عذراً.. القاعدة قلّما تتغير

*أحد الدعاة العرب من الذين عرفوا بالورع والتدين كان في زيارة للخرطوم قبل سنوات ولتسهيل حركته في العاصمة المزدحمة خصص له عسكري مرور بدراجة بخارية لتفتح له الطرقات، وبعد انتهاء زيارته وعند وداعه في مطار الخرطوم قال لمرافقية “والله السلطة مغرية.. أيام فقط وأمامي من يفتح الطريق لسيارتي شعرت بالعظمة فكيف حال الذين تفتح لهم الطرقات يومياً بعدد من سيارات التأمين”.

*للسلطة بريقها وللكرسي سحره لا يدركه إلا الذين يتمعنون في التاريخ الإسلامي الذي شهد عقب وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم صراعاً في من يتولى أمر المسلمين بعد وفاة رسول الله ولكن الجرعة الإيمانية في تلك الحقبة كانت عالية لذا حسم الأمر في سقيفة بن سعد، لتتجدد شهوة السلطة في خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه وازدادت بعد وفاته بين سيدنا معاوية والحسن بن علي رضي الله عنهما.

*التاريخ الإسلامي مليء بالأمثله التي تشير إلى صراع السلطة وإلى تغير النفوس عند البعض بعد الجلوس على كرسي السلطة، ولعل التاريخ الإسلامي لا ينسى موقف الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز حينما ولي الخلافة وهو كاره لها، وكان هو الخليفة الأموي الوحيد الذي تحول حاله من الغنى إلى التقشف بعد جلوسه على الحكم وهو الوحيد أيضاً الذي لم يجلس على الكرسي الذهبي وتبرع به لبيت مال المسلمين.

*ولكن مجدد الخلافة الأموية في الأندلس عبد الرحمن بن معاوية “الداخل” تنكر لمن رافقوه في رحلة الهروب من المشرق للمغرب بعد أن حكم الأندلس مجدداً خلافة آبائه في المغرب.

*وهكذا حال الكثير من أصحاب السلطة في العصر الحديث، بيد أن الراحل المشير سوار الذهب قلب كل هذه الموازين حينما استلم السلطة في انتفاضة أبريل ١٩٨٥م معلناً نهاية حكم الراحل المشير نميري الذي استمر ستة عشر عاماً، وسوار الذهب أعلن حينها أنه سيسلم الحكم بعد عام لمن يختاره الشعب السوداني بانتخابات حرة ونزيهة، وبالفعل حقق ما قاله في ١٩٨٦م ليضرب مثالً في التجرد ونكران الذات وتحدي كل مغريات السلطة وكرسيه الفاخر.

*الآن بعد ثورة ديسمبر كان بعض المختارين لإدارة الفترة الانتقالية ينادون بالحريات العامة وحرية الصحافة على وجه الخصوص ولكنهم تنكروا لهذه الحريات بعد أن جلسوا على كرسي السلطة وفي مقدمتهم عضو المجلس السيادي محمد فكي الذي عرفناه كاتباً صحفياً قبل السياسي، ولكنه آثر الصمت والحكومة الانتقالية تصادر الحريات الصحفية بإغلاق صحيفتي السوداني والرأي العام وقناتي الشروق وطيبة، وكذلك تنكر الصحفي المصادم “في عهد الإنقاذ” ووزير الإعلام في الفترة الانتقالية فيصل محمد صالح.

*لم يكن الوسط الصحفي يتوقع أن تتبدل قناعات ومبادئ من كان ينافح عن الحريات الصحفية والتي بسببها نال الجوائز العالمية ليفضل الصمت متفرجاً على إغلاق مؤسسات إعلامية هو وزيرها.

*الكثيرون صدموا في الحكومة الانتقالية التي اعتقد البعض أنها جاءت لتقف الى جانب الحريات الصحفية وتفاجأوا بأنها تستخدم نفس أسلوب الحكومة السابقة تحت ستار واهٍ لا يقنع أحداً.

*ولكن.. هذا هو ما يفعله كرسي السلطة الذي يجعل النفوس تتغير والقناعات تتبدل كما تغيرت نفوس الكثيرين في أزمان سالفة ، عذراً الزملاء في هذه المؤسسات فقاعدة السلطة لا تتغير ولكن دوماً هناك شواذ عن هذه القاعدة أمثال الراحل سوار الذهب، نسأل الله له الرحمة والمغفرة، وسننتظر لنجد مثله عدلاً وإنصافاً لكم ولأهل السودان جميعاً.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى