الإسلاميون واليسار.. هل من (لقاءٍ) بعد (صراع)؟

 

من هنا جاءت شرارة الصراع الأول بينهما

حادثة (معهد المعلمين) كانت البداية و(رقصة العجكو) تُفجِّر الأزمة

ربيع حسن: من المُمكن إيجاد أرضية مشتركة بينهما ولكن!!

الشفيع خضر: عبور الانتقالية مرهون بمساومة تُلبِّي طموحات الطرفين

صديق يوسف: هذه (…) تفاصيل آخر لقاء لي بزعيم الإسلاميين الترابي

الخرطوم: صلاح مختار

تعود  جذور القطيعة والخصام بين اليسار والإسلاميين، إلى حادثتين مشهورتين في التاريخ السياسي للسودان الحديث, أولهما حادثة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في عام 1965، حيث قام الإخوان المسلمون بقيادة حملة ضد الحزب الشيوعي على خلفية حديث للطالب (مهدي محمد علي) الذي قيل إنه منسوب للحزب الشيوعي بمعهد المعلمين العالي أساء فيه إلى الدين الإسلامي، وبعدها خرج الشارع ضد الحزب الشيوعي مطالباً بحله.

وفي جلسة الجمعية التأسيسية بتاريخ 25/11/1965، اتخذت قراراً بحل الحزب الشيوعي، وتعديل الدستور لطرد نوابه من البرلمان. وبعد عام أعلن رئيس المحكمة العليا، القاضي صلاح حسن، بطلان قرار الجمعية التأسيسية بحل الحزب الشيوعي، لكن قادة أحزاب الأمة والاتحادي والإخوان المسلمين رفضوا قرار المحكمة العليا، الأمر الذي خلق حالة احتقان سياسي وغبن عجّلت بقيام انقلاب العقيد جعفر نميري في 1969 الذي وقف من خلفه الحزب الشيوعي.

عنف منظم

أما الحادثة الثانية، فترجع إلى أول أحداث عنف منظم شهدتها الجامعات السودانية في عام 1968 في جامعة الخرطوم، وذلك عندما هاجم طلاب مسلحون يتبعون لتنظيم (الاتجاه الإسلامي) عرضاً لرقصة تراثية تسمى “رقصة العجكو”، كان يشرف على تقديمها تنظيم “الجبهة الديمقراطية”، الذراع الطلابي للحزب الشيوعي، ومنها بدأ النزوع إلى التشدد والميل إلى تبني الاتجاهات المتطرفة من كلا الفريقين التي أدت غلى حوادث الاغتيال .

صراع تاريخي

ولا ينسى اليساريون قضيتهم الأساسية والتاريخية مع الحركة الإسلامية في صراعهم التقليدي، وهي عدم رغبة اليساريين في أي ارتباط للدين بالدولة، فهم يرون ان الدين هو ممارسة شخصية ليست له علاقة بالممارسة السياسية، لذا كان بند فصل الدين عن الدولة هو جزء أساسي من مطالبهم وأدبياتهم، وكان ذلك دافعاً وواحداً من الأسباب التي دفعت الجبهة الإسلامية القومية للانقضاض على السلطة في يونيو 89 عندما شعرت أن الحكومة الديمقراطية تتجهة إلى الغاء القوانين الإسلامية.

محاولات يائسة

ولكن بعد مرور (30) عاماً من حكم الإسلاميين وما لحق باليساريين في ظل الصراع مع الإسلاميين، ورغم المحاولات التي أراد فيها الإسلاميون مصالحة تيار اليسار منها أن الترابي قابل قبل رحيله محمد إبراهيم نقد، كذلك سمحت الإنقاذ خلال سنواتها بالعمل السياسي للحزب الشيوعي السوداني، تُوّج ذلك بأن أقام الحزب مؤتمره العام لأول مرة بعد سنوات، ربما الظروف والتطورات السياسية الداخلية مساندة في إظهار وجود الحزب الشيوعي في العلن، حيث وقعت اتفاقية السلام عام 2005 التي بموجبها حققت قوى اليسار نصرًا كبيراً لم تحققه عبر البندقية، بل إن أحزاب اليسار بدأت في التعاطي السياسي الداخلي دون أن ينتابها خوف من الاعتقالات أو الاغتيالات، رغم التمكين السياسي للحزب الحاكم آنذاك, أيضاً كان للظروف المحيطة الإقليمية والدولية الضاغطة دور في وجود اليسار في المشهد السياسي السوداني.

تراكمات الماضي

ربما أن الثلاثين عاماً قد أظهرت حجم التيار المتراكم المعارض لحكومة الإنقاذ وجناحها الحركة الإسلامية، ويبدو أيضاً أن تراكمات الماضي والضعف الذي أصاب جسد الدولة بجانب الخلافات داخل منظومة الإسلاميين عجلت بنهاية غير متوقعة لنظام الإنقاذ، وقد ساهم في ذلك طبقاً لمراقبين للشأن السوداني تيار اليسار الذي ينشط في الداخل والخارج بشكل مباشر في تضعضع أركان الدولة، ورغم التماسك الظاهر للدولة، إلا أن بنيتها الداخلية أصبحت هشة بفعل الظروف الاقتصادية والفساد وغيرها من العوامل التي عجلت بختام مسيرة (30) عاماً من الحكم.

ورغم ذلك، ظهرت خلال الفترة الأخيرة أطروحات من مفكرين يساريين ويمينيين بضرورة الوصول إلى نقطة التقاء وأرضية مشتركة تجمع التيارين.

عملية عادية

ربما تلك الأرضية المشتركة ليس من الصعوبة إيجادها على أرض الواقع، وذلك من واقع القراءات التاريخية لكثير من العلاقات التي جمعت بين الإسلاميين والاشتراكيين.

ويرى المفكر الإسلامي ربيع حسن أحمد لـ(الصيحة) هذا من الممكن، والمسألة ليست مختصرة على الكلام الذي يدار في السودان، وانما الحديث يدار في أماكن كثيرة في العالم بين اليسار والإسلاميين، مشيراً إلى أن القوميين العرب ومعهم بعض الإسلاميين كونوا منظمة، وكان الأمين العام فيها أحد اليساريين السوريين المشهورين، وبالتالي ليس بمستغرب أن يحصل ذلك حتى في السودان تحول ماركسيين متبنين الفكر الإسلامي وتغيروا، وهي عملية عادية وليست مستغربة.

منطقة وسطى

ويرى ربيع أن هنالك تراجعاً كبيراً في الفكر الماركسي من المقولات والأفكار والمواقف، وهنالك حديث كثير في هذا. ولفت إلى نقاشات قديمة بين المؤسسين للحركة الإسلامية في هذه القضايا، ولذلك لا أرى مشكلة في إمكانية التقاء التيارين في منطقة وسطى وأرضية، وهي عملية واردة وعادية جداً. مشيراً إلى حديث فاروق محمد إبراهيم وهو من كبار الماركسيين اليوم يمكن أن نقول إنه مفكر إسلامي له مجهودات كبيرة في التفسير، ولفت لوجود فكرة مثل  التي طرحها الشفيع خضر، ولكنه قالك الحديث عن كلمة مساومة غير دقيقة لتوصيف إمكانية الالتقاء بين التيارين، ولا يصح الحديث عنها وإنما الحديث عن التقاء وأرضية مشتركة وتفاهم بين الجانبين للمواقف، مثلما حصل الآن، هناك بعض الإسلاميين يتبنون الفكر الإشتراكي، مشيراً إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي لبابكر كرار، وقال: أعتقد أن اختلاف اليمين واليسار الآن الناحية الفكرية فيه أصبحت تمثل الشيء الأساسي، وإنما الخلاف فيه أصبح سياسياً أكثر من أي شيء آخر والصراع عندما يصبح سياسياً يصبح حول الحكم ومحاولة الإقصاء ليس من موقفك الفكري وإنما السياسي.

فرص محدودة

بالتالي السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا يقحم اليساريون حزبهم في مثل هذا الموقف والمأزق؟ والإجابة بحسب الكاتب عبد الظاهر المقداد أبوبكر منشور في الوسائط، أن الحزب الشيوعي يعلم تمامًا أنه ليست لديه أي فرصة للحصول على موطئ قدم في الساحة السياسية أو في وجدان المجتمع السوداني ذي الصبغة الإسلامية المُتديّنة سواء من خلال الإسلام التقليدي أو الإسلام الحديث الذي تمثله الحركات الإسلامية والجماعات السلفية، فطبيعة الحزب الشيوعي وأيدولوجيته تتعارضان مع كل ذلك. كما أن الحزب يعلم أن فرصته محدودة جدًا في وجود الأحزاب التقليدية مثل الأمة والاتحادي، لذا عمد بذكاء كبير ليقود أحزاب المعارضة نحو أهدافه ومراميه، وبالتالي تعرية هذه الأحزاب بصورة غير مباشرة أمام قواعدها، وأمام الشعب السوداني، ومن ثم يخلو له الأمر، فأحزاب المعارضة وبغباء لا تُحسَد عليه انقادت للحزب الشيوعي الذي بث منذ أزمان عددًا كبيرًا من عناصره وكوادره داخل هذه الأحزاب لتنفيذ أهدافه المرسومة بعناية.

الفجر الجديد

الحزب الشيوعي الذي ظل ينشط في الخارج خطط ورسم سيناريو من تأليفه وإخراجه في كمبالا سُمّي بالفجر الجديد، وهي وثيقة يحاول كما يرى الكاتب السابق أن يسوق إليها بقية الأحزاب كالقطيع لتوريطها أولاً ثم جعلها في مواجهة مع النظام، حتى لا يكون الحزب وحيدًا في هذه المواجهة، أما تنكر الحزب وتنصله من الوثيقة فما هي إلا تقية وتمويه ولتبدو أن الفكرة نابعة من جهات أخرى.

وتشير المتابعات إلى أن القيادي بالحزب صديق يوسف كان له القدح المعلى والدور الأكبر في إعداد وصياغة مسودة ميثاق الفجر الجديد التي تبدو سمات اليسار بارزة فيها، ويبدو أن اليساريين بعد أن يئسوا من إمكانية إسقاط نظام عدوهم التاريخي الحركة الإسلامية، قرروا استخدام نظرية (علي وعلى أعدائي)، بمعنى حرق المراكب بمن فيها، حتى لو أدى ذلك إلى فناء الدولة السودانية من الوجود، فالسؤال الذي يطرح نفسه، هل الذي يجري الآن هو عين الحقيقة لما يحصده الحزب الشيوعي من ثمار ما زرعه في كمبالا؟؟

مساومة تاريخية

وتبدو داخل الحزب الشيوعي عقلية منفتحة على الآخرين ولديها رؤية مختلفة وبُعد نظر في التعاطي السيادي الداخلي، مثلما لدى القيادي السابق بالحزب الشيوعي الشفيع خضر الذي رهن عبور البلاد المرحلة الانتقالية الحالية بإجراء مساومة تاريخية تلبي طموحات الإسلاميين وأحزاب اليسار، منوهاً إلى أن حل مشكلة علاقة الدين بالدولة لن يتم إلا عبر مساومة تاريخية، وقال في ندوة: إذا لم تتم مساومة تاريخية بالشكل المطلوب الذي يلبي أشواق أصحاب الخيار الإسلامي وطموحات دعاة العلمانية والدولة المدنية لن نعبر المرحلة الانتقالية بسلام.

مرحلة انتقالية

وأرجع خضر نظريته في المساومة إلى أن البلاد ظلت في مرحلة انتقالية منذ الاستقلال، مرجعاً الصراع في السودان لفشل النخب السودانية في الإجابة على سؤال التغيير ولغياب مشروع وطني يخاطب مهام التأسيس، واعتبر أساس تحقيق المساومة التاريخية موجوداً من خلال نقاط يُمكن الاتفاق عليها وتتضمن سيادة حكم القانون واستقلال القضاء ومساواة المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن المعتقد أو الجنس، بجانب أن تصبح المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان، معتبرا مشكلة الهوية يمكن أن تُحَل من خلال الاعتراف بالثقافات والمعتقدات واللغات والإثنيات بالتساوي.

ولفت إلى أن قصور الرؤى عند  النخب أدى إلى التصادم المستمر، موضحاً أن أزمة الصراع السياسي لا يمكن حلها بالنظر إلى أن الصراع حول السلطة ينتهي بتغيير السلطة، وأضاف: نحتاج إلى مشروع وطني مجمع عليه ويجاوب على أسئلة التأسيس التي اعتبرها كانت غائبة، وشدّد على أنه لا علاج للأزمة دون التوافُق حول المشروع الوطني، وقطع بأن المشروع الوطني لا يمكن أن ينجزه حزب واحد أو إيدولوجية معينة، مطالباً بمشاركة الجميع دون إقصاء وإيجاد آلية لالتقاء المركز مع الأطراف.

اعتذار رسمي

وكان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف، دعا رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي إلى تقديم اعتذار تاريخي عن خطأ حزبه في حادثة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في العام 1965م، وقال إن الحملة ضد الحزب الشيوعي كان غرضها الرئيس الوقوف في مواجهة المد اليساري المتنامي في أعقاب ثورة أكتوبر من قبل القوى الأخرى، ، وزاد قائلاً: (خضنا معركة انتهت بأن كسرت رجلي، وحزب الأمة مطالب بضرورة تقديم اعتذار عن قرار حل الحزب الشيوعي في الستينيات، والاعتذار من الإمام “الصادق المهدي” عن إهانة قرار القضاء الذي أقر بعدم دستورية الخطوة وقتها).

معلومات تاريخية

وحول علاقته مع الإسلاميين، كشف يوسف عن معلومات تاريخية لاجتماعات الإسلاميين بزعامة الشيخ حسن الترابي داخل مسجد بالتمويه بتلاوة القرآن الكريم بين صلاتي المغرب والعشاء، وأشار إلى تفاصيل آخر اجتماع له مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي الشيخ حسن الترابي قبل وفاته، وقال: (الشيخ الترابي قبل وفاته بأسبوع زارني في المنزل للتفاكر معه في شأن الحوار الوطني، وبعد انتهاء الاجتماع عملت حركات الشيوعيين وكتبت ما جرى بيني وبين الشيخ وعرضته عليهم في اجتماع، وكانت نتيجته الخروج بحوار حوله في صحيفة الميدان، لكن بعد وفاة الشيخ الترابي أصدروا قرارهم بعدم النشر).

داوعٍ وأسباب

وقال مصدر مطلع لـ(الصيحة) ـ فضل حجب اسمه: دواعي انقلاب الشيوعيين في 1969 ضد الديمقراطية الثانية (حكومة الصادق المهدى) يُمكن أن تُجمل في بندين أساسيين، أولهما أن الحزب الشيوعي تم حله وتم طرد نوابه بعد فشلهم سياسياً في نشر أجندة مقبولة لدى الشعب، وثانيهما أنه قد تم تقديم مشروع الدستور الإسلامي في منصة الجمعية التأسيسية للبرلمان الأمر الذي لم يُعجب الشيوعيين وأثار حفيظتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى