أزمة السودان.. انفراج وشيك

تقرير: محجوب عثمان

كان يوم أمس مختلف نسبياً فيما يتعلق بالأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، فبعد مضي اكثر من 10 أيام، مرت فيها الكثير من مياه الاحتقان تحت جسر التهدئة، بدأت تلوح في الأفق بوادر أنوار ربما مثلت فناراً يهدي السفينة الهائمة الى الرسو في ميناء التوافق، والعمل على معالجة أعطابها واستعادة ضبطها لتعاود الإبحار من جديد، فلأول مرة منذ اعلان القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ بالبلاد وتعطيل العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية وحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء الولاة وعدد من المسؤولين تلين المواقف هنا وهناك، ويبدأ الحديث عن توافق وشيك ما بين المكونين العسكري والمدني ومن ثم البدء في إعادة مؤسسات الفترة الانتقالية بدءا من مجلس السيادة.

نفق الأزمة

ومنذ اعلان البرهان للقرارات، دخلت البلاد في نفق أزمة, حيث تشهد البلاد وخصوصاً العاصمة الخرطوم موجة من الاحتجاجات المستمرة بدأت بقيام المتظاهرين بإغلاق الشوارع وإعلان العصيان المدني، كانت ذروتها في 39 اكتوبر, وواجهت السلطات التحركات منذ صباح اليوم الأول بقمع عنيف أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة العشرات، بحسب ما أعلنته لجنة الأطباء المركزية في السودان، غير ان ذلك لم يثن الثوار عن مواصلة الاحتجاجات حتى مساء أمس الخميس, الذي شهدت أحياءٌ كثيرة من ولاية الخرطوم احتجاجات خاصة مناطق الديم والشجرة والصحافة جنوب الخرطوم, فضلاً عن تظاهرات في منطقة شرق النيل واخرى في مدينة بحري, بينما لم تستثن التظاهرات مدينة أم درمان وأحياء أمبدة أيضاً, وكلها تعاملت معها الشرطة بحسم بإطلاق الغاز المسيل للدموع.

تفاؤل

بداية, الحديث المتفائل خرجت عن رئيس فريق الوساطة في مفاوضات السلام السودانية مستشار رئيس جنوب السودان توت قلواك للصحيفة الذي قال “لم نتحدث بعد عن العودة لما قبل 25 أكتوبر, ولكن هناك تقارب للرؤى بين الطرفين”, معلناً ان أطراف الأزمة توصلت لاتفاق على الحوار، وأكد موافقة البرهان على الإفراج عن بعض المعتقلين، لافتًا إلى أن هناك حلا قريبا للأزمة الحالية بالسودان, وقطع بان الازمة ستنحل في اطار اعادة الدكتور عبد الله حمدوك لمنصب رئيس الوزراء, ونفى ان يكون هناك اتجاه لشغل المنصب بواسطة شخصية جديدة, وقال “لم نسمع بأيّ إعلان لرئيس وزراء جديد، وهناك تفاهم ما بين الأطراف على د. عبد الله حمدوك”.

مبادرات ناجحة

وغير بعيد عن تفاؤل توت قلواك, فقد لفت المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان, العميد الطاهر ابو هاجة إلى ان “تشكيل الحكومة بات وشيكاً”, وقال “ندرس كل المبادرات الداخلية والخارجية بما يحقق المصلحة الوطنية”، ولم يكشف أبو هاجة في حديثه للتلفزيون القومي عن تفاصيل التفاهُمات التي جعلت تشكيل الحكومة يوشك على الحدوث.
لكن مراقبون اشاروا الى ان ما خرج عن العميد الطاهر أبو هاجة يؤكد أن القوات المسلحة التي باتت تدير شؤون البلاد بعد الإجراءات التي اتّخذها الفريق أول عبد الفتاح البرهان قد توصّلت لاختراق في المُفاوضات التي تجريها الوساطات المتعددة لعودة الحكومة المدنية ومؤسساتها.

ضغوط

مصدر من قوى الحرية والتغيير لفت إلى أن الاختراق الذي حدث جاء على خلفية البيان الغاضب الذي صدر مساء أمس الأول عن الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية وبريطانيا والمملكة العربية السعودية, مبيناً أن كثيراً من التحركات الدولية التي جرت عقب قرارات الفريق أول البرهان وضعته تحت الضفط الشديد ما حتم عليه أن يعود إلى التفاوض مع رئيس الوزراء الذي يقبع خلف أسوار الإقامة الجبرية في منزله, خاصة تحركات بريطانيا في مجلس الأمن الدولي وما يمكن أن يسفر من خلال مجلس حقوق الإنسان المنتظر عقد جلسته بشأن السودان اليوم الجمعة, وأشار الى ان تحركات بعثة الامم المتحدة لدعم الانتقال في السودان “يونيتامس” وقائدها فولكر بيرتيس خلال الايام الماضية, فضلاً عن طلب الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بالتدخل لإثناء البرهان عن قراراته, كلها مثلت ضغوطاً على المكون العسكري للعدول عن ما قام به, وألمح إلى أن المكون العسكري ربما وجد في مبادرة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت الذي ابتعث مستشاره الأمني توت قلواك لتقريب وجهات النظر بين الجانبين طوقاً للخروج الآمن من الأزمة.

شروط

الشروط التي وضعتها قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” ربما كانت تعجيزية, فقد اشترطت العودة لما قبل 25 أكتوبر كأرضية للتفاوض, ما يعني ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وإعادتهم لمناصبهم في مجلسي الوزراء والسيادي, لكن كثيرون يرون أن تلك شروطٌ تعجيزية ربما مضى عليها الوقت, خاصةً وأن ما رشح من شروط لرئيس الوزراء لم تكن بذات التشدد, إذ اشترط إطلاق سراح المعتقلين ومنحه الحق في تشكيل حكومة كفاءات دون إملاءات من أي جهة, فضلاً عن وضع وزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة تحت ولايته كرئيس للوزراء وهي شروطٌ أقرب للتنفيذ ربما تقف أمامها فقط عقبة أن اتفاقية سلام جوبا قد منحت الجبهة الثورية الحق في ترشيح 25% من وزراء الجهاز التنفيذي.

تشكيل

أمس, تحدّثت مَصادر مطلعة لـ(الصيحة), عن احتمال وشيك لتشكيل مجلس السيادة الانتقالي الجديد, مُرجحة أن يتم ذلك خلال ساعات, وكشفت عن التوافق على طريقة تشكيل المجلس الذي سيتم اختيار المكون المدني منه وفق التمثيل الإقليمي, على أن يكون بذات التقسيم الذي يضم 6 مدنيين و5 عسكريين و3 من قوى الجبهة الثورية, واكد المصدر أن المجلس سيضم ذات المكون العسكري المكون من الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي سيتولى رئاسة المجلس، والفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع والفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق أول إبراهيم جابر، والفريق ياسر العطا, ولفت الى ان تشكيل المجلس الجديد من المقرر أن يتضمّن ممثلاً عن العاصمة الخرطوم تم ترشيح العمدة سرور لشغله، فضلاً عن مرشحٍ للإقليم الشمالي الذي يضم ولايتي الشمالية ونهر النيل، مبيناً أن الأقرب لشغله الآن أبو القاسم برطم، فيما يمثل ولايات شرق السودان، الأمين داؤود، بينما لا تزال ترشيحات  اقليم كردفان جارية، مرجحاً أن يكون ممثل منطقة وسط السودان “شخصية نسائية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى