المُنقِذ من الضلال والتيه الحالي

 

الحكومة الانتقالية هي في الأصل حكومة تراضٍ وطني وتوافق سياسي شامل. ولأنها حكومة غير منتخبة، فهي تستمد مشروعيتها من الرضا الشعبي العام، وهو رضاءٌ مفترض افتراضاً ولم يقم على معايير علمية وقياسات موضوعية. فهي تتمتع برضا القوات المسلحة بمختلف فصائلها، وهذا هو العنصر الأقوى في أعمدة مشروعيتها، لأن القوات المسلحة هي التي أسقطت النظام، وهي التي سلمت السلطة لهذه الحكومة. وتتمتع الحكومة بدعم عددٍ من القوى السياسية التي كانت تعارض النظام السابق، وهي المنضوية تحت مظلة قوى الحرية والتغيير، رغم أن بعضاً من الفصائل المهمة في هذا التحالف الفضفاض، قد أعلنت معارضتها للكثير من سياسات وتوجهات الحكومة، كالحزب الشيوعي وحزب الأمة والمؤتمر السوداني.

ولتأكيد شعبية وشرعية الحكومة، وزيادة تماسك قاعدتها المساندة، وتوسيع وتعميق الرضا الجماهيري عنها، وعدم الاكتفاء بالشباب الذين يتظاهرون في الشوارع، وبالناشطين الذين يدعمونها عبر الوسائط، فإن على الحكومة التواصل مباشرة مع المجتمع المدني الواسع. وذلك بعقد مؤتمراتٍ تشاوريةٍ موسعةٍ وشاملة، على غرار المؤتمر الاقتصادي المزمع. وذلك في كافة مجالات الإصلاح ورسم السياسات، التعليمية والعلمية، والزراعية والإنتاجية، والصناعية والتجارية، والثقافية والإعلامية، والعدلية والقانونية، وبالطبع السياسية والإدارية مثل قضايا السلام، والحكم الفدرالي وهيكلته، والانتخابات، والأحزاب وغيرها.

إن السودان يزخر بالعقول والخبرات والخبراء في كل مجال، ممن لهم وزنهم واحترامهم وقبولهم عند الكافة. ويزخر بالحكماء ورجال الدولة، الذين يستطيعون تغذية الحكومة بالأفكار والمعلومات والخبرات، ويضفون على سياساتها سعة وتعقلاً وقبولاً جماهيرياً وعمقاً واستفادة من التجارب السابقة، في بلادنا أو خارجها.

على الحكومة الاستعجال في الاستفادة من المورد البشري الهائل المتاح لها، مجاناً، من أناس مخلصين قلوبهم على بلدهم، وهم أحرص ما يكونون على المشاركة في رسم مستقبله وإنقاذ حاضره. وعليها تشكيل مجالس استشارية، بعد عقد المؤتمرات التخطيطية الموسعة، لتعين الوزارات في قراءة الواقع واكتساب الخبرات السابقة، ثم رسم السياسات المناسبة.

قرأت مؤخراً مقالاتٍ قيمة للكاتب والدبلوماسي عبد العزيز حسين الصاوي، وللسفير عبد المحمود عبد الحليم، وللكاتب المجيد محمد عثمان إبراهيم، عن بعض دول غرب أفريقيا، واستغربت ألا يكون أيٌّ من هؤلاء موجوداً في أي جسمٍ استشاريٍ لوزارة الخارجية ولرئاسة الوزارة، كما استغربت من قبل ألا يكون د. الواثق كمير موجوداً لا في الحكومة ولا في أي مجلس استشاري لقضايا السلام والتنوع، كأمثلة فقط على الكفاءات المتاحة التي لم نستفد منها.

إن الحكومة الانتقالية تعيش في تيهٍ وتخبّط. وكما أعلن رئيس الحكومة، فهي لا تعمل وفق خطة متكاملة لإدارة الفترة، بل وفق أهداف عامة وشعارات غير مفصلة، كالحرية والسلام والعدالة، وكتصفية دولة الحزب لصالح دولة الوطن وإزالة التمكين لصالح العدالة في الفرص والتزام القانون في التوظيف والترقي، وإصلاح السياسة الخارجية خاصة العودة إلى مؤسسات التمويل الدولية. والواضح أن إنجازها حتى الآن قليل في كل هذه المجالات.

للخروج من هذا التيه، نقترح على الحكومة الالتفات إلى هذا الشعب الغني بخبرائه وعقوله، وسرعة الدعوة إلى مؤتمرات شاملة، تخرج بسياسات مرضية ومقبولة وعليها شبه إجماع، يخرجها من حرج اتخاذ قراراتٍ صعبة، ومن حرج اتباع سياسات لا تمثل إلا القلة القليلة من النشطاء قليلي الخبرة الذين يشغلون المواقع التنفيذية المهمة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى