آراء العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

إن الإسلام جاء ليواكب ويتناغم مع كل عصر، وينسجم مع كل وقت وليساير ويتشكل ويتلون في المنشط والمكره وفي الحل والترحال حسب الزمان والمكان، وذلك بالفهم المتغير للنصوص، وهذا ما امتاز به على ما قبله من رسالات لأنه رسالة عالمية خاتمة، أتت للناس كافة، وعالميته وخاتميته تلك تحتم عليه أن يكون هيناً ليناً يحمل في طياته وأحكامه كل الاحتمالات والظروف التي تختلف باختلاف الزمان والمكان والضرورة والحاجة، فجاءت تكاليف الإسلام وواجباته متحركة ليست ساكنة ومتغيرة ليست ثابتة حسب مقتضى الظرف والحال، مما جعل تلك الواجبات تتحرك ما بين الواجب والمباح والمكروه والحرام، فكل التكاليف تتنقل ما بين هذه المنازل (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).

ومن المعلوم أن فعل السلف غير ملزم للخلف إذا دعت الحاجة والضرورة إلى فعل شيء لم يفعله السلف لظروف خاصة بهم، وإلا ما كان الاجتهاد والقياس وفقه الضرورة والإجماع وما كانت الصحاح والمذاهب والعلوم المستحدثة كالتجويد والتفسير وتشكيل القرآن وتنقيطه والنحو والبلاغة وعلم المنطق والحديث عن الاحتفال بالمولد له ما يسنده من الكتاب والسنة وأقوال العلماء يقول تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، فأي فضل إن لم يكن ما أتى به محمد، وأي رحمة إن لم يكن هو والآية يزيدها توضيحاً الحديث الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صيامه يوم الإثنين فقال:(ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزل علي فيه).

وقول علماء السلف ومنهم ابن كثير في كتابه البداية والنهاية(13/136): (إن الملك المظفر كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلَا)، ويقول الإمام أبي شامة (599 665 هـ)، وهو شيخ الإمام الحافظ النووي، قال في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث ص23) ما نصه: (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور تعبيراً عن محبته صلى الله عليه وسلم)، وقول الإمام الحافظ ابن الجوزي المتوفّى سنة 597 حيث قال في المولد الشريف: (إنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام)المواهب اللدنية ( ج 1 ص 27)، والإمام الحافظ العراقي (وهو شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني) (725ـ 808 هـ) له مولد باسم المورد الهني في المولد السني ذكره ضمن مؤلفاته، قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى: (إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت، فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشهر الشريف، ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروهاً فكم من بدعة مستحبة، بل قد تكون واجبة).

 ويقول شيخ الإسلام وإمام الشرّاح الحافظ ابن حجر العسقلاني: (أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة) ـ انتهى كلامه رحمه الله.

الفتاوى الكبرى (1/196) وكذلك كتاب حسن المقصد في عمل المولد للإمام السيوطي، وقد عقد الإمام الحافظ السيوطي في كتابه (الحاوي للفتاوى) باباً أسماه (حسن المقصد في عمل المولد) ص 189، وقال السخاوي: (وإن لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وسرور أهل الإيمان لكفى)، السيرة الحلبية (ج 1 ص 83 84).

 وإذا جاز لنا أن نتحدث عن المولد، فلنتحدث عن كيفية الاحتفال بالمولد وإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات، فإن الاحتفال بالمولد أصبح ضرورة بعد أن صار شخص النبي صلى الله عليه وسلم هدفاً للإساءة والسب والتشهير، وهو الرد الأبلغ على هولاء الذين سخروا القنوات وألفوا الكتب وأخرجوا الأفلام للنيل من الإسلام ونبي الإسلام وقرآنه، وأظن هؤلاء يجدون من بيننا من يعينهم على فعلهم ذاك من حيث يعلمون أو لا يعلمون من الذين يتحدثون عن بدعة المولد، وأن الرسول كسائر الشخصيات في التاريخ التي أدت دورها ثم ذهبت. ولا شك أن حديثهم هذا يجد مكانه عند الذين لهم الغرض في الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، والحط من قدره.

 وفي رأيي بناءً على ما ذكرنا أصبح الاحتفال بالمولد ضرورة آنية وإن لم تكن له ضرورة من قبل على عكس ما يصفه البعض بالبدعة، فلنتحدث عن كيفية الاحتفال والإخراج، ولنترك الخلاف والجدل وليجلس العلماء من أهل الوسطية ويخرجوا لنا بكيفية للاحتفال الذي يكون خالياً من كل بدعة ولا تنتهك فيه حرمة، ولا يتصادم مع نص، ويجب الالتزام بما يراه العلماء وإن رأوا أن لا ضرورة للاحتفال.

نريد أن تجعله الكيفية مولداً يكون الحدث الأكبر والنداء الأعظم والمدافع الأقدر في العالم للتعريف بالإسلام ونبي الإسلام، ويمكن أن يكون الاحتفال منبراً للمنافحة والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 وفيما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد ويقول له نافح عن رسول الله ومعك روح القدس، يمكن للاحتفال أن يكون منصة دعوة ومنبر موعظة ووسيلة تبليغ ومؤتمراً جامعاً متاحاً للجميع الكافر والمسلم، المرأة والرجل، الصغير والكبير بخلاف المساجد التي لا يدخلها إلا المسلمون، نريده أن يكون احتفالاً مفتوحًا بشرطه، ولكل الناس، ومناسبة لتفعيل الآية: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)، مدعوماً بالعلماء والمفكرين وبكل اللغات حتى يكون لكل سؤال جواب عن محمد ودين محمد صلى الله عليه وسلم، نريده احتفالاً نحبب به أطفالنا في هذا النبي، ولا مانع فيه من تقديم الحلوى والملابس واللعب حتى ينشأوا على حب الله ورسوله، وأن يكون استذكاراً لعبر واستعراضاً لسير: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ).

الشيخ/ أحمد التجاني أحمد البدوي

E-mail:[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى