لقاء السلام والمحبة.. مشاهد وتفاصيل

بورتسودان تعود إلى زينتها وألقها ومَحبَّتها

بريمة وجبرة وعودة الذكريات.. و”البوش” يُجسّد الواقع

الأمين الشيخ يترحّم على الشهداء.. وهذا هو دور رجال الأعمال

فيصل يعود بالذاكرة.. والسيادي يُشكِّل حضوراً أنيقاً

الخرطوم: جعفر: أبوعبيدة

حينما اشتدّ الصراعُ بين النوبة والبني عامر والحباب في شرقنا الحبيب، حمل أهل غرب السودان هموم المشكلة، وكذلك الشمال والجنوب والوسط وكل بقاع السودان كان انتباهها مع القتال الذي راح ضحيته خيرة أبناء الشرق من تلك القبائل، كان الشيطان موجوداً بتفاصيله يؤجّج نيران الحرب في مدينة بورتسودان، وكان العقلاء يعلمون أن هناك أيدي خفية تُحرِّك الفتنة لتشتعِل، ولكن الحكمة من إدارة تلك القبائل ومعها رجال الدولة في المجلس السيادي وضعوا حدّاً لتلك “المشكلة” التي دارت في المدينة الساحلية، وقبلها في قضارف الخير التي ظلت ترفد السودان بالمحاصيل النقدية ولم تصدّر له من قبل دماء الأبرياء.

انتهى الصراع بين أبناء بورتسودان بتوقيع اتفاق عنوانه “لا للدماء”، وذرفت الدموع على أحداث ما كان لها أن تكون لولا ضعاف النفوس، وبدأ الوطنيون الذين يعشقون تراب هذا الوطن طرح مبادرات للسلام والمحبة، وكان أبرزها تلك التي تقدم بها رجل الأعمال وصاحب الأيادي البيضاء الأمين الشيخ مصطفى الأمين، فكان لقاء السلام بقاعة الصداقة، حيث تعانقت القلوب قبل الأيادي، وعاد الصفاء والوفاء بين أبناء النوبة والبني عامر والحباب لتُطوَى صفحات بها بعض السواد وتفتح أخرى ناصعة البياض في ظلال المدنية بحضور نجوم المجتمع الرياضي والثقافي وأهل العلم وقادة المجلس السيادي ومجلس الوزراء، وقبل كل ذلك كان الحضور الأنيق للإدارة الأهلية بمختلف قبائلها.

*بساطة فيصل

على أطراف مقاعد قاعة أفريقيا بقاعة الصداقة، كانت الفرق الشعبية لأبناء النوبة تتأهب لأداء فاصل يطرب الحضور، بيد أنه تأخر فالشاشات الكبيرة على جنبات القاعة كانت تعرض العديد من الأغاني الوطنية التي تخص كل أهل السودان شماله وجنوبه شرقه وغربه. وعلى المقاعد الأمامية للقاعة كان يجلس النّظارُ والعُمَد من الإدارة الأهلية وبعض الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي.

 وعند بداية الاحتفال وصل وزير الإعلام فيصل محمد صالح وأراد أن يجلس في المقاعد الخلفية ببساطته المعهودة، بيد أن أحد الشباب قام لتحيته وقاده إلى المقاعد الأمامية. 

* ما بين بريمة وجبرة

قبل أن يُتلَى القرآن لبداية اليوم الرائع، كان كابتنا المريخ والمنتخب القومي حامد بريمة وفاروق جبرة يجلسان في الصف الثاني من المنصة الرئيسية، وبديا وكأنهما يسترجعان ذاكرة التاريخ لسنوات خلت كان الفرح فيها للجميع بانتصارات تحقّقت بالفنيلة الحمراء وشعار المنتخب الذي لا يُفرّق بين هذا نوبي أو ذاك جعلي، فالجميع كانوا يدافعون عن شعار السودان في المحافل الدولية، والجميع كان يبكي عند تحقيق الانتصار كما فعلها نجوم المريخ وهم يحملون كأس مانديلا في العام 1989م، وإن كان حامد بريمة ذرف دموع كأس مانديلا فرحاً بتحقيقه في ذاك التاريخ، فإن فاروق جبرة أمس الأول ذرف الدموع أيضاً على ذكريات مضت في مدينة بورتسودان، حيث كان مولده ونشأته وسط أهل المدينة الذين لا يُفرّقون بين هذا شمالي أو ذاك من جبال النوبة أو غيره من الوسط، فالجميع يعيش في بورتسودان بانتمائه لهذه المدينة الساحلية، وهكذا قال جبرة حينما أتاحت له المنصة الحديث عن مبادرة السلام والمحبة، حيث قال: “أنا ولدتُ في بورتسودان وعشت فيها وما حدث في المدينة خلال الفترة الماضية لم يكن سوى سحابة صيف عابرة”. بكى جبرة وهو يتذكر تلك الأيام الجميلة، وأضاف أنه تابَع الأحداث منذ بداياتها، وكان يتذكر تعايشهم مع البني عامر والحباب مما يؤكد أن هذه المدينة  عبارة عن سودان مُصغّر يعيش فيه الجميع في أمن وسلام ومحبة، وقبل أن يُغادر المنصة تقدّم بكلمات شكر رقيقة في حق صاحب المبادرة الأمين الشيخ مصطفى الأمين.

*”بوش” الجامعة

نجح الأمين الشيخ في مسح بعض أحزان المدينة عبر هذه المبادرة التي كوّن لها لجنة لتنظيمها لتخرج بصورة رائعة، فيما أكد المتحدث باسم اللجنة المُنظِّمة ناصر الطيب، أن هذه المبادرة أكدت على أن ما يجمعنا أكثر مِن ما يفرقنا.. 

وتقدّم بالشكر للمجلس السيادي ومجلس الوزراء، ودينق نوك، وإلى ابن السودان البار بأهله الأمين الشيخ وللإدارة الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والفنانين والرياضيين والإعلاميين لوِقفتهم ومساندتهم لهذا العمل الخيري الكبير،  وقال إن ما حدث في بورتسودان يعتبر سحابة صيف انقشعت، مشيراً إلى أنهم طيلة السنوات الماضية لم نر من القبائل التي تعيش في المدينة بأسرها سوى الكرم والتعاون.

 ولم يختلف حديث د. عبد الله شكان كثيراً عن السابقين، وقال إن الدموع التي ذرفها فاروق جبرة جسّدت المشهد، وأضاف أن ما حدث بالإمكان حدوثه  في أي مجتمع، ويمكن القول إنها كانت شكلة وليست حرباً، ولا زلنا مع النوبة إخوة في بورتسودان وفي الخرطوم وغيرها من الولايات، وقال شكان، إنه في فترة الجامعة كان يفطر”بوش” مع أصدقائه الخمسة وثلاثة منهم من أبناء النوبة مما يؤكد على عمق العلاقة بين مكونات الشرق ومدينة بورتسودان تحديداً.

الفنان سيف الجامعة تحدث نيابة عن الفنانين الذين شاركوا الحضور وفي مقدمتهم الموسيقار محمد الأمين والدكتور عبد القادر سالم، وقال سيف إن السودان يستشرف عهداً جديداً ليست فيه إثنية أو عقدية، وأضاف أنه كان في مدينة بورتسودان قبل أيام قلائل، وشهد لقاء النوبة والبني عامر والحباب الذين ذرفوا الدموع لتلك الأحداث، واعتبروها سحابة صيف خسر فيها الوطن خيرة الشباب، وأكد سيف الجامعة حرصهم كفنانين على نشر رسائل المحبة والسلام، وأبدى جاهزيتهم لأي عمل يخدم هذه الأهداف النبيلة.

*العبرة من الماضي

قبل أن يبدأ صاحب المبادرة الأمين الشيخ حديثه، ترحم على شهداء ثورة ديسمبر وشهداء الأحداث الأخيرة في مدينتي القضارف وبورتسودان، وقال إن أسرته قَدِمت إلى مدينة بورتسودان قبل استقلال السودان من المستعمر الإنجليزي، لذا نعلم جيداً التعايش والمحبة بين قبائل هذه المدينة الجميلةز

 وأضاف الأمين أنهم كرجال أعمال وطنيين لديهم مسئولية مجتمعية تجاه بورتسودان وغيرها من مدن السودان، مشيراً إلى أن السودان يسع الجميع بتعايش ومحبة وإخاء حتى نبني السودان في ظل الثورة والمدنية التي سعي لها الجميع، فيما حيا ممثل الإدارة الأهلية الناظر بابكر حاج عمر أصحاب المبادرة، وقال إن الأمين الشيخ رجل سبّاق لمثل هذه الأعمال الخيرية، مؤكداً أنهم في الإدارة الأهلية ينتمون إلى قبيلة واحدة وهي السودان.  

وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح، قال: أن أتحدث اليوم بصفتي أحد أبناء بورتسودان، وقال إن جميع من درس معه في هذه المدينة لم نكن نعرف قبائل بعضنا البعض، وإنما نعرف أنفسنا بالأحياء.

 وأضاف فيصل أنهم يريدون عبر هذه المبادرة أخذ العبرة من الماضي، مشيرًا إلى أن جميع الصراعات في السودان كانت بسبب الموارد عدا صراع بورتسودان فلا نجد له سبباً منطقياً، وأشار فيصل إلى أن هناك أيادي خفية لعبت لإشعال الفتنة وطالب بالبحث عن هذه الأيادي التي راح ضحيتها أبناء السودان من الجانبين.

*حديث السلام

حينما أتيحت الفرصة لوزير الإرشاد والأوقاف نصر الدين مفرح 

تحدث عن اعمال الخير الكثيرة والكبيرة التي كانت للراحل الشيخ مصطفى الأمين، وقال إنهم يعرفون الشيخ مصطفى الأمين عبر المدارس النموذجية والوقفية التي أسسها وظلت قائمة، وزاد عليها ابنه الأمين الشيخ.

 كان جل حديث مفرح عن السلام وأصله منذ خلق الله لأبينا آدم وأمنا حواء، وأكد على أن الإسلام حريص على إزالة البغض بين الناس مع نشر السلام والمحبة.

فيما ترحم عضو المجلس السيادي حسن شيخ إدريس على أرواح الشهداء جميعاً، وقال إن الشيخ  مصطفى الأمين له الكثير من الإنجازات في مدينة بورتسودان، لذا ليس بالغريب ما يفعله ابنه الأمين الشيخ من أعمال جليلة تخدم البشرية والمجتمع، وأضاف أن المبادرة تشبه الأمين الشيخ خاصة وأن اهل بورتسودان يعيشون في سلام ووئام وتناغم تام، مشيراً إلى أن ما حدث في المدينة كان غريباً عليها وعلى أهلها خاصة وأن المكونات التي كانت أطرافاً هذه المشكلة عُرِفوا بالكرم والسماحة وطيب المعشر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى