منى أبو زيد تكتب: الموية والغربال..!

هناك فرق

منى أبو زيد

الموية والغربال..!

“الأرقام المثالية نادرة مثل الرجال المثاليين”.. رينيه ديكارت..!

استوقفتني طويلاً وقائع معركة إحدى صديقاتي القارئات مع ذاتها أولاً ثم مع أخرى كادت أن تتسبّب بطلاقها من زوجها الذي بذلت لأجل الحفاظ عليه كل ما يطلب ويوهب، وكيف أنها بعد أن كَسَبت معركتها واستعادت ما سُلب منها، قد عانت من خسران ذاتها التي أنكرتها في سبيل الذود عن حياض عرشها الزوجي وصورتها الاجتماعية كزوجة وأم قدمت سعادة الأسرة واستقرار الأبناء على الثأر لكرامتها كزوجة..!

أعادتني مشاطرتي الوجدانية لحُزنها العَميق إلى إحدى العبارات الحيّة المُتفرِّدة التي أتعثّر بها في قراءاتي – فأحفظها عن ظهر قلب – العبارة وردت على لسان بطلة رواية “قصة مزرعة أفريقية” للكاتبة الجنوب أفريقية “أوليف شراينر”..!

تقول كاتبة الرواية “القليل من البكاء، القليل من التملُّق، القليل من إذلال الذات، القليل من الاستخدام الحذر لميزاتنا، وبعدها سيقول أحد الرجال “هيا كوني زوجتي”. لكن المرأة التي تبيع كرامتها لأيِّ سببٍ – حتى وإن كان خاتم زواج وصفة اجتماعية جديدة – ليست بحاجة إلى أن تبعد تنورتها عن أي مخلوق في الشارع، فكلاهما يأكلان عيشهما بنفس الطريقة”..!

تفرد العبارة – من وجهة نظري – يكمن في عُمق الفكرة التي تناقشها “الاضطرار إلى شراء رضاء زوج ليس لأجله، بل لأجل الزواج نفسه”. تلك الفكرة التي كتبتها امرأة كانت ناشطة في مجال حقوق المرأة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تصلح لكل الكدمات العاطفية والأزمات الزوجية، وهي أيضاً تشكل وعاءً فلسفياً مُناسباً لمأساة صديقة العمود..!

الإقدام على الزواج – أو الحفاظ عليه – هو خيار المرأة وليس خيار المجتمع، والبقاء على حال العنوسة أو اختيار الطلاق هو موقف يحق اتّخاذه لمن تريد أن تتزوّج برجل يقنعها بفكرة الزواج وليس برجل ترغم نفسها على الاقتناع به لأجل الزواج نفسه. ويحدث أن تجد المرأة نفسها مُجبرةً ليس على أن تبيع كرامتها من أجل صفة اجتماعية كما قالت الكاتبة، بل على أن تشتري رأسها وأن تُحافظ على عرشها المُقدّس في مملكة الزوجات المباركات..!

فالاستمرار مع زوج رديء أو خائن خسارة يسهل اجترارها في الظلام والتنفيس عنها بالدموع الصّامتة والنهوض من الفراش في الصباح الباكر وارتداء القناع الملائم لتمثيل فصل جديد في مسرحية اجتماعية طويلة اسمها حياة زوجية نمطية سعيدة. أمّا الطلاق فهو الخسارة المُعلنة والمنفى الاختياري الذي تفقد معه مقعدها الوثير في مؤسسة الزواج. ولعدم استعدادها لفقدان ذلك العرش كانت “هيلاري كلينتون” تبتسم في وجه الكاميرات إلى جانب زوجها نهاراً وتجتر فصول خيانته ليلاً، ثم لا تملك شيئاً سوى أن ترمقه شذراً في الظلام..!

أعود لصاحبة الرسال فأقول أنتِ بالخيار، مُؤكّد يا عزيزتي أنك قد سمعت بذلك المثل المصري الذي يُشبِّه غارات الأُخريات على شراكات العاطفة والوجدان بالماء ويُشبِّه إخلاص الأزواج بالغربال. تحايلي إذن على ثقوب غربالك المفتوحة دَوماً في انتظار مياه الأُخريات بتحويل صبرك ومكرك الأنثوي إلى عجينة ذكية مزدوجة المفعول تمتص الهجمات إياها من جهة وتغلق على صاحبنا الطريق من جهة أخرى. وإلا فكوني مثل “أوليف شراينر”، متمردة يلعنك المجتمع في حينه ويباركك التاريخ في عصر آخر. عصر لن تكوني أنت شاهدة عليه..!

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى