الحكومة والشعبية بقيادة عقار تُوقِّعان اتّفاقاً إطارياً

 

سلفا كير يرفض ذكريات الحرب المُؤلمة ولا يُريد رفع البندقية

“حميدتي”: تحقيق السلام وبناء سُودان خَالٍ من المظالم ليس بعيداً

عرمان: السودان لن ينهار.. و”حميدتي” يمتلك إرادة لتحقيق السلام

مطوك لسلفا كير: “إن شاء الله يوم شكرك ما يجي”

جوبا: رضا حسن باعو

منذ شروق شمس أمس الجمعة، والكل هنا في جوبا ينتظر عقارب الساعة تدور لتصل الثانية ظهراً، الموعد المحدد لتوقيع اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، التي حصدت البريمو في مفاوضات جوبا لسلام السودان، من خلال التوافق الكبير بينها والحكومة، والإرادة القوية على تحقيق السلام الشامل، ما مكّن من إنجاز ملفاتها بسرعة لم يكن شيطان التفاصيل حاضراً فيها.

الإعلام ظل حاضراً منذ الصباح الباكر وهيّأ نفسه لنقل الحدث الأهم والأبرز على الإطلاق، فالكل هُنا يتنسّم السلام الذي أوشك أن يصبح واقعاً معاشاً من خلال ماراثون التفاوض، الذي ظلّ الإعلام يلعب دوراً كبيراً في نقل نبضه ليضع كل الشعب السوداني في قلب الحدث من خلاله نقله كل ما يدور داخل القاعات المُغلقة.

*إعلان الفرحة

فرحة كبرى ارتسمت على محيا الجميع من القيادات والإعلام لحظة إعلان رئيس فريق الوساطة الجنوب سودانية توت قلواك، التوقيع بين الحكومة والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، في تلك اللحظة زال الرهق والعناء وتكلّلت أسارير الحضور وتنفسّت الصعداء بعد أن ذاع الخبر السعيد في القُرى والحَضر.

مراسم المجلس السيادي تعمل كالنحلة بالتنسيق الكبير مع نظيرتها في جنوب السودان لتسهيل حركة الوفود ونقلها لمقر التوقيع في القصر الرئاسي المعروف هنا في (جي ون)، وتحمّل طاقم المراسم كل العناء والرهق من أجل أن يخرج حفل التوقيع بالصورة التي تُليق بعظمة الحدث الكبير.

في الساعة الواحدة إلا ربعاً بتوقيت جوبا، وصل الوفد الإعلامي للقصر الرئاسي تَوطئةً للاستعداد لنقل الحدث الكبير في انتظار وصول وفد النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” رئيس وفد الحكومة المُفاوض، ووفد الحكومة بقيادة الفريق الركن شمس الدين كباشي ومحمد حسن التعايشي وبقية أعضاء الوفد الحكومي.

*ترحاب الإعلام

ترحاب كبير وجده الوفد الإعلامي عقب وصوله من قِبل المكتب الإعلامي للقصر الرئاسي بجوبا، وقاموا بتوفير سُبُل الراحة للوفد الإعلامي السوداني، وكانت (الفتة) حَاضِرةً، حيث تمحلق الجميع حول طاولتها وتناولوا وجبة الإفطار مع الزملاء في الإعلام الرئاسي بجنوب السودان.

اكتظت قاعة مون بيج بالقصر الرئاسي في جوبا بالحضور من جميع أعضاء الوفود المُشاركين في المُفاوضات للمُشاركة في التوثيق لهذه اللحظة التاريخية من تاريخ سُودان ما بعد الثورة.

في الصفوف الأمامية، اصطف رئيس وأعضاء الجبهة الثورية التي لم يتخلّف أحدٌ من مُكوِّناتها لحضور حفل التوقيع الذي بلا شك يضع البلاد في مَرحَلةٍ مُهمّةٍ من تاريخها.

*زخم التوقيع

ويأتي الزخم الكبير الذي حُظي به حفل التوقيع للمكانة الكبيرة التي تتمتّع بها الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار ضمن مُكوِّنات الجبهة الثورية، بالإضافة لتاريخها النضالي ضمن حركات الكفاح المُسلّح طيلة العقود الماضية.

قُوبل وصول الوفد الحكومي بقيادة الفريق الركن شمس الدين كباشي ومحمد حسن التعايشي لقاعة الاحتفال بترحابٍ كبيرٍ من وفد الجبهة الثورية، وتبادلا التحايا بحرارةٍ تنم عن الروح التي صاحبت جلسات التفاوُض خلال الفترة الماضية، وصولاً لهذه اللحظة المُهمّة.

ويُعتبر التوقيع الذي تَمّ بين الحكومة والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، فَاتحة خير ومدخلاً أساسياً للتوقيع النهائي على اتفاق السلام الشامل قبل بُلُوغ مُنتصف فبراير المُقبل.

في الساعة الثالثة وخمس دقائق ظهراً بالتوقيت المحلي بجوبا، الثانية وخمس دقائق بتوقيت الخرطوم، دخل الفريق أول سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قاعة الاحتفال إيذاناً ببدء الاحتفال بالتوقيع على الاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار.

*بين “حميدتي” وسلفا

جلس سلفا كير و”حميدتي” بالإضافة لرئيس فريق الوساطة الجنوب سودانية توت قلواك في المَنَصّة الرئيسية للاحتفال.

وكان القرآن الكريم حاضراً في برنامج الاحتفال الذي بدأ عقب دخول الضيوف وتُلي القرآن الكريم بصوت الشيخ عمر الشامي، بينما تلى الدكتور ملاسي قراءة من الكتاب المقدس.

برنامج مختصر في كلماته التي لم يتجاوز المُتحدثون فيه لكنه ملئٌ بمعانيه، التي تدعو لإشاعة السلام والعمل على بدء مرحلة جديدة من تاريخ البلاد.

ووقّع النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، رئيس وفد الحكومة المُفاوض، ورئيس هيئة أركان الجيش الشعبي بالحركة الشعبية الفريق أحمد العمدة إنابةً عن الحركة الشعبية، بينما وقّع رئيس فريق الوساطة الجنوب سودانية توت قلواك إنابةً عن حكومة جنوب السودان.

وضجّت القاعة بالتصفيق الحار عقب توقيع الطرفين وتبادلهما وثيقة الاتفاق الإطاري، وتعالت الهتافات والزغاريد داخل القاعة بعد التلويح بالوثيقة.

*اتّهام النظام السابق

واتّهم رئيس جمهورية جنوب السودان الفريق أول سلفا كير ميارديت خلال مخاطبته أمس الجمعة الاحتفال بالتوقيع على الاتفاق الاطاري بين الحكومة والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، اتّهم النظام السابق في الخرطوم بتسليح المُواطنين وجعلهم يقتلون بعضهم، وأشار إلى أن ما حدث في منطقة أبيي مؤخراً مردُّه لمثل هذه العقلية التي كانت سائدة في بعض المناطق، وقال إنه تم حرق المُواطنين في المنطقة مثلما تم حرق الحيوانات في أستراليا، وأوضح أنهم يعيشون الآن خارج بيوتهم، وقال سلفا كير: “زمان التجار يشحنوا البلح من الشمالية ويصل إلى جوبا وياي ويرجع دون أن يتعرض لأي مشاكل”، وأضاف: نعمل على إعادة هذا الزمن، وقطع ميادريت بأنه لا يسعى للعودة إلى الحرب مرة أخرى، وأضاف لا أستفيد من استمرار الحرب، ولا نريد أن ترفع بندقية في السودان أو جنوب السودان، وأردف نريد العام (2020) عاماً للسلام في البلدين، وتابع: لكن من يستفيدون منها لا يريدون تحقيق السلام، وقال مُخاطباً الشركاء السودانيين: طالما أنكم متفقون ولديكم إرادة، يمكن أن يتحقق السلام الشامل في السودان الذي بالطبع يستفيد منه جنوب السودان من خلال حركة التجارة بين البلدين، وأكد أن الحكومة الجديدة تختلف عن النظام السابق في السودان، وأوضح أنها كانت لا تريد سلاماً أو استقراراً، وأضاف نحن الآن نعيش أجواء سلام، ولا نريد أن نتذكر ذكريات الحرب المؤلمة، وأوضح أن جنوب السودان كادت أن تنهار في العام 2013م لتوقف مشروعات التنمية بسبب الحرب، ونأمل أن لا نعود لتلك الأيام، وناشد الجميع للتوقيع على الاتفاق الشامل للسلام حتى نتفرغ للآخرين ونلحقهم بركب السلام الذي نريده أن يكون الأخير، وحث الآخرين لحذو ذات الاتجاه نحو السلام، وعبّر سلفا كير عن سعادته بهذا الاتفاق الذي قال إنه يسهم في تحقيق السلام الشامل بالسودان، وقال إن عرمان ذكّره بذكريات مؤلمة، وتابع: تتذكر زملاءً في السابق لكنك لن تراهم الآن.

*البداية لبناء السودان

من جانبه، قطع النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، رئيس وفد الحكومة المفاوض، بأنّ تحقيق السلام وبناء سُودان خالٍ من المظالم ليس بعيداً، وأكّد أنّ الإرادة المُتوفِّرة تُمكِّن من تنفيذ كل ما تَمّ الاتفاق عليه على أرض الواقع، وأثنى “حميدتي”، على دور حكومة وشعب جنوب السودان من أجل تحقيق السلام الشامل في السودان، وأشار للإرادة الكبيرة للشركاء في حركات الكفاح المُسلّح، وأضاف نسعى نحن والشركاء لبناء سودان خَالٍ من الحروب والظلم الذي عاشه الشعب السوداني، وقطع بأنه يستحق حياة كريمة، وتابع: نعمل على تحقيق هذه الغايات وذلك ليس مستحيلاً.

*الشراكة مع السيادي

من جهته، أكد نائب رئيس الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار،  ياسر عرمان رئيس وفد الحركة في المفاوضات، أن السودان لن ينهار ولن ينضم لنادي الفاشلين، وأضاف نعمل على الشراكة مع المجلس السيادي ومجلس الوزراء والقوات المسلحة والدعم السريع، وقال ان الجبهة الثورية ستبني شراكات مع الجميع، وتابع نتطلع لاتحاد بين بلدينا وبناء علاقات استراتيجية بين السودان وجنوب السودان، وبشر باقتراب التوصل لاتفاق شامل قبل الرابع عشر من فبراير المقبل، وأعلن الاستعداد للتعامل مع الحركة الشعبية لتنتقل البلاد لمربع جديد، وتابع نسعى لبناء منظومة عسكرية عظمى من القوات المسلحة والدعم السريع وقوات الجبهة الثورية، وذكّر عرمان سلفاكير بالماضي، وقال مخاطباً إياه التقينا منذ زمن طويل حيث التقينا أول مرة قبل (٣٤) عاماً والتقيتك ثانية في قطع ورقة في منطقة النيل الأزرق وتناول وجبة العشاء، وأمرتنا بالذهاب للكرمك وكان معنا عدد من الشهداء الذين كانوا دفعة كاملة (٣٧) وضابط لم يتبق منهم سوى ثلاثة فقط، وأكد أنهم صنعوا هذا البلد، وتابع نحن نوقع هذا الاتفاق نتمنى أن تصل بلادنا للسلام، وأعلن تمسكهم الكامل بالاتفاق بالعبور نحو السلام، وأوضح عرمان أن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه سيعبر بالبلاد، وأشار لمجهودات فريق التفاوض الحكومي، وأكد أن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” كانت له مجهودات عظيمة، وقطع بأنه يمتلك إرادة لتحقيق السلام في السودان ونأمل أن تستمر هذه الروح في تنفيذ ماتم الاتفاق عليه، وأكد حرص رئيس الحركة الشعبية شمال مالك عقار، على الوصول للسلام الذي يساهم في بناء السودان في المرحلة المقبلة.

*الحفل المحضور

بدوره، مازح عضو فريق الوساطة الجنوب سودانية ضيو مطوك، الحضور بقوله إن هذا الحفل محضور جداً، وأشار إلى مشاركة نظار قبائل الشايقية والجعليين الذين جاءوا للمشاركة في الاحتفال، وقال مطوك نحن هنا في قاعة أحد مناضلي جنوب السودان الذين جاءوا بالاستقلال لجنوب السودان وهو وليام نون، وأوضح أن البرنامج قصير يتكون من ثلاث كلمات، وأشار مطوك للدور الكبير الذي قام به الرئيس سلفا كير وصبره وتقديمه النصائح لوفد الوساطة، وقال المثل السوداني بقول “إن شاء الله يوم شكرك مايجي”، لكن نحن نشكره الآن، ونوه مطوك لما قامت به الأمم المتحدة داخل قاعات التفاوض، وأشار إلى أن المفاوضات كانت محضورة من عدد من الدول، ونوه للدور التشادي الذي وصفه بالمهم خلال فترة المفاوضات، وأعلن الترحيب بمندوب الجامعة العربية، والحضور كافة من أصدقاء السودان الذين ظلُّوا مُشاركين في المُفاوضات طيلة الفترة الماضية.

إذن انطوت مرحلة وبدات أخرى بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري بين الحكومة والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار إيذاناً بمرحلة مُهمّة تتطلب المُضِي قُدُماً في استكمال السلام الشامل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى