صلاح الدين عووضة يكتب: تسليم مفتاح!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

تسليم مفتاح!

تسليم العقل..

تسليمه لمن؟… أو إلى ماذا؟..

لا يهم؛ فقد يكون المستلم هو الشارع… أو المجهول… أو اللا وعي..

وذلك جراء إحباطٍ سببه الضغوط..

ومن الإحباط ما يجعلنا نتشكك في أحد أشياء ثلاثة:

إما في سلامة قوانا العقلية؛ أو سلامة اختياراتنا السياسية..

وإما – وهذه يقودنا إليها شدة الإحباط – في سلامة بلادنا من الغيبيات السحرية..

بمعنى إنها قد تكون ملعونة… أو مكتوبة… أو معيونة..

وهذه كلمة كتبناها أواخر عهد الإنقاذ؛ حين كانت الكلمات تُحجب… وأصحابها كذلك..

بل وربما الصحيفة نفسها؛ حجباً قد يطول مداه… وقد يقصر..

وقد تصبح – عما قليل – تحت (التشليع)..

وكنت أظن إني أعبر بها عن أسوأ ما يمكن أن يؤول إليه حال شعبٍ؛ بعقلياته… ونفسياته..

فإذا بنا نكاد نفقد الآن ما تبقى من تلك العقليات… والنفسيات..

تقول الكلمة؛ والتي سطرناها حين كنا نمتلك نصف عقل… وربع نفس:

بدافع من الفضول وقفت أنظر إليه..

كان مشغولاً بالنظر إلى عمارة أنيقة أمامه..

عمارة (تحت التشطيب)…. كادت أن تلامس أقطار السماء طولاً..

أو تلامس خيوط سحاب كان (تحت التجميع)..

كل شيء فيه كان طبيعياً عدا نظراته..

فالتجربة علمتني أن نظراتٍ كهذه توحي باضطراب نفسي (تحت التكوين)..

وصدق توقعي – بالفعل – حين صاح فجأة (أبوكِ بلد)..

ثم أردفها بصيحة أشد (ما قادرين ناكل….. وناس تبني العمارات)..

ثم ختمها بدندنة هي التي شكّكتني في سلامة عقله..

أو في سلامته النفسية… وهو الظن الأرجح..

شكّكتني بنصف العقل الذي ما زال داخل رأسي..

فغالب السودانيين الآن يرزحون تحت وطأة ضغوطٍ معيشية جبّارة..

وهذه الضغوط تتمخّض عنها ضغوطٌ نفسية أشد..

وبما أن عامة الناس لا يميزون بين المريضين فهم يقولون (مجنون)..

ودلالة ذلك المقطع الغنائي الذي دندن به صاحبنا..

فقد طفق يغني بصوت أجش – أعياه الجوع – (أنحنا هل جنينا أم عقولنا نُصاح؟)..

وربما لو أعياه الحب لغنى:

(قالوا علي شقي ومجنون… صحيح مجنون… وانتو جنوني يا حلوين)..

والمجنون لا يعي (مفارقات) ما يفعل..

أما هو فقد انتبه إلى أنه يحادث نفسه بصوت مسموع..

وربما شعر بشيء من الخجل – أيضاً – حين رآني أحدق فيه دهِشاً…

أحدق فيه بنصف عقلي… وربع نفسياتي..

وكثيرون أضحوا ذوي عاهات نفسيات في زماننا هذا..

ولكن المصيبة أن يصير مثلهم أبناؤنا كذلك..

ووزارة الصحة قالت في تقرير لها – قديماً – إن (27%) من الطلاب مضطربون نفسياً..

طلاب العاصمة المثلثة فقط..

وعلى قرائنا في الولايات مُراعاة فروق (الضغط)..

ثم انتقلت الإفادة إلى كبار السن بالولاية..

وأوضحت أن نحو (17) ألفاً منهم يتردّدون على العيادات النفسية..

وذلك كان قديماً كما ذكرت… أما حديثاً فلا أدري كم بلغت النسبة الآن… في أيامنا هذه..

ولكني أحب أن أطمئن مَن يتشكّكون في صحة قواهم العقلية..

أو على الأقل من كانوا بنصف عقلٍ مثلي..

ومثلي – أيضاً – بربع نفسيات..

من يتشكّكون فيها من واقع ضغوطٍ ازدادت ضغطاً؛ وتقارير طبية تضاعفت أرقاماً..

فالذي يخشى أن يكون قد جُنَّ فهو ليس بمجنون..

فالمجنون لا تراوده مثل هذه التساؤلات ذات الشك أبداً؛ بل قد يرى نفسه أعقل العاقلين..

وأنا بنصف العقل الذي ما زال لدي لا أتساءل..

ومن ثم لا يمكن أن يغني – المجنون – من صميم عقله:

(أنحنا هل جنينا أم عقولنا نُصاح)؟..

أو بما تبقى من ثلث عقلٍ… وثلثي جنون..

فإن فقد حتى الثلث هذا بات عقله جاهزاً – كله – للتسليم..

تسليم مفتاح!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى