الظلمُ ظُلمات

 

من أسوأ ما ارتكبه النظام المُباد، أنه ظلَم الناسَ، وقتل الناس وشرّد الناس من وظائفهم، وحاكَم العديد من المعارضين خارج حكم القانون، وصل أحياناً إلى الإعدام كما فعل بضباط حركة رمضان ١٩٩٠. كانت محاكمة سريعة لم تتعدّ أربع وعشرين ساعة، وفتن القبائل حتى اقتتلت. وقامت حروب الهامش في عهده حتى سببت الموت الزؤام والنزوح واللجوء.

النظام المباد ارتكب موبقات عدّها الإمام الصادق ووصل بها إلى العدد عشرة. ورغم ذلك كان سقوطها هيناً مقارنة بالمحاولات السابقة لإسقاطه عسكرياً، وليس آخرها محاولة حركة العدل والمساواة في ٢٠٠٨ التي وصلت إلى أبواب أمدرمان شمالاً وغرباً. وكل دهاقنة النظام لم يصدقوا ما حدث لهم من سقوط بتلك الكيفية ولا تفسير لي غير أن أمره سبحانه وتعالى قد صدر، وسبحان من يُغيّر ولا يَتغيَّر.

جاءت الثورة ضد الظلم وتصحيح مسار حياة السودانيين من الحكم الشمولي الباطش الذي كان ديدنه تكميم الأفواه وتسليط رجال الأمن لتخويف الناس ومحاكمتهم دون القضاء. واستبشر الناس بالثورة خيراً، ولكن الملاحظ أن هناك انتكاسات بيّنة بدأت تحيد بالثورة عن مسارها، وهكذا ما يترتب على شعارها حرية سلام عدالة  من تجديف خارج سكته.  لقد تابعت كثيراً من قضايا بعض الثوار القابعين الآن خلف القضبان لا قضية لهم إلا العمل لمحاربة النظام المباد، وأدخلوا السجن بسبب ذلك. وبعد أن  انتصرت الثورة كان المتوقع والمأمول أن تدق لهم الثورة الطبول وتتشرف بمقابلتهم محتفية بهم أمام السجون وتقلدهم أنواط الشجاعة والإقدام قبل أن يصلوا إلى أهلهم. ولكن كان نصيبهم الإهمال بل المحاكمات وحتى الآن. وعندي من الأسماء لمن لا يُصدّق، ماذا نقول في هذا؟ هل نقول هذه هي سياسات الدولة العميقة؟! وحتى الذين قُبِضوا بعد الثورة لا أرى أسباباً  تجعل البعض منهم يبقى كل هذه المدة دون محاكمة. أعتقد أن مدة أقل من شهر كفيلة وكافية لتجميع المعلومات والتي بموجبها يُقدّم أي شخص إلى المحاكمة. نحن لا نتحدث عن المرارات والظلم الذي وقع، نحن نتحدث عن العدل، والعدل لا يتجزأ . العدل كلمة واحدة ومعناها واحد. ومهما كانت مُترادِفاتُها فلا تؤدي إلا إلى معنى واحد هو تطبيق القانون فقط. كل أملي أن تتذاكر الثورة شعاراتها ومبادئها قبل أن تدلف إلى الأمور الأخرى والتي في النهاية كلها مربوطة بالعدل. ولم نقُل هذا إلا حرصاً على ثورة ديسمبر المجيدة وشعارها حرية ـ سلام عدالة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى