تفاصيل تبرئة المحكمة لوزير بالعهد البائد

 

– المحكمة: خط هيثرو ليس كما يشاع بالإعلام ولم يتم فقدانه

– المحكمة: النيابة فشلت في القبض على ممثلي شركة عارف بالسودان

– القاضي: العبيد فضل المولى لم يخدع سودانير بتوقيعه عقد الشراكة معها عن الفيحاء

– المحكمة: العبيد فضل المولى ليس متهماً بصفته الشخصية وإنما بصفته مديراً لشركة الفيحاء كشخصية اعتبارية

– وزير بالعهد البائد يذرف الدموع عقب إعلان براءته

– المحكمة تأمر بالإفراج عن كمال عبداللطيف والعبيد فضل المولى فوراً

الخرطوم- محمد موسى

برأت المحكمة أمس، وزير المعادن في العهد البائد كمال عبداللطيف، ومدير شركة الفيحاء القابضة العبيد فضل المولى، من الاشتراك الجنائي وخيانة الأمانة في قضية فقدان سودانير حق الهبوط والإقلاع بمطار هيثرو الدولي.

وأمرت محكمة جنايات مكافحة الفساد والمخالفات المالية برئاسة القاضي المعز بابكر الجزولي، بإخلاء سبيل المتهمين فوراً ما لم يكونا مطلوبين على ذمة إجراءات بلاغ آخر، وذلك لعدم تقديم الاتهام بينات ضدهما ترقى لإدانتهما على ذمة الدعوى الجنائية.

تكبير وتهليل وازدحام

وفور أن أعلن القاضي في مستهل قراره براءة المدانين ارتفعت أصوات ذويهم الذين امتلأت بهم قاعة المحاكمة بـ(التكبير والتهليل) مردَّدين (الله أكبر الله أكبر يحيا العدل)، في وقت كان فيه مشهد المحكمة منذ الصباح الباكر يضج بالازدحام بالمواطنين، حيث حرص العشرات من أسر المتهمين للحضور لمقر المحاكمة بامتداد الدرجة الثالثة وهم يرتدون الزي القومي (جلابية وعمامة وسديري وملفحة) لمتابعة ما تقرره المحكمة بشأن ابنيهما المتهمين اللذان ظلا بالحبس لأكثر من ثلاث سنوات، منتظرين إجراءات محاكمتهما في القضية، ورصدت (الصيحة) التدافع عند مدخل قاعة المحاكمة لحجز مقاعد بداخلها وذلك عندما أشارت عقارب الساعة للعاشرة صباحاً، وهو الموعد الذي حدَّدته المحكمة مسبقاً للنطق بالحكم، وماهي إلا دقائق محدودة حتى امتلأت مقاعد القاعة بالحضور ووقف الكثيرون حائرون يبحثون عن مقاعد للجلوس عليها ومتابعة قرار المحكمة – إلا أن الشرطة القضائية قطعت عليهم أمنيتهم بتدخلها وإخراجها جميع ذوي المتهمين الذين لم يجدوا مقعداً للجلوس عليه ومتابعة ما تسفره عنه المحكمة من داخل القاعة، واشترطت المحكمة عليهم الحصول على مقعد للوجود بداخل القاعة، وذلك لأسباب تنظيم الحضور بقاعة المحاكمة الذي يقع على عاتق الشرطة القضائية التي انتشرت بكثافة داخل قاعة المحاكمة وفي محيطها مبكِّراً وفرضت إجراءات أمنية مشدَّدة طوال مدة انعقاد الجلسة.

اصطفاف وإنصات بالخارج

في مشهد آخر رصدت الصحيفة وجود العشرات من الأسر يصطفون أمام قاعة المحاكمة في حالة إنصات ومتابعة لعلهم يسمعون بشارة خير يتمكنون خلالها من اصطحاب المتهمين معهم وماهي هي إلا ساعة ونيف، حتى أتاهم الخبر اليقين من داخل القاعة بإعلان المحكمة تبرئة المتهمين، حينها ازداد الهتاف بالتكبير والتهليل وضجت ساحة المحكمة بالهرج والمرج فرحاً بتبرئة المتهمين من الاتهام على ذمة الدعوى الجنائية.

دموع الوزير وبراءة

في ذات السياق فشل المتهم الثاني وزير المعادن الأسبق كمال عبد اللطيف، في السيطرة على دموعه التي تساقطت بغزارة وهو بقفص الاتهام عقب انتهاء المحكمة من حيثيات إعلان براءته.

وقرَّرت المحكمة أمس، تبرئة كمال عبداللطيف، من مخالفة نصوص المواد (21) الاشتراك الجنائي والمادة (177/1) خيانة الأمانة للموظف العام، وذلك من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م إضافة إلى تبرئة المحكمة للمتهم الثاني كمال عبداللطيف، من مخالفة نص المادة (4) من قانون التصرُّف في مرافق القطاع العام والمواد (6،8،29) من قانون الإجراءات المالية والمحاسبية، في ذات السياق أعلنت المحكمة تبرئة كمال، من مخالفة نص المادة و(89) التي تتعلق بمخالفة الموظف العام للقانون بغرض الإضرار أو الحماية وذلك لإنقضاء الدعوى الجنائية ضده وسقوطها بالتقادم بعد مرور أكثر من (10) سنوات، على ارتكاب الجريمة، واستندت المحكمة في قرارها لنص المادة (38) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م التي تنص على سقوط الدعاوى الجنائية التي تتعلق بالحق العام بعد مرور (10) سنوات، من ارتكاب الجريمة.

في ذات السياق قرَّرت المحكمة تبرئة مدير شركة الفيحاء القابضة المتهم الثالث العبيد فضل المولى، من مخالفة نص المادة (21) الاشتراك الجنائي والمادة (4) من قانون التخلص من مرافق القطاع العام، إضافة إلى تبرئته كذلك من مخالفة نص المادة (6أ) من قانون الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1986م.

خصخصة لحصار وترهل

وقالت المحكمة في حيثيات قرارها بأن شركة الخطوط الجوية السودانية المعروفة بـ(سودانير) تم إنشاؤها في العام 1946م، وتعتبر من أكبر وأقدم شركات الطيران بأفريقيا والعالم، وهي شركة حكومية مملوكة لوزارة المالية وبنك السودان المركزي ومؤسسة التنمية الاجتماعية، ونبَّهت المحكمة إلى أنه برز في ثمانينيات القرن الماضي اتجاه لخصخصة شركة سودانير وتحويلها لشركة مساهمة عامة كسياسة انتهجتها الدولة بإدخال القطاع الخاص فيها لمواكبة التطور والنهوض بالشركة في مجال الطيران والمنافسة العالمية بها، بالموافقة على الاتجاه لخصخصة شركات القطاع العام بما فيها سودانير في العام 1997م، بموجب القرار صادر من مجلس الوزراء في ذلك الوقت بالموافقة على برنامج التصوُّر الثلاثي للتصرُّف في مرافق القطاع العام، وذلك للنهوض بالشركة وتطويرها في ظل الحظر الاقتصادي الذي فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتسبب في حرمانها من استيراد قطع الغيار وترهل الموظفين فيها الذي بلغ (2015) عاملاً، مقارنة بامتلاكها طائرتين فقط.

خصخصة وإجراءات قانونية

وأكدت المحكمة في حيثيات قرارها بأن المتهم الثاني قام باتباع كافة الإجراءات القانونية في إجراءات خصخصة شركة سودانير والتنازل عن (70%) من أسهمها لشركتي عارف الكويتية والفيحاء القابضة في العام 2007م، وفقاً للتكليف الذي خوَّله له وزير المالية في ذلك الوقت والمتهم المفصول الاتهام في مواجهته لوفاته الزبير أحمد الحسن، الذي كلف المتهم بترؤس مجلس إدارة سودانير لخصخصتها وتسوية حقوق العاملين فيها وإنهاء خدمتهم، وشدَّدت المحكمة على أن المتهم لم يقم بإجراءات التفاوض مع عارف والفيحاء منفرداً وإنما باشتراك أعضاء مجلس الإدارة الـ(8) الذين شملهم قرار وزير المالية، وأشارت المحكمة إلى أن المتهم كمال عبداللطيف، قام برفع تقرير مفصَّل لوزير المالية في ذلك الوقت حول مجريات التفاوض مع شركة عارف الكويتية قبل شهرين من تاريخ التوقيع على عقد الشراكة، ونبَّهت المحكمة إلى أن كمال، انتهت مهمته بالشركة فور توقيع العقد في العام 2007م، وكشفت المحكمة عن تطور الشركة خلال (6) أشهر، من تعيين المتهم الثاني رئيساً لمجلس إدارتها، وذلك حسب إفادة شاهد الاتهام الثالث الذي أكد عن انفراج وتطور شهدته الشركة في عهد المتهم كمال عبداللطيف، وأكدت المحكمة بأن المتهم الثاني كمال عبداللطيف، وقع على عقد الشراكة والتنازل عن (70%) من أسهم سودانير لشركتي عارف الكويتية والفيحاء القابضة بتاريخ 12/6/2007م ممثلاً لحكومة السودان كطرف أول بموجب تفويض من وزير المالية المرحوم الزبير أحمد الحسن، ونبَّهت المحكمة إلى أن المتهم وبموجب توقيع العقد انتهت مهمته التي أوكلت له بسودانير وتم إعفاؤه من منصبه، وأشارت المحكمة إلى أن شركة عارف الكويتية التي دخلت شريكاً بسودانير وتملكت (49%) من أسهمها اتضح بأنها شركة كويتية مسجلة وفقاً لقانون الشركات الكويتي ولا يوجد معلومات لها بالبلاد، في حين أشارت المحكمة إلى أن شركة الفيحاء سودانية التي تملكت (21%) من اسهم سودانير مسجلة وفقاً لقانون الشركات السودان يرأس مجلس إدارتها المتهم الثالث العبيد فضل المولى، ومملوكة لمستثمرين من جنسية كويتية.

مهام وتكليف وتوقيع

وتسلسلت المحكمة في حيثيات قرارها وأكدت بأن المتهم الثاني كمال عبداللطيف، قام بكافة إجراءات خصخصة سودانير وفقاً للمهام التي أوكلت إليه بموجب قرار تكليفه ولم يخالف في ذلك القانون والأسس القانونية المتبعة في خصخصة الشركات والتصرُّف في مرافق القطاع العام، وشدَّدت المحكمة على أن المتهم الثاني قام بالتوقيع على عقد الشراكة بتفويض من وزير المالية بصفته رئيس اللجنة العليا للتصرف في مرافق القطاع العام – إلا أنها أكدت بأنه لا علاقة له مباشرة بفقدان الشاكية سودانير، وأشارت المحكمة إلى أن الاتهام لم يقدِّم أي بينات توضح مخالفة المتهم الثاني لنص المادة 177 من القانون الجنائي والتي تتعلق بخيانة الأمانة للموظف العام فضلاً عن خلو تقرير المراجع العام من أي إشارة تبيِّن اعتداء المتهم على المال العام، وأكدت المحكمة بأن قرار دخول عارف والفيحاء بسودانير صادر من اللجنة العليا للتصرُّف في مرافق القطاع العام وليس المتهم الثاني.

قصور تحري

في ذات السياق كشفت المحكمة عن قصور شاب عملية التحري في الدعوى الجنائية، وذلك لعدم القبض على ممثلي شركة عارف الكويتية بالبلاد والتحري معهم على ذمة القضية – لا سيما وأنه سبق وأن صدر أمر بالقبض على ممثلي الشركة بالبلاد – إلا أنه اتضح بأنها غير مسجلة بالبلاد، وشدَّدت المحكمة كذلك على فشل الاتهام في إثبات الركن المادي للجريمة في مواجهة المتهم الثاني كمال عبداللطيف، وفجَّرت المحكمة مفاجأة داوية كشفت خلالها بأن شركة الخطوط الجوية السودانية حقها بالهبوط والإقلاع بمطار هيثرو الدولي وذلك حسب المستند الفني الذي تحصلت عليه المحكمة من هيئة الطيران المدني.

مجلس إدارة جديد

في ذات السياق أكدت المحكمة في قرارها على أن سودانير شكِّل لها مجلس إدارة جديدة طبقاً لعقد الشراكة بقيادة المرحوم الشريف أحمد بدر، إضافة إلى تعيين مدير مالي للشركة أجنبي، بجنسية باكستانية ومستشار فني يدعى يان باتريك، بجنسية بريطانية وتعيين علي دشتي، نائباً لرئيس مجلس الإدارة، وشدَّدت على أن المدير العام لسودانير الكابتن الراحل عبدالله إدريس، والمستشار يان باتريك، قاما بالتصرُّف في حق الهبوط والإقلاع بمطار هيثرو الدولي المملوك لسودانير واستبداله مع شركة (بي ام اي) الألمانية، وأوضحت المحكمة زمن الهبوط والإقلاع بمطار هيثرو ماهو إلا ترخيص تمنجه سلطة تنسيق مطار هيثرو لشركات الطيران وذلك لاستقلال البُنى التحتية بالمطار حسب ماهو محدد كل شركة بزمن هبط وإقلاع معيَّن بتاريخ وزمن محدَّدين وليس ما يتم تصويره وتناوله في الإعلام بحد قول المحكمة.

فض شراكة

وقالت المحكمة بأن شركة سودانير الشاكية استمرت في شراكتها مع عارف والفيحاء – إلا أنها لم تشهد أي تطور مما استدعى وزير المالية في ذلك الوقت د. عوض أحمد الجاز، تشكيل لجنة للنظر في أمر الشراكة وانتهى عمل اللجنة بفض الشراكة وتنازل عارف الكويتية والفيحاء عن حصتهما بسودانير.

وشدَّدت المحكمة في قرارها على فشل الاتهام في تقديم أي بينات تحدد قيام المتهم الثاني كمال عبداللطيف بأي أفعال تشير للاشتراك مع آخرين، كما أن التصرُّف في مرافق القطاع العام لا يشكِّل جريمة وفقاً للقانون ولا تحتوي على أفعال تجريمية، لا سيما وأن القانون الجنائي نص على عدم قيام جريمة إلا بنص ووقوعها على أرض الواقع.

سداد قيمة أسهم

وأكدت المحكمة في قرارها سداد شركة عارف الكويتية كافة قيمة أسهمها البالغة (80,5) مليون دولار، لوزارة المالية عبر بنك المال المتحدة الذي يقع تحت إدارة بنك السودان المركزي، وأكدت المحكمة في قرارها عدم استلام المتهم الثاني أي مبالغ مالية مقابل دخول عارف بسودانير أو تقصيره في ذلك قانوناً ولا علاقة له بتحصيل تلك الأموال التي تم تحويل (10) ملايين دولار أمريكي، منها بحساب هيئة التصنيع الحربي ببنك أم درمان الوطني، بينما تم توريد (40) مليون دولار، أخرى في حساب بنك أم درمان الوطني، لفك رهن طائرات وتسجيلها لسودانير.

صفة اعتبارية وشخصية

في ذات السياق أعلنت المحكمة تبرئة المتهم الثالث العبيد فضل المولى، من الاتهام على ذمة القضية وأمرت بإلإفراج عنه فوراً، وذلك لعدم توفر بينات للمحكمة ترقى لإدانته، وعابت المحكمة على النيابة إدخال العبيد، في الاتهام بصفته الاعتبارية بينما هو كان يمثل شركة الفيحاء بصفتها الاعتبارية في عقد الشراكة وتملك (21%) من أسهم سودانير، وشدَّدت المحكمة على أن العبيد لم يحتال على سودانير ولا يقوم بإيهامها بإدخال شركة الفيحاء كشريك فيها – وإنما قام بالحصول على الأسهم بموجب تسجيل شركة الفيحاء وفقاً لقانون الشركات السودانية ووقع على عقد الشراكة بصفته رئيساً لمجلس إدارة شركة الفيحاء القابضة، وأكدت المحكمة عدم وجود أي علاقة لشركة عارف الكويتية بالفيحاء، وأشارت المحكمة إلى خلو قضية الاتهام وجميع شهود الاتهام الـ(10) الذين مثلوا أمام المحكمة من أي إفادات تتعلق بخداع العبيد لشركة سودانير، كما أكدت المحكمة عدم حصول المتهم الثالث على أي مال عام أو ثراءً حراماً أو مشبوهاً من خلال توقيعه على عقد تملك شركة الفيحاء (21%) من أسهم سودانير، فضلاً عن عدم حصوله على أي أموال خلال ترؤسه لمجلس إدارة سودانير، كما أكدت المحكمة في قرارها على عدم وجود أي علاقة للمتهم الثالث العبيد فضل المولى، فقدان سودانير لحق الهبوط والإقلاع بمطار هيثرو الدولي.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى