لطائف من الكرم

*اجتمع قُرَّاء البصرة إلى ابن عباس وهو عامل بالبصرة، فقالوا: لنا جار صوَّام، قوَّام، يتمنَّى كلُّ واحد مِنَّا أن يكون مثله، وقد زوَّج ابنته من ابن أخيه، وهو فقير وليس عنده ما يُجَهِّزُهَا به.

* فقام عبد الله بن عباس، فأخذ بأيديهم، وأدخلهم داره، وفتح صندوقاً، فأخرج منه سِتِّ بِدَر، فقال: احملوا. فحملوا، فقال ابن عباس: ما أنصفناه، أعطيناه ما يَشْغَلُهُ عن قيامه وصيامه، ارجعوا بنا نكن أعوانه على تجهيزها؛ فليس للدُّنْيَا من القدر ما يشغل مؤمناً عن عبادة ربِّه، وما بنا من الكِبَرِ ما لا نخدم أولياء الله تعالى. ففعل وفعلوا.

*حُكِيَ أنه لما أجدب الناس بمصر، وعبد الحميد بن سعد أميرهم، فقال: والله لأُعْلِمَنَّ الشيطانَ أنِّي عدوُّه. فَعَالَ محاويجَهم إلى أن رخصت الأسعار، ثم عزل عنهم، فرحل وللتُّجَّار عليه ألف ألف درهم، فرهنهم بها حلي نسائه وقيمتها خمسمائة ألف ألف، فلما تعذَّر عليه ارتجاعُها كتب إليهم ببيعها ودَفْعِ الفاضل منها عن حقوقهم إلى مَنْ لم تَنَلْهُ صِلاتُه.

* كان مَعْنُ بن زائدة عاملاً على العراقين بالبصرة، فحضر بابه شاعرٌ، فأقام مدَّة، وأراد الدخول على مَعْنٍ، فلم يتهيَّأ له، فقال يوماً لبعض خدَّام معن: إذا دخل الأمير البستان فعرِّفْنِي. فلمَّا دخل الأمير البستان أَعْلَمَهُ، فكتب الشاعر بيتاً على خشبة، وألقاها في الماء الذي يدخل البستان، وكان معن على رأس الماء، فلمَّا بصر بالخشبة، أخذها وقرأها، فإذا مكتوب عليها:

أَيَا جُودَ مَعْنٍ نَاجِ مَعْناً بحاجتي  فما لي إلى مَعْنٍ سواك شفيع

*فقال: مَنْ صاحب هذه؟ فدُعِيَ بالرجل، فقال له: كيف قُلْتَ؟ فقال له، فأمر له بعَشْرِ بِدَرٍ، فأخذها، ووضع الأمير الخشبة تحت بساطه، فلمَّا كان اليوم الثاني أخرجها من تحت البساط وقرأها، ودعا بالرجل فدفع إليه مائة ألف درهم، فلمَّا أخذها الرجل تفكَّر وخاف أن يأخذ منه ما أعطاه فخرج، فلمَّا كان في اليوم الثالث قرأ ما فيها، ودعا بالرجل، فطُلِبَ فلم يُوجَدْ، فقال معن: حقٌّ عليَّ أنْ أُعْطِيَهُ حتى لا يبقى في بيت مالي ولا دينار.

* قيل لقيس بن سعد بن عبادة: هل رأيتَ أحدًا أسخى منك؟ فقال له: نعم، نزلنا بالبادية على امرأة، فحضر زوجها، فقالت له: إنه نزل بك ضِيفَانٌ. فجاء بناقة ونحرها، وقال: شأنكم بها..

*فلمَّا كان بالغد جاء بأخرى ونحرها، وقال: شأنكم بها. فقلنا: ما أكلنا من التي نحرتَ لنا البارحة إلاَّ اليسير. فقال: إنِّي لا أُطْعِمُ أضيافي الغاب. فبقِينَا عنده يومين أو ثلاثة، والسماء تمطر، وهو يفعل كذلك.

* فلمَّا أردنا الرحيل وضعنا له مائة دينار في بيته، وقلنا للمرأة: اعتذري لنا إليه. ومضينا، فلمَّا مَتَع النهار إذا نحن برجل يصيح خلفنا: قفوا أيُّها الركب اللئام، أعطيتموني ثمن قرايَ. ثم إنه لحقنا، وقال: لتأخُذُنَّه، وإلاَّ طعنتكم برمحي هذا. فأخذناه وانصرف، فأنشأ يقول: وإذا أخذْتُ ثواب ما أعطَيْتُهُ  فَكَفَى بذاك لنائلٍ تَكْدِيرا

* قيل مَرِضَ قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانَهُ، فسأل عنهم، فقيل له: إنهم يستحيُون ممَّا لك عليهم من الدَّيْنِ. فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة!! ثم أمر مَنْ يُنَادي مَنْ كان لقيس عليه دَيْنٌ فهو منه في حلٍّ. فكُسِرَتْ عتَبَتُه بالعَشِيِّ، لكثرة ما عاده.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى