موازنة 2020م.. أين طريق العبور

أجرت المواجهة: رشا التوم

تباينت وجهات النظر الاقتصادية فيما يتعلق بإجازة موازنة العام 2020م والتي تضمنت رفع الدعم عن الوقود والتعديل في سعر الصرف والدولار الجمركي، وما بين مناصر ورافض ومتحفظ بشروط.
ويري مناصرو الفكرة أن رفع الدعم هو السبيل الوحيد المتاح أمام الحكومة لإصلاح مسار الاقتصاد المتدهور، فيما يرى الطرف الآخر أن الظروف التي تمر بها البلاد وتزايد الضغوط المعيشية على المواطن تجعل من الصعب تطبيق الخطوة لتأثيرها المباشر على المواطن الذي لا يحتمل المزيد من المعاناة.
والنقطة الوحيدة التي حولها اتفاق تام، ضرورة إجراء إصلاحات في السياسات، لأن الموازنة ليست كلها أرقاماً، بل تحوي سياسات تحدد مسار الاقتصاد خاصة تشجيع الإنتاج وزيادة الصادر واستقطاب موارد المغتربين وغيرها من المحفزات التي تسند الموازنة لتجتاز البلاد صعوبات المرحلة الحالية.
“الصيحة” أجرت هذه المواجهة بين الاكاديمي البروفيسور عبد الوهاب بوب،والخبير الاقتصادي عادل عبد المنعم، فلنتابع ما خرجت به.

الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام الدين عبد الوهاب بوب لـ(الصيحة):

رفع الدعم عن المحروقات يُضاعف تكلفة الإنتاج

تعديل سعر الصرف قرار غير مدروس

*بداية ما هو رأيك في الموازنة التي تمت إجازتها؟
أعتقد أن الحكومة الحالية في حالة تخبط كامل وصدمة مما يحدث في الاقتصاد السوداني. لا أدري كيف لم يستطيعوا رؤية نتائج سياسات تم اتباعها بصورة متسارعة ونتائجها هي ما نراه اليوم من تضخم يتضاعف يومياً، وانعدام القدرة والرؤية حول كيفية معالجته.
*تضمنت الموازنة خطوة استكمال رفع الدعم عن الوقود فما هي الآثار المتوقعة؟
لن يُحسّن رفع أسعار المحروقات من أداء الموازنة المزعومة، بل سيضاعف من تكلفة الإنتاج في كل القطاعات الاقتصادية السودانية والزيادات كما أسميها أو كما تسميها الحكومة رفع الدعم ليست على سعر المحروقات فقط بل هي على كل الخدمات التي تقدمها الحكومة، وتنعكس على كل منتجات وخدمات القطاع الخاص.
أي أن الاقتصاد السوداني يواجه تسارعاً في كل ما ينتج داخله من خدمات ومنتجات.
*أكدت ألموازنة على المضي في التعديل التدريجي لأسعار الصرف وتم تحديد سعر ١٢٠ جنيها بدلاً من ٥٥ جنيهاً في مجاراة واضحة للسوق الموازي؟
في تقديري أن هذا قرار آخر تم أخذه بتسرع غير مدروس. من ناحية هو يرفع من أسعار المنتجات السودانية التي يمكن تصديرها وهذا يضعف من تنافسيّتها,
ومن ناحية أخرى فإن هذا يحفز المستوردين وأصحاب الأعمال لكي يرفعوا أسعار السلع المُخزّنة. العامِلان لهما آثار تضخمية على مستوى الأسعار بصورة عامة.
‏*الحكومه أكدت الاستمرار في  دعم الوقود والأدوية وغاز الطبخ والكهرباء وزيادة دعم القمح بنسبه ٣٧% ولكن في نفس الوقت خفضت الدعم الكلي للسلع الاستراتيجية من ٢٥٢ ملياراً إلى ١١٣ مليار جنيه؟
لا أعتقد أن هذه التصريحات صحيحة، وحتى إذا كانت النية صادقة فلن تتنزل لأرض الواقع. أعتقد أن زيادة أسعار الكهرباء أمر حتمي كما يصرح بعض المسئولين ولا نلومهم لأن مستوى أسعار السلع والخدمات ارتفع ويرتفع يومياً، وعلى مستوى الاقتصاد الكلي.
إذا كنا نتحدث عن الأدوية وغيرها فهذا أمر غير واقعي، لأن علبة الاسبرين تجاوزت أسعارها قدرة بعض المواطنين، هذا إن توفرت، فماذا نقول عن باقي الأدوية الأخرى الأكثر غلاء.

*قول شائع بأن الموازنة اعتمدت إيرادات غير حقيقية؟
هذا ما قلته ومدون في الصحف منذ شهر يناير الماضي ومع ذلك شرعت الحكومة في خططها.
ومن القرارات التي انتقدتُها كانت زيادة الرواتب، وكان النقد على الصحف والتلفاز، ونصت كلماتي أنه مع عدم توفر الموارد الحقيقية فإن وزير المالية سيلجأ لخيارات مهلكة للاقتصاد السوداني، وهي زيادة الضرائب أو طباعة الأوراق النقدية، وكلاهما خيار مميت لاقتصاد يعاني من تشوهات مزمنة. ما حدث هو أن المالية لجأت للاثنين، وكلاهما عبء ثقيل على قدرة المواطن على الاستهلاك مع زيادة الكتلة النقدية المترهلة ورفع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة وارتفاع مستويات التضخم أيضاً تقلل من القيمة الحقيقية للإيرادات. ولذلك نتوقع مزيداً من العجز.

‏*ماهي الفروقات بين الموازنة الحالية وسابقاتها؟
للأسف أن الرد على هذا السؤال سوف يفسر على منحى سياسي، ولكن لابد من الإشارة أنه في النظام السابق كانت هناك إشارة لطباعة وزيادة الكتلة النقدية وهو لا يختلف عما يحدث اليوم.
*وماذا عن ارتفاع معدلات التضخم؟
أعتقد أن الإصلاح لابد أن يبدأ أولًا بتثبيت معدلات التضخم وهذا له إجراءات وقرارات يخالفها كلما اتخذته الحكومة حتى الآن.
وإذا وصلنا لاستنتاج أنه من الضروري وقف ارتفاع معدلات التضخم وتثبيت مستويات الأسعار بسرعة، فإن أحد مسببات التضخم المتعارف عليها نقدياً ومالياً وإدارياً هو تثبيت أسعار الخدمات الحكومية. وما يحدث من قرارات اقتصادية اتخذتها الحكومة اليوم يخالف ذلك. وهذا يرفع من معدلات التضخم.

*المواطن فقد آخر الآمال في حكومه تقف إلى جانبه وتقدم موازنة تلبي متطلباته؟
الموازنة كانت مشوهة منذ عرضها أول مرة ومحاولات الترقيع لن تصلحها، لأن الأساس غير صحيح. والضحية هو المواطن ونحن نقترب بسرعة من تجربة زيمبابوي، بل إن حجم الكتلة النقدية تضاعف بصورة متسارعة وأكبر منها في الـ ٩ أشهر الماضية، للأسف أن الحكومة الحالية لا تملك رؤية للإصلاح ولا قدرة على ذلك، وبهذا فهي لم ولن تلبي حاجات المواطن للعيش بصورة كريمة أو على الأقل بأقل ما هو ممكن للحياة.

88888888888888888888
الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم لـ(الصيحة)
تعديل سعر الصرف بداية الإصلاح الاقتصادي الشامل

 


زيادة حجم الإنفاق العام له أسبابه المنطقية

*رأيك في موازنة 2020 المعدلة والتي أجيزت أمس الأول؟
تعتبر الموازنة المجازة إسعافية خاصة وأن الموازنة الأصلية واجهت معارضة شديدة وانتُقدت فيما يتعلق بشأن زيادة الفئات الضريبية ورفع الدعم والدولار الجمركي والتحرير الجزئي لسعر الصرف وتعطل تنفيذ بنود الموازنة السابقة لأكثر من 3 أشهر، وبعد ذلك دخلت البلاد في جائحة كورونا لمدة 3 أشهر أخرى، إضافة إلى آثار الجائحة في انخفاض الإيرادات العامة والواردات من الخارج وتوقف الكثير من الأنشطة التجارية.
وتم تدارك الآثار السابقة خلال النصف الثاني من العام والذي تبقت منه 4 أشهر.
*تضمنت الموازنة استكمال رفع الدعم عن الوقود وهي مسألة وُوجِهت بالرفض سابقاً؟
تلك الاعتراضات تمثل الخطأ الأساسي، فسعر جالون الوقود كان لا يتجاوز 28 جنيها عند مطلع العام، وقد ظلت هذه الأسعار ثابتة لمدة طويلة مما ترتب عليه انخفاض كبير في إيرادات الدولة، حيث كان يتم دعم الوقود المنتج محلياً والمستورد بإيرادات غير حقيقية عن طريق التمويل بالعجز والاستدانة من النظام المصرفي، وعلى حساب إيرادات أخرى من المفترض ذهابها إلى قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية.
*يؤخذ على الموازنة زيادة حجم الإنفاق العام رغم تخفيض الدعم للسلع الاستراتيجية؟
تم ضغط الإنفاق في الموازنة المعدلة كثيراً وبنسبة كبيرة تصل الى 40% ولكن هناك بنود سيادية لا يمكن تخفيضها وخدمات أساسية إضافة الى العبء الكبير في زيادة المرتبات وهي تشكل أكثر من 60% من إيرادات الموازنة المعدلة، وهو أمر كان لابد منه، وإلا سوف تنهار الدولة والخدمة المدنية نسبة للتضخم الكبير والذي بدوره أدى الى تآكل دخول العاملين في الدولة.

 

*التعديل التدريجي لسعر الصرف قد يؤدي لمزيد من التعقيدات الاقتصادية؟
في تقديري أن التعديل في سعر الصرف هو البداية الحقيقية للإصلاح الاقتصادي خاصة تعديل سعر الصرف الجمركي من 18 جنيها الى 55 جنيهاً كما هو في الموازنة السابقة، وهذا سوف يؤدي إلى زيادة الإيرادات الجمركية والضريبية إلى ثلاثة أضعاف، ويغطي عجز الموازنة بإيرادات حقيقية ويفترض أن لا تزيد أسعار السلع حسب سيناريوهات سابقة بالنسبة لهذه الأرقام بأكثر من 14% ، لأن التجار والمستوردين يُسعّرون السلع بأسعار الدولار في السوق الموازي، وحتي السلع في أرفف المحلات التجارية لم تُستثن من التسعير، ولذلك الدولار الجمركي ليس عنصراً أساسياً في زيادة الأسعار والأثر المتوقع لزيادته في الموازنة سوف يغطي عجز الموازنة ويؤدي الى إحجام الحكومة عن طباعة النقود، وبالتالي زيادة الكتلة النقدية والتي هي العنصر الأساسي في التضخم.
*الحكومة جنحت لرفع سعر الصرف للدولار من 55 إلى 120 جنيهاً وهي خطوة تم وصفها بالخطأ الكبير؟
أبداً في تقديري أن وصفها بالخطأ الكبير هو الخطأ عينه، ولابد لسعر الصرف الرسمي أن يكون مقارباً للسعر في السوق الموازي حتى يكون سعرًا مغرياً للمصدرين وتحويلات المغتربين، وتلك الخطوة تمهد لزيادة إيرادات الدولة من المقابل المحلي من المنح والقروض، وهذا دعم إضافي إلى إيرادات الموازنة، ولكن هناك تحفظ، ولابد من تفادي الوقوع في الخطأ الذي ارتكبه النظام السابق عندما حرّر سعر الصرف جزئياً بسعر 45 جنيهاً في سبتمبر العام 2018م إبان فترة تولي الوزير السابق معتز موسى، وهي كانت خطوة شجاعة ولكن الخطأ في أن الوزير آنذاك أخذ بنصيحة بعض الاقتصاديين الذين منعوه من تقييد الواردات أو زيادة الدولار الجمركي أو رفع الدعم، وهذه السياسة إحدى سياسات صندوق النقد الدولي الأصيلة، ولكنها تتطلب التكامل عند التنفيذ حتى لا تسبق العملة في السوق الموازي السوق الرسمي وهذه السياسة تتطلب تقييد الاستيراد من الخارج بنسبة 40% ورفع الدعم من الوقود والكهرباء والخبز وزيادة الضرائب لتصل إلى نسبة 15% من الناتج المحلي ليبدأ بعد ذلك الإصلاح الاقتصادي الشامل.
*هنالك حديث بأن الموازنة اعتمدت إيرادات غير حقيقية مثل المنح والقروض بنسبة 50%؟
أعتقد بأن نسبة الـ50% كانت في الموازنة السابقة، أما الموازنة المعدلة فقد وضعت في الاعتبار منحاً وقروضاً تم اعتمادها إضافة إلى أنها سوف يتم حسابها بسعر الصرف المعدل وتم تخفيض الإيرادات من 558 ملياراً في الموازنة السابقة إلى 396 مليار جنيه، والإيرادات الضريبية من 159 ملياراً إلى 135 ملياراً، وأعتقد بأن كل هذه الإيرادات معقولة جداً وسوف يتم تحقيقها فعلياً خاصة الإيرادات الضريبية عقب تعديل الدولار الجمركي.
*تعديل الدولار الجمركي يتخوف منه المستوردون بصورة كبيرة وتأثيراته السالبة على عملية الاستيراد؟
معظم السلع الأساسية المستوردة من الخارج بنسبة 60% من الواردات هي معفاة من الرسوم الجمركية والقيمة المضافة، أي أن التخوف سوف يكون بنسبة 40% من الواردات، وهي سلع تعد غالبيتها كمالية وغير ضرورية، والعنصر الآخر كما ذكرت سابقاً بأن الدولار الجمركي يعمل على زيادة الإيرادات بثلاثة أضعاف، ولكن أثره على زيادة أسعار السلع يتراوح ما بين 14 إلى 17%، وليس من العدالة أن يكون الدولار في السوق الموازي تجاوز الـ140 جنيهاً، ويحسب في الجمارك والضرائب بـ18 جنيهاً وهذا تشويه اقتصادي ومن الأسباب الرئيسية لعجز الموازنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى