محمد بحاري يكتب : كابلي .. كل الجمال!!

مكتبة الأغنية السودانية مليئة بالفن الرصين والأصيل الذي يشجيك ويأخذك إلى عوالم من الشجن والتطريب وزاخرة لحد بعيد بجميل الكلمة واللحن والأداء، ولكن تبقى مميزات الفنان الأخرى من سلوك وثقافة هي إضافة حقيقية لرصيده الفني، وربما  يكون هناك فنان مميز في الأداء والألحان ويشجيك ويطربك لكنه لا يملك رصيداً ثقافياً خطابياً يمكنه من توصيل أفكاره.

ـ         وكل ذلك بالطبع لا يقدح  في فنه وموهبته، ويمكنك أن تطرب لأدائه الفني لساعات ولكن لا تستطيع أن تحادثه لدقائق معدودات،

ـ         وفي المقابل هناك فنان تسمعه ولا تمله إطلاقاً وهو يغني وهو يتحدث.. وهنا تواردت هذه الخواطر وأنا أستمع للفنان الكبير عبد الكريم الكابلي في  أغنيته الرائعة (ضنين الوعد) التي صاغها شعراً الشاعر صديق مدثر، فصرت أسير الجسد والعقل والفؤاد فكانت فرصة للتأمل ملياً في هذا الإبداع اللامتناهي.

ـ         عبد الكريم الكابلي مدرسة أدائية متفردة، يختار كلماته وألحانه بدقة وعناية فائقة، تغنى بالفصحى فأجاد وأتقن، وتغنى لأبي فراس الحمداني رائعته (أراك عصي الدمع)، وتغني للشاعر الجاهلى يزيد بن أبي معاوية (وأمطرت لؤلؤاً) وتغنى للعقاد (شذى زهر) وغيرها، لذلك  كل أغنية للكابلي تعتبر مدرسة لحنية لها ميزاتها ومعانيها وتغنى كابلي من التراث بخال فاطنة فأجاد وأمتع وأبدع وهو أيضاً غنى من كلماته وألحانه  وأهدى أغنية (يا زاهية) لعبد العزيز داؤد و(مرسال الشوق) لأبوعركي البخيت وأغنية (بريدك والريدة ظاهرة في عيني) لكمال ترباس.

ـ         وأغنية مثل (كل الجمال) تعد من روائع الكابلي كلمة ولحناً وأداء، استطاع أن يجسد من خلالها روعة اللحن وطوع الكلمة لتكون كائناً حياً يتحرك في داخل كل من يسمعها.. تغنى من كلماته وألحانه أيضاً سكر سكر وزمان الناس هداوة البال ومعجب بالضفاير والشعر الدوائر، وزيد في صدودك، وأنا بسأل كتير، ويا ستار علي، وكلميني يا مراية ويا قمر دورين..

مما سبق أستطيع أن أقول إن الكابلي عبقرية سودانية فذة وهذا غيض من فيض، الكابلي الشاعر والملحن والمغني والمثقف..

ـ         من وجهة نظري الشخصية أن الفنان عبد الكريم الكابلي ثروة من ثروات السودان القومية مثله مثل الذهب.. وكنت دائماً أتجاذب أطراف الحديث عن الكابلي مع الفنان الكبير زكي عبد الكريم وعن سفر الكابلي إلى خارج السودان وتقصير الدولة في حق الأستاذ الكابلي، وكان دائماً ما يحدثنى بأن شخصية مثل الكابلي ينبغى أن تكون داخل السودان حتى تصبح مرجعية ثقافية للأجيال الجديدة.

ـ         بتقديري الخاص أن الأستاذ عبد الكريم الكابلي مثله مثل الطيب صالح وعبد الله الطيب قلادة على صدر السودان حق لكل الأجيال أن تفاخر به وتعتز به وفوق الموهبة الشعرية واللحنية والأدائية فهو خطيب مفوه ومثقف.. وفي استطاعتي أن أقول وبكل ثقة إن الكابلي هو مدرسة مكتملة الفصول والمنهج لمن أراد أن يستمع ولمن أراد أن يتعلم، وبالذات لكل الفنانين الشباب عليهم دراسة تجربة الكابلي  الغنائية بشيء من التفصيل والبحث، فهو أهدى هذا الشعب الكثير من الدرر الغوالي من الغناء والمنتوج الثقافى المتعدد الاتجاهات، وفي اعتقادي أننا مدينون له بالكثير جداً، ولن نستطيع أن نوفيه حقه ومستحقه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى