فلننهض بالسودان حتى يكتمل الاحتفال بالاستقلال

جميل أن يحتفل الشعب السوداني بالاستقلال، وله أن يفرح ويسر بخروج المستعمر، لأنه من المطلوب والمعقول أن يتطلع الإنسان إلى الحرية وإلى أن يحكم نفسه بنفسه، وجميل أن يعبر عن ذلك بصور شتى تعكس مدى سروره وارتباطه بهذه المناسبة، ومع ذلك يجب أن تكون المناسبة تقييماً للفترة التي أعقبت الاستقلال، وقد تعاقبت على الحكم أكثر من حكومة عسكرية ومدنية وأن يكون التقييم في كل المجالات كيف تركنا الاستعمار وإلى أين وصلنا؟ مع بعض المساوئ له هنا وهناك كقانون المناطق المقفولة والذي كان سبباً في إشعال الحروب التي نعيشها ونكتوي بنارها اليوم حتى نصحح الأخطاء ونتفادى تكرارها، صحيح أنه كان استعماراً، ولكن هذا لا يمنعنا أن نعترف أنه قد ترك وراءه من الأعمال الحميدة والمؤسسات التي كان من الواجب علينا أن نحافظ عليها ونزيدها ونطورها إلى الأحسن، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث فمشروع الجزيرة مثلاً بدأ في التناقص والتراجع منذ أن خرج الإنجليز وإلى الآن، وهو مستمر في الانحدار الذي يعقبه السقوط النهائي والسكة الحديد التي كانت نموذجاً مثالياً في الضبط والربط، وكانت من دعائم الخزينة العامة والحاكم لأسعار السلع بتكلفة ترحيلها الثابت المرتبط بميزانية الدولة والسكة الحديد كانت سبباً في تخفيض استهلاك الوقود لأن ما يحمله مائة جرار يحمله قطار واحد من بورتسودان لنيالا، وهي الآن خارج المعادلة أي السكة الحديد، وكذلك ترك الاستعمار خدمة مدنية يضرب بها المثل في إفريقيا والعالم الثالث في الإدارة والجودة  وفرض هيبة الدولة، ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن من ترهل فقدت معه الدولة الهيبة والهيمنة على الحكم مع جبايات لا تقابلها أي خدمات تذكر  وكانت الولايات تسع وكان المفتشون يركبون العربات الكومر والجمال والحصين، وأداروا البلاد أفضل مما أدارها راكبو اللاندكروزرات والانفنتي والهمر ولا تنسى الصرف البذخي للمؤسسات والتي لا تخضع لمراجعة ولا حساب، وكذلك التعليم والذي حفظ للمعلم حقه ومكانته المادية والأدبية وللتلميذ مستواه حتى صار خريجو الأولية هم من يديرون مؤسسات الدولة بعد خروج الاستعمار.  أما المؤسسات الأمنية ومعها الإدارة الأهلية فكانت لها القبضة التامة على الوضع الأمني والحد من الصدامات القبلية، فكان الخفير يمكنه أن يقود قرية كاملة إلى العمدة أو الناظر والصول هو المسئول الأول في المركز، وكان كذلك له هيبته ومكانته عند المواطنين وكذلك الجيش والذي اشترك في الحرب العالمية وحرب السويس حتى سمي بالدروع البشرية، وما دخل معركة إلا حسمها، وقد تراجع كل ذلك وتناقص وفقد الاحترام فلا إدارة أهلية كما كانت ولا شرطة ولا جيش، فكان من الأفضل أن يكون احتفالنا بالاستقلال استعراضاً لهذه العلل التي أصابت الدولة ومؤسساتها والبحث في  كيف العلاج والانتباه إلى المقولة والتي يقولها الكبار منا ولا زالوا:(يا حليل الإنجليز) فلنبحث لماذا قالوها وكيف ننسيهم إياها، فإن كان هناك تغيير فليبدأ من هنا وإذا كان هناك تفاوض أو حوار مع الحركات أو غيرها فليكن لا كيف ولا من يحكم السودان، وهذه العبارات هي سبب اللت والعجن الحاصل الآن، ويجب أن يكون محور الحوار (كيف ينهض السودان) كما نهضت الدول من حولنا ومنها ما استقل بعدنا،  وهذا يحتم علينا أن ننبذ القبلية والجهوية والمحاصصة، ونبحث في كيف ينهض السودان باستغلال موارده الطبيعية والبشرية وكتابة روشتة يجمع عليها الناس وبعدها فليحكم السودان من يحكمه، لِمَ لا وقد حكمنا الإنجليز ولا زلنا نذكرهم بخير وليس العيب في ارتكاب الخطأ ولكن العيب في الإصرار على الخطأ نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.

الشيخ/ أحمد التجاني أحمد البدوي

E-mail:[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى