خاصةً وأنّ حدوثها جاء بعد مُغادرة أسامة بن لادن السودان بعد أربع سنوات، وطالما هو مُقيمٌ في بلد آخر وجنسيته غير سودانية لا تلزم السودان بتبعات ما قام بارتكابه.. ويستدرك الفاتح بأن موقف السودان ووجوده في قائمة الدول الراعية للإرهاب جعله عُرضةً لمثل هذه المُضايقات والمُطالبات، فالقانون الأمريكي كان مُتّسقاً مع القانون الدولي الذي يمنع مُحاكمة ومُقاضاة الدول عبر القانون المحلي، ولكن أمريكا قامت بإضافة دول لقائمة الإرهاب ليتسنى محاكمتها عبر القانون المحلي، وأكد الفاتح أن مصلحة السودان في تطبيع علاقاته دولياً وإعفاء دُيُونه ومُطالبة نادي باريس بضرورة مُوافاة هذه المطلوبات هو ما دفع الحكومة لخطو هذه الخطوة في مُفاوضة أسر الضحايا ليتسنى رفع اسمه، وقال محجوب إنّ من الصعاب التي تُواجه السودان حالة رفع اسمه من القائمة السوداء وضبابية الموقف بالنسبة للاقتصاد السوداني وعدم ثقة المصارف فيه ربما أدى لتعطيل استفادته من المنظومة الدولية بالصورة التي يرتضيها السودان.

مصالح أمريكا

وقال محجوب، إنّ الحكومة الأمريكية تستطيع بقرار من الرئاسة أن تتجاوز حتى موضوع التسوية المُختص بأمر تفجير السفارتين وذلك بمُجرّد إبداء حُسن النية الدخول في مُفاوضاتٍ، وأرجع عدم سعيها لهذه الخطوة لعدم جديتها في إعفاء السودان وتسهيل مُهمّته الراغبة في الانضمام للمنظومة الدولية لإعفاء دُيُونه وتسهيل مُعاملاته المصرفية، مُؤكِّداً أنّ التسوية الراهنة غير مقدورة للحكومة السودانية لأنها تتجاوز مقدرة السودان للوفاء بها، وقال إنّ الحل الأمثل المُتاح للحكومة السودانية هو المُضِي في التفاوُض مع أُسر الضحايا، وضرب محجوب أمثلة لدول رفعت أمريكا اسمها من قائمة الإرهاب، لأنّ لها مصلحة وراء تلك الخطوة، كرفع اسم إيران من قائمة الإرهاب في عهد أوباما، ورفع كوبا أيضاً.. أما السودان فإنّه هو من يسعى وراء رفع اسمه، وفي ذات اللحظة لا ترى أمريكا أنّ لها مصلحة وراءه، لذلك تماطل، وقال محجوب إنّ الموقف الأخير للسودان بلقاء البرهان ونتنياهو يمكن أن يحدث موقفاً جديداً بأن السودان الآن يجري في السياق، وبالتالي قد يُعجِّل من رفع اسمه من الإرهاب، بغض النظر عن وجود قضايا أخرى له تبقيه في هذه القائمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى