تصريحات السفير الصيني بشأن السودان.. دور ملموس أم استهلاك دبلوماسي؟

تصريحات السفير الصيني بشأن السودان.. دور ملموس أم استهلاك دبلوماسي؟

الخرطوم- الطيب محمد خير

دخلت الصين على خط الأزمة السياسية السودانية بعد أن نأت عنها طوال فترة الأعوام الماضية التي تلت سقوط حليفها المؤتمر الوطني والتزامها الحياد والنأي عن الإدلاء بأي تصريحات رسمية عبر سفيرها بالخرطوم الذي أعلن على نحو مفاجئ في مؤتمر صحفي عقدة بمباني السفارة، أكد خلاله رفض بلاده التدخل الخارجي في الشأن السوداني.

وقطع السفير الصيني ما شيمين، أن السودان شريك أساسي لبلاده التي قال إنها ستواصل العمل البنَّاء لتقديم الدعم والمساعدات لتحسين معاش الناس بالسودان لتحقيق الاستقرار، مناشدًا المجتمع الدولي لاستئناف المساعدات للسودان وتقديم الدعم المالي له حتى يتغلَّب على الصعوبات التي تواجهه، داعياً أطراف الأزمة من القوى السياسية عدم اتباع المصالح الحزبية الضيِّقة وتغليب المصلحة العليا لبلدهم بترك الخلافات جانباً والعمل لإيجاد أرضية مشتركة بينهم لتحقيق الاستقرار في مختلف المجالات.

والسؤال الأبرز كيف يمكن تفسير حديث السفير، وما تداعياته المحتملة وهل يؤسس لدور جديد للصين في السودان على نسق ماتم إبان فترة الإنقاذ بدخول الصين إلى السودان بكل ثقلها الاستثماري في مجال البترول والتعدين رغم أنه كان معزولاً اقتصادياً  وهو يشبه  الحالة التي  يواجهها السودان الآن عقب قرارات القائد العام في 25 أكتوبر 2021م، التي فضت الشراكة  التي كانت قائمة  بإلغاء الوثيقة الموقعة بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري وعودة المقاطعة الاقتصادية بسبب اشتراطات المجتمع الدولي الذي تتحكم فيه أمريكا.

ونجد أن حديث السفير الصيني يأتي في اتجاه معاكس لعملية الضغط الذي تمارسه أمريكا وحلفائها على السودان، حيث أكد  السفير أن بلاده ستعمل بطريقة بنَّاءة لتقديم الدعم والمساعدات لتحقيق الاستقرار في السودان، وإطلاقه مناشدة للمجتمع الدولي لاستئناف المساعدات السودان وتقديم الدعم المالي له حتى يتغلِّب على الصعوبات التي تواجهه .

فهل حديث السفير بداية لمغادرة  الصين مربع الحياد الذي كانت تقف فيه على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة السودانية، باتجاه الدخول على خط مبادرات الحل المفتوحة على مصراعيها  لربما  تكون أطروحاتها مقبولة, بعد أن كانت قد  تركت مسرح الأزمة لغريمتها أمريكا تتحرَّك فيه مع حلفائها.

المحلِّل الاقتصادي د.محمد الناير، ذكر أن ما ورد في حديث السفير الصيني يعتبر متوازن وهو يطالب بعدم تجاوز الحدود، وأضاف في حديثه لـ (الصيحة) أنه يوجه  رسالة لأمريكا وحلفائها في الغرب، وقال إن أهم مايميِّز الأنموذج الصيني هو عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، كما تفعل أمريكا والغرب بتدخلاتهم  في المرحلة الأخيرة في الشأن الداخلي السوداني بطريقة غير مسبوقة، وأوضح أن الصين عندما نادت, نادت بمبادئها  التي هي عدم التدخل في الشأن الداخلي، وهناك رسالة للداخل السوداني والقائمين على الأمر بأن التفوا لإمكانات بلادكم، لأن السودان دولة مهمة إقليمياً ودولياً من ناحية استراتيجية وأمنية،  ويضيف: لكن للأسف أن قادته لم يقيِّموه بحجمه الحقيقي بداية من قدرته على سد نقص الغذاء الذي يهدِّد العالم بعد الحرب الأوكرانية الروسية، بجانب أنه  يملك (750) كليو متراً، على البحر الأحمر أهم ممر ملاحي دولي، كما  يملك إمكانات وقدرات مهولة، فضلاً عن أنه يشكل رابطاً بين المنطقة الأفريقية والعربية، كل ذلك يضع السودان محط نظر العالم، وهذا يجعلنا نطلب من السلطة القائمة في السودان أن تقرأ المشهد الذي يتشكِّل فيه العالم، وتتعدَّد الأقطاب وتبرز قوة اقتصادية جديدة ممثلة في الصين تخلق توازناً خارجياً في ظل كل  هذه التحوُّلات. السودان لايزال يرضخ للضغوط الأمريكية وهذا ناتج عن القراءة الخطأ للوضع العالمي في المرحلة القادمة من القائمين على أمر السودان مع ضرورة عدم دخول السودان في التحالفات ويكون معياره عدم التدخل في الشان الداخلي للدولة.

وأشار د.الناير إلى أن القائمين على الأمر في السودان لم يقرأوا مشهد مايجري في السودان في مقبل الأيام بداية من الانتخابات النصفية التي تجري في أمريكا الآن ومن المتوقع أنها ستقلب الطاولة داخلياً رأساً على عقب، وقال: من المتوقع أن تشهد أوربا وأمريكا ربيعاً مثل الذي شهدته الدول العربية في العشرية الماضية وأطاح بكثير من الأنظمة فيها، والآن العالم يتشكل من جديد بتعدد الأقطاب.

وقال السفير الصادق المقلي، لـ(الصيحة) بأن الصين ليس لديها ما تقدِّمه للسودان لمساعدته في مشكلاته الاقتصادية التي يمر بها، لأنها دولة ليست مانحة وإنما مهتمة بالاستثمار أكثر من المساعدات، هذا من جهة، من جهة أخرى هي دولة حليفة لأمريكا تجارياً، ورغم أنها كانت المستثمرة الأولى في بترول السودان على أيام الإنقاذ المعزولة دولياً، لكنها لم تساندها باستخدام حق النقض في مواجهة القرارات التي صدرت بحقها في مجلس الأمن ولاسيما في القرار الخاص بالمحكمة الجنائية.

وأضاف السفير المقلي، أما حديث السفير عن أن بلاده ستساعد السودان لتحسين معاش الناس بالسودان لتحقيق الاستقرار لا أتوقع أن يحدث ذلك، لأن الصين كانت تقف متفرِّجة على حليفتها حكومة الإنقاذ وهي تسقط في 2011م، بسبب الضائقة الاقتصادية ولم تساعدها، بل كانت تطالبها بسداد ديونها البالغة أربعة مليارات دولار، وبالتالي حديث السفير يؤخذ في إطار الدعم الدبلوماسي ولن يكون له  مردود إيجابي على أرض واقع الأزمة التي يمر بها السودان سواءً سياسياً أو اقتصادياً، لأن الأزمة التي يمر بها السودان أزمة ثورة، أما أمريكا وبريطانية والاتحاد الأوربي فتأثيرهم عبر العقوبات، والصين لا تسطيع أن تقنع المانحين الدوليين بتقديم مساعدات للسودان، لأنها تملك (3%)  من القوة التصويتية في البنك الدولي والصناديق الأخرى مقابل أمريكا التي تملك  (17%) أما حديثه عن رفض بلاده للتدخل الخارجي في الشأن السوداني -أيضاً- حديث للاستهلاك الدبلوماسي، ومعروف أن أمريكا تتعامل وفق مصالحها الاستراتيجية الاقتصادية بالتالي هي لا تريد تحوُّل ديموقراطي في السودان وهدفها الموقع الاستراتيحي للسودان في المنطقة بجانب الموارد الكثيرة التي يزخر بها السودان وغير مستغلة وهذه لا يتم استغلالها إلا في ظل استقرار, وختم ما أخلص إليه أن الصين دولة لا تستطيع أن تلعب دوراً في العمل التنموي ولا الاقتصادي في السودان وهذا ما أشارت إليه في تجرتها مع الإنقاذ فهي لن تضحي بمصالحها الضخمة مع السودان، فكل هذا الحديث للاستهلاك الدبلوماسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى