عاداتنا السمحة

*في العام 1990م كانت الإنقاذ في عامها الأول، شهد هذا العام دخول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت بحجة انها جزء من دولته، وتباينت الآراء حول ذاك الدخول والعديد من الدول العربية فضلت الصمت، ولكن السودان  أعلن تأييده لصدام ودخوله ذاك، وخسر السودان الكويت وبعض دول الخليج في تلك الفترة.

*قرار الإنقاذ وهي في بداياتها كان له الأثر البالغ على الشعب السوداني، ولم تعد العلاقة بين الكويت والخرطوم إلا قبل سنوات عديدة، ونتج عن ذاك القرار عودة الكثير من السودانيين المقيمين في الكويت وبعضهم عاد بخفي حنين، حيث ترك ماله وأشياءه هناك.

*حسناً، لا نريد الخوض كثيراً في قرار السودان الذي صنفه الكثير من المراقبين أنه كان خطأ، في تلك الفترة تحديداً ظهرت عربات الإفراج المؤقت والتي دخلت عبر الأسر السودانية التي غادرت الكويت.

*الكثير من تلك السيارات كان تعمل كسيارات نقل عام “تاكسي وغيرها” واستفاد أصحابها كثيراً، وكذلك أفادت المواطنين وخففت الحمل عن عربات التاكسي التى كانت شبه متهالكة في تلك الفترة.

*كان من الغريب جداً أن تشاهد عربة ملاكي وفارهة، وهي تعمل تاكسياً وعلى رأسها علامة “للأجرة”ن وكان يطلق عليها المواطنون عربات النقل الطارئ.

*اليوم شوارع الخرطوم امتلأت بشكل هذه العربات الفارهة والتي تعمل كأجرة، بعضها عبر تطبيق “ترحال” أو ما شابه من تطبيقات وغيرها دون تطبيق مما أسهم كثيراً في تخفيف أعباء المعيشة لأصحاب تلك السيارات.

*ولكن الملاحظ أن ظهور هذه العربات أخفى “فضل الظهر” أصبح الكثيرون يخشون من الإشارة لهذه العربات الملاكي والتي كانت تنقل المواطنين “مجاناً” لازال بعضها يفعل ذلك ولكن الغالبية العظمى أصبحت تعمل كأجرة لتساعد أصحابها على مجابهة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تشهدها البلاد.

*ليست ظاهرة عربات الأجرة وحدها التي تعتبر من إفرازات الضغوط الاقتصادية، فهناك الكثير من المظاهر التي كانت خفية على الشعب السوداني بدأت في الظهور مع هذه الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها جميع الأسر الكادحة.

*المجتمع السوداني والذي عرف بالترابط في الأتراح والأفراح أصبح يتغير الآن مع هذه الضغوط، والسعي وراء لقمة العيش جعل التراحم شحيحاً بين أفراده.

*من كان يصدق أنه يأتي يوم يغيب فيه الجار عن جاره لشهور دون أن يراه أو يتفقد حاله، ومن يصدق ان الأشقاء في منزل واحد ربما لا يتقابلون إلا يوم الجمعة وأحيانا حتى في الجمعة لا يتقابلون، ومن يصدق أنه يأتي يوم ويمرض فيه ابن عمك أو خالتك ولا تنجح في زيارته، إن كان في المستشفى أو البيت.

*كثير من الأشياء لا يصدقها الإنسان إن عاد به الزمن للوراء وتذكر تفقد الجيران ولمتهم، وزيارة الأرحام والأصدقاء، فالوقت في سابق الزمان كان به متسع، لأن الوضع الاقتصادي كان جيداً ولا تحتاج للعمل طول اليوم لتكفي أهل بيتك من أكل وشرب فقط دون التفكير في المرض.

*التغير في المجتمع السوداني سببه الأساسي هو التردي الاقتصادي الذي يعيشه المواطن والذي يجعله يعمل ليل نهار من أجل لقمة العيش.

*نسأل الله أن يصلح حال اقتصادنا حتى ينصلح حال المجتمع السوداني، وتعود إليه بعض من عاداته القديمة السمحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى