بعد إحالته إلى الرعاية .. أين يقضي البشير  العقوية ؟

 

تقرير: عبد الله عبد الرحيم

انشغل الرأي العام أمس وأمس الأول كثيراً بمخرجات محكمة الرئيس المخلوع المشير عمر البشير، عقب إدانة المحكمة له في تهم تتعلق التعامل بالنقد الأجنبي والثراء الحرام والمشبوه، وقضت بإيداعه مؤسسة الإصلاح الإداري والاجتماعي لسنتين، ومصادرة جميع الأموال لصالح حكومة السودان.

وقد رفض قاضي المحكمة، الصادق عبد الرحمن، الحكم بالتغريب على المتهم، لوجود بلاغات أخرى مدوّنة ضده. وعثرت السلطات بمنزل الرئيس المخلوع على مبالغ 7 ملايين يورو و 350 ألف دولار، بالإضافة إلى 5 مليارت جنيه سوداني، ووجهت النيابة العامة اتهامات بالفساد وغسيل الأموال والتعامل بالنقد الأجنبي والثراء الحرام.

ووصف عضو هيئة الدفاع عن البشير، محمد الحسن الأمين، الحكم الصادر من المحكمة بأنه حكم سياسي وغير عادل. وقال إن هيئة الدفاع، ستشرع في استئناف الحكم أمام محاكم الاستنئاف والدستورية. وقد وجد حكم المحكمة على الرئيس المخلوع ردود فعل قوية وسط الشارع السوداني، في ما اتهم البعض المحكمة بأن منطوق حكمها لا يخلو عن السياسة، رأى البعض الآخر أن الرئيس الملخوع نفذ في حقه أيسر أنواع العقوبات وهو الحكم في دور الرعاية والإصلاح لمدة عامين.

فما هي طبيعة هذه الدور، وهل يوجد دور للرعاية والإصلاح الإداري بالسودان، وما هو عددها ومن نزلاؤها، وهل توجد سوابق مشابهة لقضايا وجرائم احتضنتها هذه الدور؟.

المسنون والبشير

ويقول د. ياسر موسى الاختصاصي الاجتماعي لـ(الصيحة) إن الرئيس السابق نفسه كان من ضمن اهتماماته دور الرعاية الاجتماعية التي هي من أوجب واجبات الدولة لتوفير الرعاية البديلة لفئات الأطفال حديثي الولادة والأطفال فاقدي السند والمسنين الذكور والمسنات. هذه هي طبيعة الدور التي يجب أن تتوفر، وهي الآن ما موجود منها ما يخص الأطفال هي دار المايقوما الشهيرة للأطفال حديثي الولادة فاقدي الرعاية الأسرية، ودار الحماية لرعاية الفتيان ودار المستقبل للفتيات، وهذه هي الدور التي تضم الأطفال الذين لم يحظوا بكفالة أسرية لأنهم يعانون الغعاقة إما البسيطة أو الشديدة. ومع هذه الدور توجد دار في السجانة للمسنات وهي الدار الوحيدة التي يجب في حدها الادنى تنطبق عليها مواصفات رعاية المسنات في السودان.

كما توجد بيوت مشابهة في المناطق، ولكنها لا تفي بالغرض. كذلك في شمال كردفان، وإلى وقت قريب كانت هذه الدار تجمع المسنين ذكوراً وإناثاً، إلى أن قام رجل الخير المواطن الضو حجوج ببناء دار في الخرطوم بحري للمسنين.

لوائح الإيواء

هذه الدور حسب اللوائح تقوم باستضافة المسنين الذين فقدوا الرعاية الأسرية إما بسبب وفاة أفراد أسرتهم أو هجرتهم أو أسباب تخلي الأسر عنهم بطريقة ملتوية غير قانونية أن يقوموا بتركهم في المستشفيات ومن ثم تتم إحالتهم للدار. يظل المسن بالدار وإذا نما إلى علم الدار أن لهذا المسن أسرة في مكان ما في السودان يقوم الاختصاصيون الاجتماعيون ببرنامج لم الشمل، وهو برنامج معروف.

يعني هذا أن هذه الدار صممت لشريحة فاقدة الرعاية الأسرية تماماً لتقديم خدمات مثل الإيواء بما يناسب العمر للاحتياجات الخاصة، تقديم الخدمة الصحية والتي تشمل الغذاء الصحي وكذلك تقديم الخدمة النفسية والاجتماعية لهم.

إذن طبيعة هذه الدور اجتماعية بحتة تقوم على التضامن والتكافل الاجتماعي ودور الدولة في توفير الرعاية البديلة لهذه الشريحة.

تعديل القانون

قال أحد المختصين القانونيين لـ(الصيحة) ـفضل حجب أسمه، إن تعديل هذه الفقرة تحديداً، تم في أوائل وبدايات العام 1990م وفقاً للقانون الجنائي ليصبح كل من تجاوز القانون تحت الرعاية والإصلاح الإداري، بيد أنه أكد أنه لا يوجد في إدارة السجون والاصلاح مبنى يحمل اسم دار الرعاية والإصلاح للمسنين. مؤكداً أن الرئيس المخلوع في الغالب سوف يبقى في قسم المنتظرين، لأن لديه قضايا أخرى سوف تنظر فيها المحكمة مستقبلاً.

وزاد نفس المصدر، بأن الإنقاذيون هم من قام بتعديل هذا القانون وكأنهم كانوا يعملون لمثل هذا اليوم ويتحسبون له. خاصة وأنهم قاموا بالتغيير في مادتين هما سقوط الجريمة بالتقادم بعد مرور عشر سنوات على وقوعها وإحالة من تخطى السبعين في العمر في حالة ثبوت إدانته بالإحالة لدور الرعاية والإصلاح الإداري، مؤكداً أن د. نافع علي نافع، وعلي عثمان محمد طه وبقية قيادات حكومات الإنقاذ الموقوفين لدى المحاكم الآن ربما وجدوا نفس مصير حكم الرئيس المخلوع عمر البشير لتجاوزهم سن السبعين عاماً.

عنبر داخل السجن

ويقول د. ياسر موسى، إذا ما قمنا بتحليل للأحداث نجد أنهم ضحايا الدولة بشكل أساسي، لأنهم نتاج لثقافة الفقر والتي دفعت بالأسر إلى الهجرة أو التخلي عن مسنيهم بهذه الطريقة غير المقبولة اجتماعياً، لكنهم مع ذلك يمثلون شريحة لها خصوصيتها من حيث الاحتياجات وليس بين هذه الخصوصية أي وصمة جريمة أو إدانة بل طبيعة الدار باعتبارها بيتاً ومنزلاً بديلاً يشابه المنازل السودانية لحد كبير، لا يقبل أبداً صفة أو وصمة الجريمة وهو لا يناسب أي محكوم مسن لأنه مباشرة ينتهك حق الآخرين في الرعاية التي كفلتها لهم اللوائح. وقال إن دور المسنين تتبع لوزارة التنمية الاجتماعية وليست لها علاقة بالسجون، مؤكداً بأنه لا توجد على الإطلاق دور للرعاية والإصلاح بالسجون إلا إذا تم تخصيص عنبر بهذا الاسم داخل السجن. وقال إنها تدابير يقوم بها مدير السجن فقط، لأنه وضع أمام الأمر الواقع. وأكد أنه لا يمكن توفير عدالة بانتهاك عدالة وهي انتهاك حق الآخرين.

قضية الصول نصر

وحول وجود سابقة مماثلة، أشار إلى إنه توجد في بداية التسعينات سابقة مماثلة حكم فيها أكثر من مسن وتم توفير عنبر لهم في مصحة كوبر وهو جماعة من مصحة الأمراض العقلية، عرفت وقتها قضية الصول نصر، الشهيرة. مشيراً أنها هي الواقعة الوحيدة الشبيهة بقضية الرئيس المخلوع بعد أن تم تخصيص عنبر خصيصاً لهم داخل مؤسسة كوبر التي تتبع للسجون لتقديم الرعاية الصحية لهم. وقال إن ذلك يعني أن المدان في الآخر هو سجين، وأن الرئيس البشير اليوم لا يوجد ما يسمى بدور الرعاية والاصلاح إلا إذا تم تخصيص عنبر له في أحد السجون ويتبع لإدارة السجون المعنية بالأمر.

لا وجود لـ(إصلاحية)

وتحصلت(الصيحة) على معلومات مهمة وجديدة حول إحالة الرئيس السابق المشير عمر البشير للإصلاح الإداري حسب اللوائح والمنطوق بالحكم من أن الإدارة العامة للسجون والإصلاح تملك إصلاحية واحدة فقط وهي للجانحين، ولا توجد إصلاحية بذات الفهم للكبار والمسنين.

وأفاد المصدر المطلع بأن السودان تخلص من آخر إصلاحية إدارية في العام 1983م وكان يُحال إليها الذين تمت إدانتهم في قضايا الفساد الإداري والمالي التي تتعلق بالشأن العام وليس الشأن الخاص.

البشير في الانتظار

وأوضح مصدر مطلع بالإدارة العامة للسجون والإصلاح ، ـ فضل حجب اسمه، أنه وبما أن للرئيس المخلوع المشير البشير بلاغات أخرى قيد النظر، وهي في الغالب بلاغات لا توجد فيها ضمانات، وربما تصل عقوبتها للإعدام فإنه سيظل حسب اللوائح بسجن كوبر باعتبار انه نزيل ومنتظر تحت المحاكمة وليس محكوماً يقضي عقوبة محكوم فيها.

ويشير متابعون إلى إدارة السجون والإصلاح، إنه لا توجد أي دور رعاية تساهم في تنفيذ هذه العقوبة بالسودان. وفتح بعضهم “مازحاً”، الباب أمام مقترحات تعين إدارة السجون في تعيين مكان مناسب تنطبق عليه لوائح دور الإصلاح والرعاية حسب منطوق الحكم لقضاء عقوبة الرئيس المدان المشير البشير والتي حددت بـ(العامين).

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى