ما هو المطلوب من حكومة حمدوك حتى تعبر؟

من المعلوم بالضرورة أن الشعب السوداني عندما خرج للشارع مطالباً بإسقاط الوضع لم تكن دوافعه أيدلوجية معينة أو حزبية أو جهوية معينة، أو أن يبدل دينه ومعتقداته بسبب فشل الإنقاذ في التطبيق، ولا لأن الوضع كان إسلامياً، لكن الدافع كان ما أصاب الشعب من وبال وخبال سفه أحلامهم وبدد آمالهم، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي المزري الذي صارت معه الحياة لا تطاق بسبب الغلاء الفاحش والتردي في كل شيء، التردي الذي طال كل مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية حتى ذهبت هيبة الدولة واختل الأمن واعتل الأداء، مما جعل سقوط النظام حتمياً حتى ولو لم يخرج الشعب إلى الشارع، لذا لسنا في حاجة إلى تصريحات تفصح عن أيدلوجية معينة أو توجه بعينه للدولة بقدر ما أننا في حاجة لإصلاح الحال وبرنامج للحكومة معين وللشعب مبين نحاسبها عليه ولا ننسى أن الإنجليز حكموا السودان ستين عاماً بأداءٍ جيد لم يمسوا خلاله معتقدات السودانيين الكل في صلاته وتسبيحه وقد أقنعوا الناس بأدائهم وحسن إدارتهم للدولة بل كانوا يدعمون الاحتفالات الدينية وكان هناك قضاة شرعيون يعملون إلى جانب القضاء المدني، ولذلك غض الناس الطرف عن كفرهم ولا يزالون يذكرونهم بخير  وكانت أفضل إدارة تمر على السودان حتى هذه اللحظة مما جعل السودانيين يقولون:(يا حليل الإنجليز)، وأننا لا نخشى يسارية الأفراد في الدولة ما داموا يؤدون واجبهم بتفانٍ واستقلالية، لكن الذي نخشاه ونرفضه ونقف ضده مهما كان الثمن أن يفرضوا علينا تلك اليسارية هنا وهناك أو يحاولوا التبديل أو التغيير لإرثنا بالتصريح أو التلميح أو التشريع كما بدا من بعض تصريحات المسؤولين، فيجب على الحكومة أن تكون متجانسة متناغمة وأن يتفادى وزراؤها تضارب التصريحات والمطلوب من رئيس الوزراء أن يوضح هذا اللبس في تصريح الوزراء ونكرر لا بد أن يكون للحكومة برنامج عمره ثلاث سنوات يكون فيه كل شيء مقدر ومحسوب ومدروس وللشعب معلوم إن كان قولاً أو فعلاً وتجنب ما يفرق الناس إلى مع وضد وإن كان لا بد فلنعمل على تقليل نسبة ضد لأنه لا يمكن الإجماع مائة بالمائة على شيء ما ولا بد من التصريحات المنضبطة والأفكار والأيدولوجيات مكان عرضها صناديق الاقتراع وليس الفترة الانتقالية .

 كما يجب أن يكون للوزراء برامج خاصة بوزاراتهم مجمع عليها مع الحكومة لا يحيدون عنها وعليها يحاسبون فإذا فعلوا ذلك لا يهمنا ما يقوله الناس عنهم.

إن كان أكثر الناس يعتقدون أن الأزمة الكبرى هي أزمة الاقتصاد فهذه حقيقة ولكنها بدأت في عهد نميري عندما أتى بالأفكار الاشتراكية فصادر وأمم وسلم المؤسسات الخاصة والعامة لأفندية ليست لهم خبرة أو تجربة، وفقدنا بذلك الحبوب الزيتية وأسواقها كما تراجع إنتاج الصمغ العربي وفشل مشروع الجزيرة وتوقفت السكة الحديد وأخيراً سودانير والخطوط البحرية، وكل ما طالت يد الحكومة إليه كان مصيره الفشل، ثم جاءت الإنقاذ وجعلت لكل مؤسسة حكومية شركة بالإضافة إلى الترهل الإداري من ولايات ومعتمديات في عهد الإنقاذ والتي أرهقت المواطن بالضرائب والجبايات ولم يكن هناك ما يقابل ذلك من خدمات ولا بد من تقليص الولايات والمعتمديات والاستعانة بالضباط الإداريين بدلاً عن المعتمدين والولاة لأن الضباط الإداريين أكثر كفاءة وأحسن إدارة وأقل صرف، أما عن السلام فيجب أن ألا يكون محوره المحاصصات بل  الخدمات التي افتقدها سكان تلك المناطق مما تسبب في تهميشهم، كما يجب إشراك المواطنين بممثلين لهم في هذا الأمر حتى يحددوا ماذا يريدون لأن الذين حملوا السلاح عندما حملوه كانوا يتحدثون عن هذه المفقودات، ويمكن للحكومة الانتقالية أن توفر من تلك الخدمات ما استطاعت وأي اتفاق يقدم المحاصصات والإرضاءات على الخدمات سيكون له أثره السالب على مواطن تلك المناطق وقد يأتي البرلمان المنتخب فيقر أو يرفض أو يعدل في تلك الاتفاقيات فلا بد من إحكام الأمور جميعها وتحكيم العقل والتجرد حتى تكون العواقب سليمة، والله الموفق وهو المستعان.

E-mail:[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى