سياسة المصالح.. بدايات صحيحة

 

الخرطوم: إنصاف العوض

مطلوبات أمريكية وضغوط اقتصادية وآمال تنموية، دفعت الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك، ونائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو  لرسم مسار طيف دولي واسع لفك العزلة الدولية والانعتاق من قائمة الإرهاب الأمريكية، والتماهي مع النظام المصرفي العالمي، وهو ما حدا بالبرهان للتاكيد لصحيفة “الشرق الأوسط” بأن التطبيع مع إسرائيل مقبول شعبياً إلا من الايدولجيين، أحد الطرق المؤدية لباحات الرضا الأمريكي، وفي الوقت الذي تمد فيه الدول الأوربية بقيادة ألمانيا لحكومة حمدوك أياديها بيضاء عشقًا في الديمقراطية وهيامًا بحقوق الإنسان، لا تزال واشنطن والمؤسسات الدولية تغلف حسن نواياها  بوشاح كثيف من الغموض، وعدم اليقين لدرجة جعلت حمدوك يصف الوضع بالمُربِك خلال زيارته الحالية لبرلين.

ضربة البداية

وتعتبر زيارة حمدوك لواشنطن ضربة بداية فك العزلة الدولية عن السودان، كونها خاطبت العقدة الأساسية للعزلة المتمثلة في وضع البلاد ضمن قائمة الإرهاب، وجاء توقيع التسوية لتعويض عائلات ضحايا تفجير المدمرة “يو إس كول” الأمريكية بمبلغ 30 مليون دولار برداً وسلاماً  كونها إحدى التوجهات الأولى في محاولة وضع أرضية ثابتة لخلق سياسة أكثر تسامحاً مع السودان.

ويرى المحلل السياسي ومدير مركز دراسات الراصد الدكتور الفاتح محجوب أن أهم فتحيْن في مجال فك العزلة تمثلا في زيارة حمدوك لواشنطن ولقاء البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنايمين نتنياهو، بسبب العلاقة القوية واللصيقة بملف الإرهاب.

وقال الفاتح لـ”الصيحة”، إن الخطوات التي قامت بها الحكومة الانتقالية ممتازة في هذا الملف، وبخاصة التسوية التي تمت بين حكومة حمدوك وواشنطن حول ملف المدمرة كول  300 مليون دولار، مما يجعلنا نتوقع أخباراً سارة في ملف العزلة الاقتصادية على السودان مطلع مارس القادم، كون ضحايا المدمرة كول هم جنود أمريكيون بعكس الحال مع ضحايا السفارتين الأمريكيتين في دار السلام ونيروبي، حيث يمكن تأجيل القضية والوصول إلى تسويات بمساعدة واشنطن.

عزلة مصرفية

وقطع الفاتح بأن العزلة المفروضة على السودان عزلة مصرفية  وليست سياسية، مضيفاً أن الحكومة السابقة كانت موجودة ومشاركة وإن لم يكن على مستوى الرئيس فعلى مستوى أجهزة الحكومة الأخرى، ولذلك فإن العزلة المصرفية أثرت على السودان كونه غير قادر على سداد ديونه أو الحصول على إعفاء الديون الخارجية أو الاستفادة من القروض والتسهيلات التي تقدمها المؤسسات الدولية، كما أنه عاجز عن تحويل الأموال من وإلى السودان مما قعد بقطاع الاستثمار.

وعدّ الفاتح لقاء حمدوك بالخزانه الأمريكية والتطبيع مع إسرائيل، وإزالة التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الدينية، وتفكيك النظام السابق وغيرها، من أهم المؤشرات والمطلوبات الأمريكية لفك العزلة.

واعتبر الفاتح زيارة حمدوك لألمانيا  فتحاً دبلوماسياً، كونها وعدت بدعم غير مشروط للسودان ورفعت الحظر المضروب على المعونة الألمانية لأكثر من ثلاثين عاماً.  إلا أنه أبان أن الدعوة جاءت لحضور مؤتمر دولي وليست دعوة خاصة، مشيراً إلى أن العلاقات بين ألمانيا والسودان لم تنقطع وأن العقوبات الخاصة بقطع المعونة الألمانية فرضت على نظام الصادق المهدي في مارس 1989 إلا أن التعاون الألماني لم ينقطع مع النظام السابق ونفذت شركة سميث الألمانية مشروع كهربة سد مروي وحالت العقوبات الأمريكية دون وصول الإسبيرات الخاصة بقطاع الطيران والسكك الحديد من ألمانيا.

الفتح الكبير

وشكل ملف جنوب السودان أهم منعطفات التطبيع مع واشنطن، والتي وعدت النظام السابق برفع العقوبات حال حصلت جوبا على استقلالها سلمياً، إلا أن انزلاق الدولة الوليدة في العنف سريعاً فضلاً عن الاتهامات التي طالت الخرطوم آنذاك بدعم المتمردين بقيادة نائب الرئيس الدكتور رياك مشار واتهام جوبا بإيواء قطاع الشمال عقد الملف حتى جاءت الثورة لتضعه على المسار الصحيح حيث رعت جوبا المفاوضات السودانية السودانية وبادلتها الخرطوم سلام بسلام لتقرب الشقة بين مكونات العملية السلمية الجنوبية، وكان لنائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو القدح المعلى في هذا كونه مثّل راعياً نشطاً للمفاوضات ومضخة إطفاء حالما اشتعل فتيل التصعيد والاختلاف بين الفرقاء الأشقاء.

واعتبر الفاتح رعاية حميدتى للعملية السلمية السودانيةـ السودانية والجنوبية ـ الجنوبية بالفتح الكبير كون السلام أهم متطلبات واشنطن لرفع العقوبات الأمريكية كافة، وقال إن السلام في مناطق النزاع ولا سيما في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق لا زال أهم متطلبات واشنطن لرفع كافة العقوبات المفروضة على البلاد، ولسيت قائمة الإرهاب وحسب.

فضائح سياسية

وفرض النظام السابق على نفسه عزلة دولية من خلال سلسلة من الممارسات والتهم أبرزها استضافة حكومة الترابي – البشير، زعيم القاعدة أسامة بن لادن خلال الفترة بين عامي 1990 – 1996. وبلغت ذروة استهتار نظام البشير بالقيم العالمية، باستقدامه للإرهابي الدولي الشهير كارلوس والسماح له بالإقامة في السودان، قبل أن يضطر إلى تسليمه إلى المخابرات الفرنسية «مخدراً» في عام 1994؛ ليدون في سجله فضيحتين، إحداهما فضيحة بيع حليفه بن لادن والتخلي عنه، وفضيحة الخروج، وأتت الطامة الكبرى حين حاول متطرفون إسلاميون اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، برعاية وتمويل وتدريب سوداني، حمّل عرّاب الإسلاميين الترابي وقتها المسؤولية عنه نائبه علي عثمان محمد طه.
وجرت المحاولة الفاشلة، أثناء مشاركة مبارك في القمة الأفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995، لكنها فشلت، وتحملت الخرطوم المسؤولية الجنائية والأخلاقية والسياسية والدبلوماسية الناتجة عنها، يواجه الرئيس المخلوع اتهامات من قبل الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، بسبب الحرب الأهلية التي أشعلها في الإقليم عام 1994، بسبب إصداره قراراً بتقسيم الإقليم إلى عدة ولايات.

تطبيع ثوري

ويرى المحلل والسياسى والخبير الاستراتيجي صلاح الدومة إن الثوار والثورة هما من مهدا الطريق للتطبيع وفك العزلة الدولية كونهما من خلص البلاد من النظام السابق وتركته الثقيلة، وقال للصيحة إن الثوار والثورة السودانية إضافة إلى خبرة حمدوك وحنكته السياسية وعلاقاته الواسعة والمتشعبة وراء الانفتاح الدولي للسودان.

وأضاف أن الزيارات الخارجية لقادة الحكومة الانتقالية وخاصة لقاء البرهان بنتنياهو لها تأثير كبير على التعجيل برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وإن لم تكن علاقة مباشرة، لأن هناك أشياء فى السياسة تُفهَم ولا تُقال مثل أن تقيم علاقة مع قوى دولية ترضى عنها القوى العظمى فإن ذلك سيؤدي إلى قبول وتعاطف، ومن ثم تطبيع مع هذه القوى.

وشدد الدومة على أهمية الانفتاح الذي تم مع دول الإقليم وبخاصة دول الخليج ودول الجوار الأفريقي، وقال إن معظم الزيارات التي تمت جاءت بدعوة من الدول المضيفة وأثمرت عن العديد من الوعود مثل المؤتمرات الاقتصادية التي سوف تعقد لدعم الثورة السودانية.

 

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى