وفي “الضعين” يُمتحن الصواب؟!

وفي  “الضعين” يُمتحن الصواب؟!

الجميل الفاضل

“الضعين” مدينة أحبها وتحبني، ويثير مرقدها شجوني.

وفي “الضعين” اليوم يُمتحنُ الصواب.

لكن، هل عليّ أن أنسى، لأنفضَ عن يديّ سلاسل الطرق الكثيرة؟

وعليّ أن أنسى هزائمي الأخيرة، كي أرى أفق البداية؟

وعليّ أن أنسى البداية، كي أسير إلى البداية واثقًا منّي ومنها؟

فهنا، التاريخ لا يروي سوى سِيَر الملوك الزائرين.

آه، لو أستطيع أن أُرجع الماضي إلى ماضيه، أن أستَلَّ صورة “سبدو” يوم تبرجت وتزينت، لتزف بطلًا خرج من عمق أصلابها إلى كل العرب.

آه، لو أن هناك ما يكفي من التاريخ لأقرأ سِيَر الفوارس “آجه، قلاع الطبيق”، و”برشم حسكنيت”، وغيرهم من أشاوس ذلك الزمان.

ومسافةٌ قرب المسافةِ تنشأ هكذا، بين أسئلتي وأجوبة السيوف الغادرة.

فكم من أخٍ لنا لم تلدْه أمُّنا وُلد من شظايانا الصغيرة في هذه الحرب؟

وكم من عدوٍّ غامضٍ ولدته أمُّنا، يفصل الآن الوشيجة عن دمنا أيضًا، في ذات الحرب؟

هي قاعدةٌ لدريد بن الصمة، والناس قد عادت قبائل، كما حالنا اليوم بالضبط، تجهل فوق جهل الجاهلينا، قال:

“وهل أنا إلا من غزيةَ إن غوتْ

غويتُ، وإن ترشدْ غزيةُ أرشدِ”.

لكن بعد قرون، جاء شاعر آخر لا يحمل سيف دريد، بل يحمل شرطًا قاسيًا، فقال محمود درويش:

سنكون شعباً حين ننسى ما تقول لنا القبيلة“.

هكذا، ضربة لازب.

المهم، فقد يعود الناس إلى قبائلهم، لا لأنهم يريدون، بل لأن لا دولة هناك تُنقذهم، ولا عدالة تحميهم من غرابة وجوههم، أو من وشائج دمهم، أو من تاريخ أسلافهم وجغرافيا منابتهم.

فالآن، على هذه القبيلة يُذبحنا الطغاة، ويشنقنا القضاة، ويحرمنا الولاة أدنى حقوق الحياة.

فالانتماء للقبيلة صار هنا جريمة، وتهمة يُعاقب عليها القانون.

وعلى هذا الانتماء نُحاكم، وبه نُدان، كجُرم لا يضاهيه جرم على الإطلاق، جرم ربما تصل عقوبته إلى حد الإعدام شنقًا حتى الموت.

على أيّة حال، لا أعرف كيف يمكن أن أنسى الآن ما تهمس به مثل هذه القبيلة، التي أصبح مجرد الانتماء لها جريمة مطلقة؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى