الجيش وسياسة توظيف القبائل في الحرب

بدأت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وارتفعت وتيرة الصراع الدامي بين الطرفين وظهرت من البداية انتصارات الدعم السريع وسيطرتها على أكثر 90% من العاصمة القومية ومقرات الجيش والمقار السيادية ولم يتبق للجيش سوى عدد قليل من المعسكرات حتى تم شبه السيطرة الكاملة على سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة تلك الأسطورة والقلعة الحصينة للجيش التي ظن أنها حصينة في وجه قوات الدعم السريع التي لا زالت تنتصر في كل معاركها على قوات الجيش منذ بدء الحرب منتصف أبريل، واتضح باكراً جداً حتى قبل هجوم المدرعات أن الجيش فقد المعركة أمام قوات الدعم السريع فلجأ لسلاح آخر أعتقد أنه الأشد فتكاً بالمجتمع السوداني أكثر من الحرب نفسها، وهو سلاح القبيلة.

ظل التلاعب بالقبائل وزرع الخلافات بينها لدرجة الصدام الدامي أحد أهم أوراق خلط الساحة بالنسبة للمخابرات العسكرية حيث ثبت أن أغلب الصراعات القبلية كانت تقف وراها أيادي استخبارات الجيش وخططها القذرة في السيطرة على القبائل واضعافها! وقد لجأ الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع إلى ورقته التي يظن أنها رابحة بتأليب واستمالة القبائل فسعى للاستنفار لقبائل محددة وهمش أخرى وقرب بعضها وأطلق اتهامات تجاه البعض الآخر! وهو في كل ذلك يعمل وفق خطة للاستعانة بالقبائل والزج بها في اتون الحرب الدائرة وتوظيفها للقتال بديلاً عنه بعد أن فقد القوة اللازمة لصد انتصارات الدعم السريع!

بدأ الجيش عملية التوظيف منذ نفرات الدعم والمساندة في بداية الحرب باسم القبائل لدعم الجيش حيث تبارى بعض منسوبيه من الاستخبارات في التنافس حول جمع لافتات القبائل وتقديم الدعم باسمها، حتى لو أدى ذلك لانشقاقها ونشوب النزاع فيما بين القبيلة الواحدة! وقد ظهرت موجة البيانات القبلية التي ترفض سرقة اسمها والزج بها في مسرحية دعم ومساندة القوات المسلحة التي أصبحت ظاهرة مما يوضح نشاط الاستخبارات العسكرية في خلخلة هذه القبائل واستمالة افراد منها للتحدث باسمها وايهام الرأي العام بأن القبيلة (الفلانية) تسير قافلة لدعم ومساندة القوات المسلحة! إلا أنه بعد أيام يصدر بيان من إدارة القبيلة بالنفي ورفض سرقة اسمها وإتهام الجيش بمحاولة شقها من خلال استمالة بعض رموزها وانتحالهم صفة النظارة الأهلية للقبيلة وكتابة البيانات الداعمة للحرب والمنحازة للجيش في الحرب العبثية الملعونة!

أصبحت البيانات المضادة والنافية لانحياز بعض القبائل في هذه الحرب ظاهرة تستوجب الدراسة والتأمل فكم من قبيلة أصدرت بياناً داعماً للقوات المسلحة، ثم يظهر بيان آخر من نفس القبيلة ينفي ذلك ويعيب على الجيش وبعض رموزها العسكرية في سرقة اسم القبيلة وادارتها الشرعية وتجييرها لمصلحة الحرب ومساندة القوات المسلحة! وليس بيان شباب عموم دار حمر الذي ينفي فيه ما أعلنه بيان لنفس القبيلة أصدرته عناصر النظام البائد المنتمين للقبيلة لدعم ومساندة الجيش، جاء البيان مستنكراً سرقة اسم القبيلة والزج بها في أتون الحرب! ولن يكون بيان شباب عموم دار حمر الذي أدان التوظيف السياسي للقبيلة والزج بها في الصراع الدائم، هو البيان الأخير كما لم يكن الأول! وإنما هناك ما أصبح شبه الظاهرة لمثل هذه البيانات! وذلك يوضح حجم اختراق الاستخبارات لهذه المكونات القبلية والتلاعب بها من أجل توظيفها في الحرب الدائرة!!!

لا أعتقد أن الجيش قادر على تحقيق أي انتصار على قوات الدعم السريع مثلما نراه الآن؛ طالما أن مستوى قدراته تنتهي بتحريك القبائل فقط، بل في رأيي يضيف إلى الجيش اتهامات جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي قامت بها قواته في الحروب السابقة بدءاً من حرب الجنوب ودارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حيث دفع بأبناء القبائل التي يحاربها الجيش إلى قتال أبناء جلدتهم بسياسة (فرق تسد) طوال الثلاثون عاماً من حكم نظام البشير، ويريد أعوانه الحاليين على قيادة الجيش الاستمرار في هذه السياسة القذرة، لكن هذه المرة لن تنجح بوعي الشعب السوداني الذي قاد ثورة عظيمة اقتلعت نظام البشير من جذوره وتكشفت له خلال ذلك الاقتلاع ما في كنانته من مؤامرات فشلت جميعها في تثبيت دعائم حكمه، وما البرهان وأعوانه في قيادة الجيش إلا مؤامرة أخيرة من تخطيط شياطين البشير الذين سيقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى