قبائلستان ٢-٢

منذ تولِّي حكومة ما بعد عهد الإنقاذ المُباد، اكتشف مواطنو شرق السودان أنهم خارج حلقة الاهتمام العادي للسلطة المركزية، فمع اندلاع الأعمال الإجرامية التي انطلقت في ولايتي القضارف والبحر الأحمر والتي اتخذت لبوساً قبلياً عاد المجلس العسكري إلى كتاب الإنقاذ مستنفراً رجالاتها للمساهمة في حل قضية  كان يمكن حسمها بشكل جذري بتدخّل الشرطة والأجهزة الأمنية واتخاذ الإجراءات المعتادة مع الجُناة. هكذا حرصت السلطات على تجميد الشرق في مرحلة الإنقاذ، وهذا يكشف عن احتمالين إثنين هما: أن السلطة الجديدة ترى أن مواطني الشرق لا يستحقون عهداً جديداً، أو أنها تثق أكثر في رجال العهد المباد، وترى أنهم الأنسب لقيادة المرحلة الجديدة! هذان احتمالان فاجعان.

خلال تشكيل مؤسسات السلطة (الانتقالية)، راقَب المواطنون كيف تم اختيار أبناء شرق السودان فيها وأي الوزارات تم احتجازها لهم، ريثما يتم العثور على أفراد يناسبون المزاج العاصمي الحاد إزاء صداع الأقاليم، وقد كتبنا في حينه أن ترك وزارتي الثروة الحيوانية والبنية التحتية للتنافس عليها بين أقاليم الشرق والنيل الأزرق يضمر تصوُّراً بأن أهل الإقليمين لا يصلحون للمالية والخارجية والتعليم العالي والصحة وغيرها.  إذا وافقنا على منطق أولاد البندر – من أجل الجدل فقط – نتساءل هل هو أمر مُعجِز أن يُقدِّم أهل الشرق وزراء في كفاءة ومهارات السادة أسماء والبدوي ومانيس وصغيرون مثلاً؟

حين قررت السلطة المؤقتة بناء قاعدة شعبية تعينها ساعة ينفض سامر التحالف المؤقت مع ما يسمى بقوى الحرية والتغيير، واتخذت له اسماً مستعاراً هو مفاوضات السلام في جوبا، كان نصيب مواطني شرق السودان ساسة تم اختراعهم على عجَل في معامل السلطة دون أن تكون لهم تنظيمات أو ثقل شعبي أو قُدرات أو مهارات! هكذا وفّرت ذات السلطة الحيثيات والوقود اللازم لصناعة تيار مُناهِض للوفد المُفاوِض في جوبا ما انفك يعقد الاجتماعات، ويزعق بالبيانات، ويستقطِب الغاضبين والرافضين والمُستبعَدِين، وقد قرأتُ تلخيصاً ذكياً لما يحدُث الآن في الساحة السياسية لشرق السودان كتبه الأستاذ عمر بامكار محمد عبد الله، وهو مُناضل من أرومة فاضلة غنية عن التعريف  صاحب سجل ناصع في البسالة والصبر على الجهر بالحق، إذ قال إن كلا الطرفين المتصارعين ينتميان إلى عهد الإنقاذ المُباد.  

إن الرسالة التي ينبغي على السلطة أن تُدركها أنها تحكم وفق مشروع للثورة والتغيير عليها بموجبه التخلي كلية وفوراً عن منهج الإنقاذ والمؤتمر الوطني المحلول لأنه منهج قالت الجماهير فيه رأيها أن لا بمفردات فصيحة.

لقد صنعت حكومة الإنقاذ حركة التجاني السيسي، ووقّعت معها اتفاق سلامٍ لم يكن له أثر سوى على رفاه صانِعِيه، وهذه نصيحة صادقة منّا بأن تجريب المُجرّب لن يقود إلى نتائج جديدة.

إن السلام يُصنَع بين المتحاربين وليس بين الحلفاء، وبما أنه لا توجد حرب في شرق السودان، فإن أهل الإقليم ليسوا في حاجة لاختراعها من أجل التوقيع على اتفاق زائف للسلام. على السلطة العمل من أجل رفاه المواطنين مع الشباب والقوى المدنية الحديثة والتكنوقراط مهما كانت لغيرهم الخبرة في التدليس والقدرة على الهتاف.

هذا حديثٌ لن يبلغ مُنتَهاه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى