حكومة حمدوك.. (بُعد) الداخل و(قُرب) الخارج!! 

الخرطوم : عوضية سليمان 

رغم مرور ستة أشهر على نجاحها، إلا أن الشواهد والقرائن تشير إلى أن مسببات اندلاع الثورة والاحتجاجات على النظام السابق لا زالت قائمة، وأنها ما زالت موجودة الآن، فالأزمة لم تبارح مكانها رغم مرور أكثر من شهر على حكومة العهد الجديد، الحرية والتغيير التي تعهدت للمواطنين بحل المشكلة والأزمة المستفحلة والعاتية على السودان والتي تتلخص في ارتفاع الأسعار مما أدى إلى ضائقة معيشية أرهقت محدودي الدخل، بجانب فوضى المواصلات التي أدت إلى تجزئة الخطوط إلى ثلاث رحلات بغرض زيادة التعرفة، إضافة إلى ندرة غازالطهو.

زد على ذلك صفوف الخبز التي تطاولت حتى في أعرق أحياء العاصمة، بينما تأخذ هذه الصفوف ببقية الولايات منحى آخر، إذ يصطف مواطنوها من بعد أذان الفجر بغية الظفر بـ(كيس) خبز يقيهم من الجوع…

كل هذه الأسباب اجتمعت وولدت الاحتجاجات على النظام السابق .. ويبدو أن حكومة حمدوك قد تجاهلت في الفترة السابقة هذه الأزمة، فالشعب السوداني لا زال الذي ينتظر منها إنجازاً ما وعدت به لحل تلك الأزمة، الشعب ينتظر برامج إسعافية سريعة، وذهب حمدوك بعيداً عبر جولات خارجية لم يكن لها أثر ملموس في الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد.. هذه التحركات الخارجية لحمدوك أثارت حفيظة البعض فاتهم حمدوك باهتمامه بالخارج على حساب قضايا الداخل والمواطن التي من أجلها قامت الثورة، إلا أن رئيس الوزارء نفسه في زيارته الأخيرة للسعودية جأر بالشكوى من واقع الداخل وأنحى باللائمة في هذا التأخير على تلكؤ قوى الحرية والتغيير التي لم تسلمه خطة عمل.

وعود منتظرة

عقب أدائه القسم وفي أول ظهور إعلامي لرئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك قدم فيه جرد حساب سريع لأولويات الفترة القادمة وتقدم إيقاف الحرب والسلام والعمل على حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة تلك الأولويات، ودعا حمدوك حينها إلى التركيز في الفترة القادمة على الاقتصاد وتوفير السلع والعناية بالقطاعات المنتجة… ومنذ ذاك الحين لم ير المواطن أي إصلاح ولا تسهيلات في أمر معاشه، بل انه ظل يعاني من شظف العيش.

تركة سابقة

هذا الواقع يراه القيادي السابق بالحزب الشيوعي الشفيع خضر بأنه واقع تراكمي، وأن الحكومة الحالية برئاسة حمدوك لا تتحمل وحدها قيادة الفترة الانتقالية، مضيفاً أن مسؤولية الوضع الراهن في السودان مسؤولية الجميع، وكلنا مسؤولون عن ذلك، وليس حمدوك فقط.

وزاد الشفيع في حديثه لـ(الصيحة) أنه يتعين على كل قيادي وسياسي المشاركة في الحل في المرحلة المقبلة ولو بالبسيط المتاح لنا باعتبار أنها فترة انتقالية ذات مهام وعمل محدد، مشيراً إلى أن الفترة الانتقالية الراهنة تتطلب الدقة والحذر معاً باعتبار أنها فترة معقدة مقارنة بالفترات السابقة التي لم يكن فيها نجاح، وقال إن الفترة الحالية توصف بالحرية لأن برامجها مرسومة بالمهام المتعلقة بمعالجة التدهور الحاصل الآن.

وكشف الخضر عن أن المعالجة للتدهور لم تكن ساهلة وسريعة ومرضية للمواطن، لأن هنالك سياسات خاطئة موروثة من حقبة النظام السابق، وهي جريمة كبرى ارتكبها نظام الإنقاذ خلال ثلاثين عاماً في حق الوطن والمواطن الذي أضحت حياته مهددة فعلياً، وأضحى انهيار الدولة على الأبواب.

مضيفا أن هذا الانهيار هو الذي يقف حجر عثرة أمام قضية بناء الدولة الوطنية، موضحاً أن حل تلك الأزمة مرهون بنجاح الفترة الانتقالية في انتشال المواطن أو الطوفان، حسب تعبيره.

كيفية العبور

مصدر إعلامي سياسي ــ فضل حجب اسمه ــ تحدث للصيحة حول التحديات الداخلية لحكومة حمدوك خلال الفترة الانتقالية، حيث أشار إلى أن حكومة حمدوك خرجت من المهام الحقيقية التي كلفت بها في وقت كان صعباً على المواطن وعلى السودان عامة، وأضاف أن حكومة حمدوك جاءت بعد معركة لم يشهدها السودان في مراحل حكوماته السابقة من دمار وخراب وموت واغتصاب وتشريد، ولذلك فإن هذه الحكومة ليست كحكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني ولا وزرائها، وزراء حكومة حزبية، ولم تأت بهم المحاصصات والإئتلافات الحاكمة، ولم تأت بهم كذلك صناديق الاقتراع، بل هم مجموعة خبرات وكفاءات، لذلك لابد لهم من معرفة أنهم جاءوا بمهمة لإسعاف اقتصاد السودان، وجاءوا لإنفاذ مهام محددة تتمثل في إنقاذ وطن مأزوم عبر سقف زمني محدد لهم، مضيفاً أن المطلوب من حمدوك وحكومته معالجة الوضع الاقتصادي المزري، وإنجاز بعض الملفات العالقة، منها ملف السلام بدلاً من الانخراط في جدل ديني مع تيار نصرة الشريعة حول رياضة النساء والاصطفاف في مواجهه عبد الحي يوسف، مضيفاً أن التحدي الأكبر الآن أمام حمدوك وحكومته هو كيفية العبور من المأزق الاقتصادي، وإيجاد مخرج من الضائقة المعيشية، وأزمة المواصلات وقطع الطريق أمام الانزلاق الأمني المتوقع، وليس منهم التصدي لعبد الحي يوسف وجماعته والتضامن مع الوزيرة البوشي، منوهاً أن مثل هذا الاصطفاف يخرجهم من المهمة الأساسية التي تهم المواطن، وأن المواطن البسيط أصبح يبحث هو الآخر عن حلول، ويتساءل عن ما قدمته حكومة حمدوك، وما يمكن أن تقدمه في ظل صعوبات ماثلة، فالسوق في حالة من الجنون، وأسعار السلع الاستهلاكية في تزايد مضطرد، وأن المواطن أصبح في سباق مع زيادة الأسعار وجشع التجار، ولا أحد يراقب السوق، الكل يعمل وفق مزاجه دون رقابة أو محاسبة لدرجة أن المواطن أضحى يبحث عن الحكومة التي هي الآن غائبة تماماً عن معاناته في صفوف الخبز وانتظار المواصلات، بالرغم من أن الحكومة أعلنت جلب بصات لفك ضائقة المواصلات، والشاهد أن البصات المستجلبة تشير بعض المصادر إلى أنها غير صالحة للعمل داخل طرقات ولاية الخرطوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى