إبراهيم شقلاوي يكتب: استراتيجية سلام دارفور بين وفرة المياه وندرتها

للحديث عن استراتيجية سلام دارفور بين وفرة المياه وندرتها.. لابد من طرح سؤال مهم هل هناك علاقة مباشرة بين توقف برامج التنمية الاجتماعية الممثل في حصاد المياه وتجدد النزاع بين القبائل في دارفور .. مؤكد الإجابة نعم بجانب اسباب اخري لكن مايعنينا هنا الحديث عن برنامج حصاد المياه بوصفه من اهم برامج التنمية الاجتماعية للريف حيث يعد توفر المياه من اسباب خفض التوتر وتجنب النزاعات القبلية في دارفور .. فالتنمية في جميع المناطق تعتبر المدخل الرئيسي للاستقرار واستتباب الأمن وازدهار المجتمعات.. وقد تكشف لنا ذلك من خلال الشواهد في عدد من الولايات السودانية التي استفادت من برنامج حصاد المياه في تعزيز الاستقرار والأمن وتعزيز فرص تنمية الإنسان .

تحدثنا في مقال سابق عن أهمية مشروعات حصاد المياه في السودان ومساهمتها في بسط الامن بعد تنفيذ الخطة القومية المتعلقة بصفرية العطش للعام 2016 في الريف السوداني والتزامها بالخطة الاممية الرامية الي توفير المياه للإنسان والحيوان في دائرة قطرها لايتجاوز الاثنين كيلو متر والتي تم تعديلها علي المستوي الوطني لتتناسب مع طبيعة انتشار السكان في حدود خمس كيلو متر في المرحلة الاولي من اقرب مصدر للمياه حيث عرفت المصادر ب سد؛ حفير؛ بئر .. كما سلطنا الضوء علي سدود حصاد المياه في ولايات دارفور وكردفان واسهامها الفاعل في عودة النازحين واحتواء النزاعات القبلية وانها تعد من الاسباب المباشرة في استقرار السكان في جوانب المرعي والزراعة والصحة والتعليم..

في هذا المقال نواصل حديثنا للتأكيد علي أهمية مشروعات حصاد المياه في تعزيز فرص نجاح اتفاقيات السلام الموقعة مع الحركات المسلحة بما تساهم به في بسط الامن و دعم الاستقرار من خلال توفر المياه والمرعي وعودة النازحين والحد من التداخلات الحدودية في هجرات السكان الموسمية بحثا عن المياه في اوقات الجفاف حيث تعد ندرة المياه وضيق المرعي من الأسباب الرئيسية في إذكاء حدة النزاعات بين القبائل التي تسكن المنطقة والقبائل الاخري ذات الجوار الجغرافي..
وهذا ما تحدثنا عنه سابقا عن اثر مشروعات حصاد المياه في ولايات دارفور من خلال مساهمتها في الاستقرار والأمن .. لذلك وحتي نتجنب تعميق اسباب النزاعات لابد من المسارعة في استمرار هذه المشروعات بتوفير الدعم اللازم عبر الشركاء المحليين والاقليميين
بغرض التوسع فيها و المحافظة علي القائم منها و إيجاد الإدارة المشتركة لاستدامتها.. وتعهدها بالتطوير والحماية اللازمة.. كذلك لابد من الاستمرار بتنفيذ المزيد من هذه المشروعات لضمان الاستقرار و دعم معادلة الشراكة القائمة بين المركز والولايات لضمان الصيانة والتشغيل والاستدامة.

تعد الادارة المتكاملة للموارد المائية من اهم محددات النهضة في إطار اهداف التنمية المستدامة واهداف الالفية التي تتبناها الأمم المتحدة عبر الخطط والبرامج لتحقيق مستقبل أفضل لجميع الشعوب بحلول عام 2030م.. لذلك لابد من منهج سليم تتبناه المؤسسات ذات الصلة بالموارد المائية لمواجهة جملة من التحديات والمتغيرات المائية في الحاضر والمستقبل لتكريس مفهوم استدامة الموارد المائية والاستفادة من العائد.

في هذا الإطار نجد ان وزارة الري السودانية عبر وحدة السدود نفذت عدد من المشروعات ضمن برنامج حصاد المياه في ولايات دارفور وكردفان وعدد من الولايات الاخري والتي تحدثنا عنها في مفتتح هذه المقالات حيث شملت أنشأ عدد من السدود والحفائر والآبار و تأهيل آبار غرب بارا وكبري وادي الملك وتأهيل محطات رصد الامطار وفتح أودية تلس (بلبل وشخارة) في دارفور وكبري ابو زعيمة.

من المعلوم ان تقانة حصاد المياه بالسودان تهدف لجمع وتخزين مياه الأمطار والوديان خلال فترة الخريف( للاستفادة منها خلال فترة الصيف
وتعد من اهم مشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العصر الحديث.. منذ بداية الخطة من جملة 7500 حسب اطلس المياه الذي حدد المناطق المستهدفة تم تتفيذ 38 سد 500 حفير و 700 بئر تعمل بالطاقة الشمسية في كافة ولايات السودان والتي ساهمت بصورة مباشرة في عودة النازحين واحتواء النزاعات القبلية وتوطين المرعي وتوفير مياه الشرب للإنسان والحيوان والزراعة لاسيما في دارفور وكردفان.

اكدت الدراسات ان السودان يملك معدلات عالية للهطول الامطار تعادل اضعاف ايراد النيل وروافده .. وعملت هذه المشروعات علي توفير مياه عذبه ذات جودة عالية تتناسب مع احتياج الانسان.

ان مشروعات حصاد المياه تتمحور حول جملة من الأهداف والتحديات منها توفير مياه الشرب للإنسان والحيوان و دعم الأمن القومي و الإستقرار بتنمية المناطق الحدودية بتوفير المياه لتخفيف الصراع على المياه داخل حدود السودان و مع الدول المجاورة
بجانب تأمين استغلال مصادر المياه الموسمية للأحواض المشتركة
والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي من خلال الاكتفاء الذاتي مع العمل علي تنمية المراعي الطبيعية والغابات ودعم الامن المائي.

ساهمت مشروعات حصاد المياه في تلبية الحوجة العاجلة و زيادة حصة الفرد بالريف من المياه لتتناسب مع إستراتيجية البلاد المائية و تحقيق أهداف الألفية الانمائية من حيث الوفرة و الكمية و الجودة.. وتوطين الرحل و الرعاة ووقف النزاع حول المياه بين المزارعين و تحفيز النازحين للعودة لمناطقهم كما عززت الحماية من السيول والفيضانات
و قللت من الأمراض والأوبئة وعملت علي تحسين الظروف الصحية احدثت قدر من الاستقرار في الريفية وخلق فرص عمل إضافية.. عملت علي محاربة الفقر والجوع والمرض والبطالة.

بدء مشروع حصاد المياه بولاية البحر الأحمر بتشييد 9 حفائر و 4 سدود بسعات كبيرة اهمها سد موج الذي يقع على بعد 30 كليو متر من مدينة بورسودان كذلك سد جبيت الإشراف بمحلية سنكات كذلك تم تأهيل سد سلالاب الذي
يقع فى الجزء الغربي من مدينة بورتسودان بجانب سد اركويت 2 السطحي لتغذية الحوض الجوفى وتثبيت انجراف التربة وتوسعة الرقعة الزراعية
لاهالى المنطقة.

اما في ولاية سنار تم تشييد 25 حفير وعدد من السدود منها سد (ابو قرود) بمحلية الدالي والمزموم وتم تاهيل سد العطشان بالدندر وسد بابنجا بمحلية الدندري
وسد ملوية بمحلية و
سد خور الترو بمحلية الدالي حيث حققت مشروعات الحصاد بولاية سنار الوفرة بعد الندرة والسقيا بعد العطش واصبح الذين بيحثون عن الماء في الماضي للشرب باستطاعتهم الزراعة من خلال مايتم توفيره من مياه.

عمل برنامج حصاد المياه في ولاية النيل الابيض علي الحد من التداخل في المرعي الي جانب توفير مياه الشرب لتجمعات سكانية مناطق من حضر وريف الولاية الي جانب الحماية من الفيضانات حيث تم تشييد عدد من المشروعات 59 حفير وعدد من السدود اهمها سد الاعوج كاكبر سد يمكن انشاؤه علي الاودية الموسمية بمحلية تندلتي الي جانب تاهيل سد المقينص بمحلية السلام حيث شكلت هذه السدود استقرار للسكان بالمنطقة واحدثت تطوير لقطاعات الانتاج المختلفة.

اما في ولاية القضارف والتي تتعدد فيها الانهر والاودية والمنخفضات والبرك والخيران وتتفاوت معدلات الامطار باصقاعها المختلفة وتفقد الولاية كميات كبيرة من مياه الامطار والتي تذهب هدرا اضافة الي الاودية الكبيرة ورغم هذه المياه الكثيرة فان اجزاء واسعة من الولاية يعاني مواطنها من العطش كما ان الولاية تتميز بوجود اهم الثروات الحيوانية الكبيرة.. لذلك شكل شح المياه مشكلة حقيقية وعقبة كوؤد امام تطور ونمو قطاع الثروه الحيوانية بالولاية التي شملت 20 حفير تاهيل سد القريشة الذي احدث تحولا كبيرا في حياة المجتمعات المحلية اقتصاديا واحتماعيا واجتماعيا كما طور في قطاعات الرعي والزراعة.

ولاية الجزيرة تدخل المشروع بعدد 19 حفير و 41 بئر شملت محليات الولاية المختلفة وتمثل حوجة عدد من مناطق الولاية التي تقع في منطقة صخور تنعدم المياه الجوفية وبالتالي يصبح الاعتماد علي حصاد مياه الامطار في فترة الخريف امر ضرور.

تعد ولاية النيل الازرق نموذجا حقيقيا لاختلل المعادلة بين الوفره والندره في المياه في مناطق الولاية التي تعاني الفيضان والغرق خريفا و تئن تحت وطاءة الجفاف والعطش صيفا عندئذ تصبح المياه شي عزيز وتبداء رحلة تستمر طويلا بحثا عن الماء الذي يصعب الحصول عليه حيث تبعد عشرات الكيلومترات في رحلة لا تخلو من الشقاء والعناء والنصب لكثير من المواطنين.
فتتقاسم الاسر المعاناة النساء يذهبن لأميال طلبا لماء يكفي للشرب وبعض متطلبات الحياة اليوميه، والرجال يقطعون مئات الاميال بحثاً عن سقيا للماشية، كان هذا هو المشهد في ولاية النيل الازرق، والعطش هو العنوان الابرز لحياتهم، وكان من الطبيعي لمناطق عديدة تفتقد عصب الحياة أن تكون فاقدة لما سواه، الاهل لا ان هذا المشهد قد تبدل وحلت المعادلة الصعبة بتنفيذ مشاريع حصاد المياه بالولاية ، ليحل مشهد جديد الوفره عنوانه في كل الفصول حيث تم تنفيذ 27 حفير في انحاء الولاية وتم تاهيل سدي (رورو) و(بوط ) بمحلية التضامن وزعت مشروعات الحفائر والسدود التي نفذت في جميع انحاء الولاية لتغطي مناطق الجفاف لاكبر مساحات ممكنة وقد روعي في حفائر شرب الحيوان ان تقع في مسارات للرعاة.

تعتبر الولاية الشمالية واحدة من أكثر الولايات الذاخرة والواعدة في المجالات الزراعية وتكمن مشكلة الزراعة في الولاية الشمالية في ندرة الأمطار الأمر الذي استدعى التفكير في كيفية توفير المياه لتغطية الحاجة الملحة منها فانطلقت مشاريع حصاد المياه بالولاية الشمالية بتأهيل أحواض الري الفيضي وإدارجها ضمن مشروعات حصاد المياه لتلافي مشكلة شح مياه الأمطار واشتملت عمليات التأهيل للوديان باعادة حفر القنوات الرئيسة والفرعية التي تغذي الأراضي الزاعية بالمياه في موسم الدميرة .. حيث يعد مشروع حوض السليم
ومن أهم واضخم ما تم تنفيذه في هذا الجانب حيث يقع بالضفة الشرقية للنيل محاذيا مدينة دنقلا.. يشكل بعداً اقتصادياً هاماً لمنطقة دنقلا وذلك لعمل نسبة كبيرة من سكان المنطقة بالمشروع بالإضافة الي إنتاج عدد من المحاصيل المهمة .

علي الرغم من ان معدلات الامطار بولاية نهر النيل ليس كبيرة لان ان الولاية بها عدد كبير من الاودية والخيران والتي تمتاز بايرادات عالية مما وفر امكانية قيام مشروعات حصاد المياه في عدد من مناطق الولاية حيث تم تنفيذ 10 حفائر بولاية نهر النيل سد المروة بمنطقة الابرق وقد مثلت هذه المشروعات نقلة كبيرة بارياف الولاية خاصة في تلك المناطق التي تشهد فترات جفاف طوية مما انعكس تطورا ونماء علي حيات المجتمعات المحلية بالولاية.
ان مشروعات حصاد المياه في السودان تعد الداعم الاساس لاستراتجية السلام والأمن لاسيما سلام دارفور الذي يقوم علي اهمية تحقيق الاستقرار في الاقليم من خلال توفير مقومات الحياة صحة وتعليم ومعاش وأمن تحرسه التنمية بكل اشكالها ذلك من خلال توفير المياه ومحاربة العطش اذ ان ندرة المياه تمثل السبب الرئيسي في نشوب النزاعات .. لذلك يعد حصاد المياه من المشروعات الاستراتيجية التي يجب ان يستمر العمل فيها حتي تحقق اهدافها المرجوة من استقرار الانسان ودعم استراتيجية السلام في ولايات دارفور وفي جميع الولايات.

بالله التوفيق.؛؛

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى