سراج الدين مصطفى يكتب: على طريقة الرسم بالكلمات!!

 

(1)
الإعداد أو الإنتاج البرامجي يعد واحدا من أدوات صناعة المحتوى والتي تتطلب رؤية فكرية وقدرات عالية في التخطيط لتكوين رؤية برامجية عالية القيمة.. تستصحب معها ما يحتاجه المستمع أو المشاهد.. لذلك أعتقد أن مهمة المنتج البرامجي تتطلب قدرات فكرية شاسعة وواسعة.. ولكن تطبيق تلك القواعد يبقى من الصعوبة بمكان ويصل إلى درجة الاستحالة في الوقت الراهن.. ويتضح بجلاء أن معظم أو فلنقل كلها تعتمد على منتجين بلا رؤية برامجية واضحة.
(2)
يلاحظ أن كل القنوات السودانية أقرب في ملامحها لشعوب جنوب شرق آسيا.. ومن يمسك بالريموت كنترول ليتجول بين القنوات السودانية يجد نفسه كأنه يتجول في شوارع بكين أو طوكيو أو سيول.. ويظل التشابُه هو السمة الأبرز حيث يخرج الضيف من قناة النيل الأزرق ليدخل في استديوهات تلفزيون السودان، ثم يخرج إلى قناة الخرطوم، ثم يعبر كوبري أم درمان إلى الخرطوم ليغشى قناتي البلد وسودانية 24.. وأظني ذكرت من قبل أن منتجي البرامج يختارون ضيوفهم من قائمة (أرقام الهاتف) ووفق العلاقة الشخصية وليس وفق مُحتوى ومطلوبات البرنامج.. وهنالك برامج يتطلب ضيوفها اشتراطات خاصة وتخصصية ومعرفة واسعة، ولكن تجد الضيف (نجم مجتمع) لذلك يكون الناتج حواراً هشّاً وكلاماً مرسلاً وحديثاً إنشائياً دون أية فائدة للمُشَاهِد.
(3)
غزارة الإنتاج الإبداعي، لا تعني أبداً جودة المنتوج، وهي ليست بمعيار يمكن أن يقاس عليه، وتلك الغزارة الإنتاجية ربما توقع صاحبها في شراك الاستسهال أو التكرار من حيث الأفكار وسطحية المنتج الإبداعي، وذلك لا يعني بالضرورة المطلقة أن تصبح قاعدة يمكنها أن تصبح مرجعية، فهناك بعض الحالات النادرة من حيث منتوجها الإبداعي الغزير، ولكنها تميزت بالرصانة والإمتاع، ويقف الشاعر الكبير إسحق الحلنقي كواحد من تلك النماذج صاحبة العطاء الغزيز عالي الجودة، وكذلك الشاعر إسماعيل حسن، فهو أيضاً كان شاعراً متدفقاً وحيوياً وشعره ينبض بالحياة ومازال حاضراً حتى اليوم، أغنيات الحلنقي وإسماعيل حسن خلدتهما في وجدان الناس وأصبحا في مقدمة الذاكرة لا يطالهما النسيان.
(4)
في ذات السياق، ولكن بوجه آخر، أعتقد بأن الشاعر أزهري محمد علي يمثل جزءاً من مرحلة مهمة في تاريخ الشعر الغنائي في السودان، فهو من الشعراء الذين أحدثوا انقلاباً في مسار الأغنية السودانية، حيث تميزت إضافاته بالجرأة والتنوع، يكتب بلغة رفيعة فيها الكثير من البراعة والحداثة، يكتب الشعر بمهارة عالية لا تتوافر لدى غيره.. فهو موهوب حتى النخاع.. ومفرداته الغنائية تؤشر على انه شاعر عميق المفردة.. جزل العبارة.. صاحب خيال متسع يحلق في الفضاء بلا قيود.. ومن يتمعن في أغنياته يجده ينحاز للفلسفة الشعرية رغم بساطة ذات المفردة التي تخرج في حلة زاهية وباهية.. وأغنية (وضاحة) هي الأغنية التي حررت له شهادة الميلاد والحضور ضمن الشعراء الذين يكتبون الشعر الغنائي.. وأزهري محمد علي رغم أنه لم يكتب أغنيات كثيرة من حيث (الكم) ولكن من حيث (الكيف) تظل كل أغنياته منحوتات جدارية بالغة القيمة وله عالم كتابي خاص لا يتوافر عند غيره.
(5)
لا أتورّع ولا أخشى شيئاً في الكتابة يومياً عن الفنانة المعتزلة حنان النيل.. لأنها بتقديري هي من فتحت الأبواب المغلقة لكل الأصوات النسائية التي جاءت من بعدها.. رغم أن البعض يحاول أن يهزم القيم والركائز الجمالية التي أسست لها.. فنانات أمثال إيمان لندن وعشة الجبل وغيرهما ومحاولاتهن الجادة لتكسير بناء حنان النيل.. لأن وعيهن بالغناء وقضيته وأهميته يصل مرحلة الصفر البارد.. كل الهم عندهن هو نشر الغناء الفارغ الذي لا يستند على أية قيمة إنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى