عُصفُور السلطان

*في التراث العربي العديد من القصص والحكاوى التي حَدَثت في أزمانٍ بعيدة ولكنها تتكرّر في العصور الحديثة وإن اختلفت المسميات والظروف.

*ويحكى أنه في سالف الأزمان كان يعيش عامل بسيط في مدينة بغداد القديمة يسمى عُصفور، وكانت له زوجة غير قنوعة بحالها تُسمى جرادة، وكانت زوجته هذه تشكي حالها مع صباح كل يوم رغم أنها تعلم أنّ زوجها بسيطٌ ودخلها كذلك.

*وفي أحد الأيام، كانت جرادة هذه تسير في السوق، فرأت امرأة ذات حُسن وجمال ومال تتبعها حاشية من الجواري والخَدَم، وترتدي أروع الثياب، فسألت عنها وقيل لها إنها زوجة أحد المنجمين في المدينة.

*رجعت جرادة إلى زوجها وظلّت تحدِّثه عن ضرورة أن يترك عمله البسيط ويصبح مُنجماً، فقال لها إنه لا يفقه شيئاً في علم التنجيم وقراءة النجوم، ولكنها أصرّت عليه وهو كان يحبها جداً، فوافق دون أن يكون مُقتنعاً بذلك.

*في اليوم التالي، جلس عصفور في السوق في سجادة بسيطة ومعه بعض الأشياء التي يستخدمها المنجمون، فرأته زوجة السلطان التي كانت تسير مع حاشيتها وكانت تنتظر مولوداً جديداً، فأرسلت أحد الجواري إلى عُصفور وقالت لها أعطيه ديناراً واسأليه أنّ عن مولودي الجديد.

*ذهبت الجارية إلى عصفور وأعطته الدينار وسألته عن المولود القادم في بيت السلطان، فخاف عصفور أن يقول “ولد” وتضع زوجة السلطان أنثى أو العكس، فقال لها “الولد والبنت سيكونا لهما شَأنٌ عظيم في بلادنا”، وبعد أيّام ولدت زوجة السطان توأم “ولد وبنت” فأخبرت السلطان بما قاله المنجم، فأمر بأن يعطى بغلة وألف دينار.

*سارت الأمور بالصدفة مع عصفور وتحوّل حاله هو وزوجته، وفي أحد الأيام، كان السلطان يغسل يديه في حديقة القصر ونسى خاتم الملك فابتعلته بطة عرجاء وكان بالخاتم فاروزة قيمته ألف دينار، وكانت له قيمة كبيرة لدى السلطان، ورآه صبي صغير وفضّل السكوت حتى ينتهي البحث عن الخاتم فيذبح البطة ويأخذ الخاتم، فأرسل السلطان للمنجمين لكي يعرفوا أين اختفى الخاتم ولم يفلحوا في ذلك، فارسل إلى عصفور وحضر، وأثناء جلوسه في صالون السلطان وقبل أن يدخل عليه كان خائفاً وينظر إلى ستائر في حائط الصالون منقوشاً فيها بط، فشاهده الطفل الصغير وخشي أن يكشف أمره، فجاء إليه وأخبره بأن الخاتم ابتلعته البطة العرجاء، ولكن لا تخبر السلطان بأنني أعرف ذلك حتى لا يُعاقبني، وحينما جاء السلطان طلب منه عصفور أن يمر كل ما في الحديقة من أمامهم، فمرت كل الحيوانات وحينما جاء دور البطة، قال له عصفور الخاتم في بطن هذه البطة، وبالفعل ذبحت ووجد الخاتم بداخلها، ومنح ألفي دينار مكافأة.

*طلب عصفور من زوجته الرحيل عن المدينة قبل أن يكتشف السلطان أمره ولكنها رفضت، وفي القصر احتج المنجمون للسلطان عن تمييز عصفور عن البقية، فطلب منهم السلطان أن يثبتوا جدارتهم فعلياً ووافقوا على ذلك، فقال لهم، سأخفي شيئاً في يدي فإن عرفتوه سيكون لكم الحق فيما تدّعون، وإن لم تعرفوا لا تتحدثوا في هذا الأمر مرة أخرى، وافق المنجمون، فخرج السلطان إلى الحديقة وشاهد عصفوراً يُطارد جرادة ليلتهمها، فأقبض بهما الاثنين ووضعهما تحت يده، وطلب من المنجمين أن يعرفوا مافي يده، وفشلوا جميعاً في معرفة ما يخبيه السُّلطان، وحينما جاء الدور على عصفور خاف وارتبك وقال بصوت مضطرب: “اليوم جرادة وعصفور في يد السلطان يفعل بهما ما يشاء” وهنا صاح السلطان أريتم ها هو عصفور يعرف ما في يدي، ولم يكن السلطان يعلم أن المنجم عصفور يقصد أنه وزوجته “جرادة” سيضيعين لطمعهما.

*منح السلطان عصفور مكافأة ثلاثة آلاف دينار غيّرت مسيرة حياته هو وزوجته جرادة، وفي هذا العصر الملايين أمثال عصفور وجرادة تُبدِّل الحُظُوظ حياتهم دون أن يُكشف أمرهم..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى