صلاح الدين عووضة يكتب: منقة!!

وجمعتكم منقة..

ولكن أتمنى ألا تكون مثل منقتي التي سيأتي ذكرها؛ وإنما بفهم سائر الناس لها..

فالناس يحبون فاكهة المانجو هذه كثيراً..

ومن شدة حبهم لها يصفون كل (ما) يعجبهم بأنه منقة..

وكل (من) تعجبهم – من النساء – كذلك…. فيقولون (فلانة منقة بس)..

وللبلابل أغنية عن منقة… بلون المنقة… شايلة المنقة..

وقبل أعوام كتبت عن منقة كسلا (الحلوة وصافي لونها… غرب القاش سكونها)..

وهي ليست – بالطبع – التي ورد ذكرها في أغاني (الربوع)..

وإنما أخرى كان يعشقها رفيق صبانا الذي انتقلت أسرته من كسلا إلى حلفا..

ومنذ أن استقر بحيِّنا وهو لا حديث له سوى عن محبوبته المنقة..

وفي مفارقة غريبة كان غرب القاش (سكونها)..

وعيناه تفيضان دمعاً – عند تذكُّرها – مثل فيضان القاش هذا..

وعندما ألحّ علينا يوماً – كيوم جمعتنا هذه – لزيارة كسلا رأينا منقته… ولونها..

كانت (حلوة وصافي لونها)… كأنّها حفيدة تاجوج..

هكذا وصفها أصحابنا… وأُعجبوا بلونها الذي يشبه لون ثمرة المانجو الناضجة..

وحين ودّعته – وإيانا – أهدته منديلاً مُطَرّزَاً… ومُعَطّرَاً..

ولكنه صار قماشة (غسّالِي عربات) بعد ساعة؛ من كثرة الدموع… ودَعْكَ الوجه..

وربما لولا تشبيهها بالمنقة لرأيتها – مثل أقراني – جميلة..

فأنا لدي عقدة قديمة مع المانجو..

عقدة لم أتخلّص منها إلى يومنا الذي تمنّيته لكم منقة هذا..

عقدة تعود إلى أيام الدراسة الابتدائية… وقد كان أستاذ الرياضيات غائباً يومذاك..

ولكنا ما قدرنا تلك النعمة حق قدرها… فعثنا في الفصل ضجيجاً..

فلما نُودي علينا لمُقابلة المدير (الصارم) ظننا أننا سنُضرب ضرب حمير السباق..

فإذا بنا نصير نحن أنفسنا حمير سبق… ينقصها الضرب..

فقد طلب منا أن نجري حول حوش المدرسة… والفائز تنتظره جائزة قيمة..

وبما أنني لم أكن أفلح في شيء سوى الجري فقد جئت الأول..

ولم يكن فوزاً سهلاً؛ فقد عانيت فيه مغارز… وشناكل… وفاولات… ومَقَصّات..

وترقب (الحمار الأول) الجائزة… فإذا بها ثمرة مانجو..

وليتها كانت – بعد الخيبة هذه – ناضجة؛ بل نيئة… وخضراء… ولاذعة المذاق..

وانقلب حسد زملاء الفصل إلى شماتة في (الحمار)..

وظللت سنين عددا أحسب نفسي حماراً كلما رأيت منقة؛ صفراء كانت… أم خضراء..

والبارحة دعاني صديق لزواج شقيقه..

ورغم إن الزمن جرى بنا بأسرع من جريي يوم المنقة ذاك إلا أنه ما زال شقياً..

ما زال مفعماً بشقاوة الصبا… والدراسة… وما قبل الإنقاذ..

قال لي ضاحكاً (ياخ والله كدت أحسد أخي هذا في عروسه… فهي منقة بس)..

ولكني لم أر سبباً لحسده هذا؛ بما أنها مثل المنقة..

وربما لو صارحت صديقي هذا بحقيقة مشاعري لصاح في وجهي (لأنك حمار)..

ثم لا يعلم أنّني فعلاً كنت الحمار الأول… وجائزته منقة..

وأنا – بالمناسبة – أتحدّث هنا عن نفسي… لا عن الذي لقبه منقة في زماننا هذا..

ومنقة جمعتكم!!..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى