بكري الجاك: الوثيقة الدستورية “ألعوبة” بيد البرهان

حوار: إرم نيوز

قال المتحدث باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة في السودان “صمود”، بكري الجاك، إن تعيين رئيس الوزراء في السودان يفتقر لأي أساس دستوري أو شرعي، مؤكداً أن الوثيقة الدستورية أصبحت “ألعوبة” في يد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بعد انقلاب أكتوبر 2021.

 وذكر الجاك في حوار مع “إرم نيوز” أن هذه الخطوة تمثل محاولة لإيهام المجتمع الدولي بوجود انتقال سياسي، بينما الواقع يشهد تصاعداً في الصراع وانقساماً مجتمعياً حاداً.

وأشار إلى أن الوثيقة الدستورية الأصلية، التي كانت تنظم الفترة الانتقالية، انتهت صلاحيتها بعد مرور 39 شهراً من توقيعها، لافتاً إلى أن التعديلات التي أدخلها البرهان على الوثيقة حولت صلاحيات رئيس الوزراء إلى مجرد “سكرتاريا تنفيذية” دون أي سلطة حقيقية على الموارد أو إدارة شؤون البلاد.

ومن الناحية السياسية، أوضح الجاك أن هذه الخطوة تهدف أساساً إلى تحسين صورة النظام أمام الاتحاد الأفريقي والدول الإقليمية، في محاولة لاستعادة عضوية السودان المعلقة، محذراً من أن هذه “التمثيلية السياسية” لن تسهم في إنهاء الحرب الدائرة أو تحسين أوضاع المواطنين، ومؤكداً أن الحل الحقيقي يبدأ بإيقاف القتال وإطلاق حوار وطني شامل.

وتالياً نص الحوار..

ما الأسس الدستورية والقانونية التي يستند إليها البرهان في تعيين رئيس الوزراء في السودان؟

من الناحية الموضوعية، لم يعد هناك أي مرجعية دستورية في السودان، فالوثيقة الدستورية التي تم على ضوئها تعيين كامل إدريس، وقام البرهان بتعديلها في مارس آذار من هذا العام، هي وثيقة أتت نتيجة لحراك ثوري بدأ في ديسمبر كانون الأول 2018، وفي 11 أبريل نيسان قامت لجنة أمنية بتعيين ضابط لقيادة الجيش، وتلا ذلك أن الناس بقيت في الشارع حتى تعيين أحمد عوض بن عوف وتم التراجع عنه، ثم تم تعيين عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي.

وفي الفترة من أبريل إلى أغسطس حصل تفاوض ما بين القوى السياسية ممثلة بـ “الحرية والتغيير” ووصلت إلى الوثيقة الدستورية لتشكيل سلطة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، وعلى ضوء ذلك تم تعيين عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء وتم تشكيل الحكومة الانتقالية.

وفي 25 أكتوبر 2021، انقلب فريق البرهان على الوثيقة الدستورية وجمّد العديد من المواد وقام بحل المجلس السيادي، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الوثيقة الدستورية مجرد “ألعوبة” في يد البرهان يفعل بها ما يشاء.

ولكن موضوعياً، انتهى أجل الوثيقة الدستورية؛ لأنها مصممة لمدة 39 شهراً، واتفاق جوبا للسلام جاء نتيجة للوثيقة الدستورية التي أعطت الحكومة حق التفاوض مع الحركات المسلحة من دارفور تحديداً، أيضاً اتفاق السلام أجله انتهى، وهذا لا يعطي أي مرجعية دستورية؛ فالوثيقة مجرد “خرقة” يقوم البرهان بعمل ما يريد فيها حيث يدعي أن لها مرجعية قانونية.

كما أن البرهان قام بتعديل العديد من المواد التي جعلت منه “حاكما بأمر الله” بصورة مطلقة، وصلاحيات رئيس الوزراء لا تتعدى مجرد صلاحيات “سكرتاريا تنفيذية” ليس لها أي سلطة على الموارد ولا على المال العام، ولا حتى على إدارة شؤون البلاد.

وبهذا يصبح المشهد واضحا أننا إزاء تمثيلية سياسية كبيرة، الهدف منها هو إلهاء الداخل، وإرسال رسائل للخارج، والفكرة هنا هي محاولة تقديم صورة للاتحاد الأفريقي أن السودان قام بتعيين حكومة مدنية وأنه الآن يسير في مسار الانتقال المدني الديمقراطي حتى تتم استعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.

وهذه خطة تعمل عليها مجموعة دول في الإقليم، بمساعدة رمطان لعمامرة، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة الشخصي، وقد رأينا ذلك خلال الحديث عن خطة أرسلها البرهان للأمين العام للأمم المتحدة ومحاولة تسويق أنه يقوم بتشكيل حكومة مدنية، وأن يتم إبعاد قوات الدعم السريع إلى ولاية دارفور بافتراض أن الجيش من حقه الانتصار ومن ثم التفاوض مع الدعم السريع.

هذه الخطة وجدت دعماً من دولتين في الإقليم تحاولان تثبيتها، وأتى تعيين كامل إدريس في هذا السياق، ما يعني أن الهدف من التعيين هو هدف سياسي وليس له علاقة بالمرجعية الدستورية ولا توجد أصلاً مرجعية دستورية في السودان.

هل يتعارض تعيين رئيس الوزراء من قبل البرهان مع المبادئ الديمقراطية والانتقالية المتفق عليها في الوثائق السياسية السودانية؟

بالتأكيد يتعارض هذا التعيين مع المبادئ المذكورة، ولو أراد البرهان أن تكون هناك صيغة توافقية تمكن البلاد من إنهاء الحرب والذهاب إلى مرحلة انتقالية لفكر في الكثير في هذا الشأن مثل إيقاف الحرب عبر عملية تفاوضية تمكن السودانيين من تجاوز جراحهم العميقة، والانقسام الاجتماعي الحاد، ومن ثم يُطلق حوارا سودانيا بإشراف دولي وإقليمي يمكن السودانيين من تقريب وجهات النظر والتوافق على رؤية للمستقبل.

هذه هي الصيغة الديمقراطية في ظل غياب أي شكل من أشكال الانتخابات والتفويض، وعليه فإن هذه المسألة ليس لها علاقة بالمبادئ الديمقراطية والممارسة الديمقراطية المتعارف عليها لا في السودان ولا في العالم، وما حدث مجرد مسرحية سياسية هزيلة لن يكون لها أي صدى إيجابي في إيقاف الحرب، ولا حتى في إدارة شؤون الناس وتحسين حياتهم.

كيف يمكن تقييم موقف المجتمع الدولي والقوى السياسية المحلية من شرعية تعيين رئيس الوزراء في ظل غياب مؤسسات منتخبة؟

من الناحية الداخلية، فإن الموقف واضح بالنسبة للغالبية العظمى من القوى السياسية، فقد رفضت القوى الثورية التعيين، ليس لعلاقة ذلك بشخص كامل إدريس، بل لأنه ليس ثمة مرجعية قانونية ودستورية، وأنه لا توجد شرعية سياسية لسلطة الأمر الواقع في  بورتسودان.

أما من الناحية الخارجية، فالأزمة السودانية أصبحت معقدة، وهناك الكثير من الدول التي وصلت إلى مرحلة لم تعد تعرف فيها ما هو الصواب، خصوصاً في ظل تعنت أطراف الحرب الآن، لكن من قبل كان التعنت مرتبطا بالقوات المسلحة التي ترفض الذهاب إلى التفاوض.

وفي الوقت نفسه فإن المجتمع الدولي لا يريد أن يصل إلى مرحلة أن يكون السودان بلا سلطة أمر واقع تحافظ على شكل وهيبة الدولة، لذلك فمحاولة إرضاء القوات المسلحة بالذهاب إلى التفاوض جاءت بطلب من بعض الدول التي أرسلت رسائل واضحة في مؤتمر لندن، الحلف الذي كان تحت مسمى الدفاع عن سيادة مؤسسات الدولة، والذي أصر على أن يشير البيان إلى الدفاع عن سيادة الدولة ممثلة بسلطة الأمر الواقع.

 وهذا كان محل خلاف مع بقية الدول الأعضاء التي كانت تريد إدخال مسألة الشرعية في الملف العسكري، وهذا يعني أن سلطة الأمر الواقع تريد تعريف الحرب على أنها بين طرف شرعي له مرجعية دستورية قانونية وطرف متمرد يتم التفاوض معه حول السلام مستقبلاً.

هذه المعادلة تعقد المشهد وتطيل أمد الحرب، والمجتمع الدولي بتقديري منقسم، على الأقل إقليمياً، أما دولياً فالموقف واضح، الولايات المتحدة لا تعترف بأي طرف ولا ترى أن أي طرف من أطراف الحرب مؤهل للحكم، وكذلك بريطانيا والاتحاد الأوروبي والأفريقي لها موقف واضح، ومن ثم تتراوح هذه المسألة، ومن المستبعد أن تأتي تلك اللحظة التي تستطيع فيها سلطة الأمر الواقع استعادة شرعية كاملة في السودان.

ما التداعيات الدستورية والسياسية المحتملة لتعيين رئيس وزراء دون تفويض برلماني أو توافق سياسي واسع؟

التاريخ يعيد نفسه، وهو مجرب ومكرر، وهذه المسألة لن يكون لها أي تأثير إيجابي، بما في ذلك عدم القدرة على مشاورة قوى سياسية واسعة، وفي نهاية الأمر هذا التعيين جاء لتنفيذ أوامر  وتعليماته، ومحاولة تقديم صورة مدنية للخارج.

لكن، لا أرى أن السياق السياسي يسمح بذلك، بل على العكس سياق الحرب والتطورات السياسية تجاوزت هذه المحطة، ونحن الآن بحاجة إلى مشروع نتفاوض عليه، يُبنى على قاعدة شعبية عريضة وتوافق شعبي، وهذا يبدأ بمعالجة الانقسامات الاجتماعية الحادة بين السودانيين.

وأي صيغة خلاف ذلك ستظل محدودة وتخاطب جزءا من المنقسمين، ولا أعتقد أن السيد كامل ستكون له القدرة على الحديث حول كيفية تسيير شؤون الناس سواء في كردفان أو دارفور ولا العديد من المناطق التي لا تقع تحت سيطرة الجيش، وحتى المناطق الواقعة تحت سيطرته، أصبحت مجرد مجال للأعمال العسكرية والجميع يستطيع حمل السلاح ولا يمكن أن تكون هناك سلطة مدنية ضمن هذا السياق وأن تدير شؤون الناس وتحكم.

ببساطة، إن الحياة السياسية أجلها قريب، ومن المستبعد أن يكون لها مردود في تغيير حياة الناس وخلق واقع سياسي مناسب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى