د. عبد الله فتحي يكتب: زلزال.. وقد انقطع الأنين!

نصف كوب

د. عبد الله فتحي

زلزال.. وقد انقطع الأنين!

رشفة أولى:

آلاف السكان خرجوا إلى الشوارع المغطاة بالثلوج حفاة.. عراة.. مذهولين.. بعضهم يصرخ باسم ابنه أو ابنته أو أبيه أو أمه أو أخيه وهو ينظر للطوابق تتهاوى بمن فيها وقد حكم الله عليهم بالموت تحت الهدم.. بعضهم يجهش بالبكاء.. بعضهم سجد لكونه من الناجين وهو يرتجف خوفاً ورهبة من العظيم الجبار.. لم يشتكِ أحدهم البرد فالأمر أكبر من ذلك.

(فرق البحث والإنقاذ كانت تُركِّز جهودها نحو كل صوت بشري منبعث من بين الأنقاض.. صرخات مكتومة.. نداءات.. طرقات.. أطراف ممدودة تظهر وتتحرك من بين شبكات السيخ الحديدية.. مجاري دماء حمراء قانية تسيل من بين الركام الأسمنتي.. آهات تستغيث.. أنّات متقطعة لمن يحمل طابقاً على ظهره.. لكن.. الآن.. وبعد انقضاء 72 ساعة من الزلزال.. انقطع الأنين!.).

(24) ألف قتيل حصيلة غير نهائية.. زلزالا سوريا وتركيا.. حدث القرن المأساوي الأسوأ في العالم.

رشفة ثانية:

مشاهد من وحي الزلزال.. (عجوز تحت الأنقاض لفرق الإنقاذ: أريد ماءً للوضوء.. ناجية سورية من سكان عمارة ذات 11 طابقاً تقول: عشنا ويلات الحرب ودوي القنابل والمدافع والصواريخ وثقتنا في الله تسندنا وتهديء روعنا.. لكن عندما غضب مالك الملك تملّكنا رعب وخوف كاد أن ينزع قلوبنا من صدورنا..

دنيا زائلة.. شاب تركي يحكي عن قصة طرده من الشقة بسبب عدم استجابته لزيادة كبيرة في الإيجار.. بعد الزلزال يقول: جمعتني خيمة واحدة مع مالك البناية وكلانا بلا مأوى.

معظم من فرّ خوفاً من خطر الحرب في سوريا مات تحت الأنقاض في تركيا.

عندما تخطط ليومك ويمر كما توقّعت دون مفاجآت أو صدمات أو مصائب فهذه نعمة ما بعدها نعمة.

مواطن تركي فقد عائلته بكاملها تحت أنقاض بناية طويلة يقول: نظرت إلى اللاجئين في الخيام فحسدتهم على نعمتهم وبكيت على نقمة العيش في بناء عال).

بروفيسور سر الختم عثمان في زيارة مع أسرته الكريمة إلى العاصمة اسطنبول في العام 1999م يروي تجربته مع الزلزال: (اهتزت ودارت بنا الأرض وغامت الرؤية فلا تكاد تستبين شيئاً.. الأباجورة على السقف تتأرجح أقصى اليمين وأقصى اليسار بعنف شديد.. تجاوزنا درجات السلالم إلى الأرض هبوطاً وحولنا الكل في رعب وذعر.. وصلنا إلى الأرض فحمدنا الله.. وجدنا الجميع قد خرجوا إلى الصعداء يجأرون إلى الله).

تلفزيون تركيا نقل بالصورة والصوت نجاح فريق البحث والمساندة السوداني بتركيا في إنقاذ (3) مواطنين أحياء من تحت الأنقاض بصورة احترافية.

رشفة أخيرة:

إن كان هذا فزع وهلع الدنيا.. فكيف نكون يوم الهلع والفزع الأكبر؟!.. (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) الآية…

الحمد لله الذي أرانا من الآيات ما يوقظنا من غفلتنا فنتعظ ونعتبر..

استغفروا وجدِّدوا التوبة ولا تنتظروا الغد، فالغد قد لا يأتي أبداً..

اللهم أرحم الموتى وتقبلهم شهداء، وأشف الجرحى، وألهم المحزونين الصبر وحسن العزاء والدعاء.. والطف بنا من فواجع الأقدار.. ومعاكم سلامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى