كارثة تلودي

كما يعلم الجميع. فإن متظاهرين من مدينة تلودي قاموا بحرق معدات وأدوات لعدة شركات تنقب في الذهب في المنطقة. وهو أمر محزن ومؤسف أن يستبد الغضب بمواطنين حتى يجعلهم  يقومون بحرق ممتلكات زملائهم المواطنين الآخرين. ومعنى ذلك أن المواطنين يحسون بألم دفين مضى بهم أن يفعلوا هذه الفعلة. 

قبل أن نخوض في قضية الحرق. لابد لنا من أن نتخيل قيمة هذه المعدات التي احترقت، وكم كلفت الدولة من العملات الصعبة. من خلال التقارير التي تحصلنا عليها فإن الرقم فلكي يقدر بعدة ترليونات من الجنيهات، وعندما نقيمه بالدولار فإن الرقم كبير كبير جدا. وهو في النهاية خصم على هذه الدولة المتردية. والتاريخ يقول في إطار التنافس بين الحزبين الكبيرين المؤسسين للاستقلال. فإن الاستقلاليين بعد أن دانت لهم الوزارة غيروا العملة وتم حرقها والتي سُكّت في عهد حكومة الاتحاديين إبان الحكم الذاتي، فغضب الاتحاديون وهتفوا بقول حرق العملة حرق الشعب. ونحن نقول حرق الشركات حرق الدولة. ولكن فلنمضِ إلى الأسباب التي جعلت المواطنين يحرقون الشركات حسب ما سمعنا وما علمنا. قيل إن المواطنين ظلوا متجمهرين لأكثر من شهر رافضين عمل الشركات في التنقيب لتجاوزات صحية ارتكبتها من خلال المعادلات الكيميائية التي تقوم بها لاستخلاص الذهب. هذه هي القضية الأساسية، هذا غير المسكوت عنه من قضايا. وحسب ما علمنا أن لا مجيب من الحكومة. وحتى المعالجات الولائية كانت ضعيفة للغاية. عمد والي الولاية لتوقيف بعض الشركات وحجز بعض الممتلكات في رئاسة محلية تلودي. والمواطنون من جانبهم لم يقتنعوا بأن عمل الشركات قد توقف بل إنهم  في الأساس أرادوا أن يفتشوا الشركات للتأكد من عدم استعمال المواد الكيميائية المرفوضة والضارة بالصحة. بدأ المواطنون بالإنذارات المتكررة بالحرق إن لم تستجب السلطات لمطالبهم وتمديد التهديد لفترة أخرى. وحكومة المركز نائمة في العسل ولا مجيب. وعندما أحست بالخطر رأت أن ترسل وفداً منخفض التكوين برئاسة وزير إداري لا علاقة له بفنيات وحيثيات المشكلة. يبدو أن المواطنين يرون أن يحضر إليهم وفد سيادي. والعين كانت في اتجاه دكتور صديق تاور عضو المجلس السيادي وابن الولاية، وهو القريب جداً من الملف من حيث التخصص والاهتمام ودعم فكرة محاربة المواد الكيميائية الضارة بالصحة والتي تدخل في معالجة استخلاص الذهب. ولكن تاور لم يذهب. ولا حتى الفريق كباشي. فأرسل وزير ديوان الحكم الاتحادي ورُفض استقباله، وكان ما كان من حرق وإبادة بالكامل لمعدات أربع من الشركات الكبيرة العاملة في المنطقة. شيء مأسوف له للغاية أن تكون هذه الكارثة، ومع ألمنا المعتصِر للمواطنين الذين تضرروا صحياً من الشركات وألمنا لأصحاب الشركات الذين يرون بأم العين أموالهم تُحرَق أمامهم وألمنا لفقدان الدولة لهذه المقدرات، إلا أننا نقول إن حكومات النظام المباد تتحمل كل تبعات المسؤولية، لأنها لم تضع من القوانين الواضحة لحماية الشركات أمنياً وحماية المواطنين صحياً وحماية الولاية مادياً في إلزام الشركات بتقديم خدمات ضرورية تتشارك في اختيارها الولاية والشركات. (ليست عطية مزين) كما تفعل بعض الشركات. الشركة الوحيدة التي قدمت بعض الخدمات الضرورية هي شركة الجنيد كما ذكر بعض الأعيان الذين استنطقناهم.

أما الحادثة نفسها والتي أصبحت سبباً في الحرق والإتلاف فتتحملها حكومة الولاية وحكومة المركز للتلكؤ الذي أصابها والتكلّس الذي ضرب بأطنابه تفكيرها. مع استقراءاتنا أن هناك أطرافاً خفية لها دور في الكارثة لمآرب وهدف بعيد جزء منه تكتيكي داخلي ضحيته الدعم السريع وخارجي لإغلاق المنطقة ك (stock) لم يحن الوقت بعد لإعلان فتحه. ما يهمنا الآن نرى الآتي

١. فتح تحقيق مستقل وشفاف ودقيق جداً وعادل لمعرفة الأسباب الحقيقية التي كانت تقف وراء هذه الكارثة حتى لا يتكرر المنظر في مكان آخر مشابه. ٢.السماح للشركات بفتح بلاغاتها لأننا سمعنا بأنه رفض فتح البلاغ. ربما لظروف قدّرتها الجهات المختصة حال وقت وقوع الحادث، لأن البلاغ يحفظ للشركة تقديم مستنداتها سواء شكوى ضد أي من الجهات، أو في حالة التعويض للشركات المؤمنة ٣.لابد من وضع قوانين لحماية الجميع ويشدد ويلزم تطبيقها من الجهات المعنية كلها.

٤.ضرورة الاتفاق على استئناف سير عمل الشركات بعد التأكد من المعالجات اللازمة لاسيما هي التي سببت وقوع الكارثة. لأن استئناف عملها فيه مصلحة للجميع دولة ومواطناً. 

وأخيراً أقول: ما هو الفرق بين التنقيب عن البترول والتنقيب عن الذهب؟! أليست كلها خيرات بواطن الأرض؟ ولماذا تُنظّم شركات البترول وتُحمَى وتُلزم بإعطاء نسب محددة لخدمات المنطقة. بل الحكومة غالباً ما تكون شريكة في شركات البترول. 

أعتقد ليس هناك مانع من أن ينطبق على الذهب كما ينطبق البترول. يمكن أن تكون مربعات وتكون هناك عدة شركات تضامنية بشراكة مع الحكومة(consortium ) ما الذي يمنع. أقول وللأمانة ونحن عشنا معظم (بلاوي) الحكومة البائدة لا أرى البتة فرقاً بين معالجات حكومة الثورة وحكومة الإنقاذ. بطء شديد في التفكير والتقدير والتدبير واتخاذ القرار في الحالتين. مع فهمي أن الثورة شيء جديد ضبط وانضباط وابتداع وسرعة في اتخاذ القرار وحمايته. بل الثورة هي استدراك ما يقع قبل أن يقع. لكن للأسف لا جديد. خوفي أن تتكرر مثل هذه الحوادث في مواقع أخرى إذا كان هذا هو مستوى تفكيرنا. ربنا يكفينا الشرور وعظائم الأمور. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى