اتفاقية تعاون وليس سلام

 

آذان هياكل السلطة الإنتقالية الحالية مفتوحة للإستماع الى الحكمة الإسرائيلية وبما أن هدفنا هو التنوير والمناصحة وتحويل الكتابة إلى مساهمة راشدة في الشأن العام فإننا نحتاج إلى مسامع الحكومة عسى ان تفقه قولنا. في العام ١٩٧٧م وقبيل شهر واحد من زيارة الرئيس السادات التاريخية للقدس ومخاطبته للكنيست الإسرائيلي، صرح مجرم الحرب الصهيوني الشهير موشي ديان مهيئاً العالم لمرحلة جديدة من المساومات بين العرب وإسرائيل بأنه “إذا كنت تريد السلام، فإنك لا تتحدث إلى أصدقائك بل تتحدث إلى أعدائك”، وفي التسعينيات إبان محادثات مدريد قال رئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين “إنك لا تصنع السلام مع أصدقائك، بل تصنعه مع (أتفه) أعدائك” والصفة بين قوسين لابد أنها كانت محفوظة للعرب!

ولمن يستسيغون العبارات الأمريكية أكثر في السلطة الإنتقالية ننقل أن وزير الخارجية السابق جيمس بيكر هو القائل “إنك تتفاوض على السلام مع أعدائك وليس مع أصدقائك”.

يوم الجمعة الماضي وقع السادة محمد الحسن التعايشي وأسامة سعيد وخالد محمد إدريس  على وثيقة أطلقوا عليها إتفاقية مسار شرق السودان وهي وثيقة على ضعف محتواها و(البؤس) البائن في لغتها وتحريرها، والمثير للسخرية مثل وضع لقب الأستاذ قبل أسماء الموقعين عليها في تزيد لا معنى له، فإنها تمنح التعايشي تفويضاً غير منصوص عليه في إطار قانوني حيث وقع نيابة عن حكومة السودان الانتقالية حسب نص الوثيقة والمعروف أنه ليس جزءاً من الحكومة أصلاً، وإنما هو عضو في مجلس السيادة المتوافق عليه وفق نصوص وثيقة يتم الدوس على محتواها كل يوم بواسطة ذات الأفراد والجماعات التي تعتمد عليها في الجلوس على مقاعدها المؤقتة.

محتوى الوثيقة فيه الكثير من الثغرات التي تكشف ضعف قدرات المتفاوضين من الجانبين، لكن بما ان الوثيقة ذاتها لن تكون ذات أثر في حياة الناس فإن مناقشة محتواها أمر فيه هدر كبير للوقت والجهد. أهم ما في الوثيقة أنه لم يتم التوصل إليها بين طرفين متصارعين، وإنما بين مجموعات وجدت نفسها في المكان الخطأ وتريد تجميد اللحظة الراهنة!

قد نكون بحاجة لأن نعيد بأن هناك مجموعات من شركاء مرحلة ما بعد الإنقاذ ترغب في صناعة طبقة سياسية جديدة تكون بديلاً للطبقة التي تأسست خلال ٣٠ عاماً من الإسلامويين وحلفائهم وما ملكت أيمانهم بالرشوة والإفساد، وهذا عمل مشروع شريطة أن يتم في النور وبإسمه الحقيقي ودون استخدام موارد الدولة فيه.

يمكن السماح بحرية التنظيم السياسي وتشجيعها عبر وسائل الإعلام وعبر القوانين التي تصنع المناخ المواتي، لكن أن يتم خداع الجماهير واستقطاب عناصر غير ذات أثر، ومحاولة صناعتها كقيادات بعد تمليكها صكوك إتفاقيات من وراء ظهر الشعب فهذا لا يليق إلا مع شعب جاهل جدير بالتجاوز والازدراء.

ينبغي اعتماد هذه الاتفاقيات كمواثيق تعاون بين موقعيها بعيداً عن جهاز الدولة والأموال العامة على أن تطرح للإكتتاب السياسي العلني العام فمن أراد الانضمام اليها طائعاً مختاراً فله ذلك، أما ان يتم فرض موقعيها كقادة للجماهير عبر اتفاقيات فالأولى بصناع هذه الاتفاقيات اشعال الحرب أولاً قبل اطفائها بمسارات السلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى