الإعلام.. مطلوبات لتجاوز مطبّات الأزمات السياسية

حُكماء الصحافة يُطالبون الإعلام بلعب أدوارٍ وطنية

شمو: واجبُنا أن نلعب دوراً قيادياً في مثل هذه الظروف

النور أحمد النور: على الإعلام أن يكون موضوعياً ومتوازِناً

عبد الماجد عبد الحميد: (اشتغلنا) كساسيين لا كإعلاميين

عنقرة: لماذا ترضى الصحافة بالتبعية بينما هي رائدة؟

الساعوري: اكتبوا بموضوعية واتركوا الترجيح للقارئ

 الخرطوم: هويدا حمزة

 شهدت الساحة السياسية منذ فترة حالة من الاستقطاب الداخلي والخارجي، وبالتالي حملات إعلامية مضادة  بعضها عبر الصحف أو الفضائيات الداخلية والخارجية، حيث انقسمت هذه الحملات الإعلامية إلى قسمين، أحدهما يميل إلى المجلس العسكري والآخر إلى جانب قوى الحرية والتغيير، ولكل آليته وتكتيكاته التي يستخدمها في هذا السجال الإعلامي، قوى الحرية فرضت سيطرتها على الشوارع والطرقات عبر آلية المتاريس لقطع الطريق على أي هجمات متوقعة من القوات النظامية، كما وجدت لها متسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي وفي القنوات الفضائية التي تبث رسالتها وفقاً للأجندة السياسية للدولة المالكة للقناة، وقد شهدت بعض القنوات تغييراً كلياً في تلك الرسالة بعد سقوط النظام المخلوع الذي تربطه علاقة تقارب مع  قطر، وبالتالي فقد كانت قناة الجزيرة حذرة أو غير أمينة  في تعاطيها مع الثورة قبل سقوط الإنقاذ، إلى أن شعرت بأن النظام إلى زوال وتعرضها للنقد وانصراف المشاهدين عنها، ومن ثم عادت القناة لتتبنى الثورة، ومازالت تفعل حسب متابعين لمجريات الأحداث على القناة، بينما يجد المجلس العسكري السند من قنوات أخرى معادية لقطر كقناة (العربية).

العين بالعين

فيما مضى، وكرد فعل للتصعيد الذي مارسته قوى التغيير عبر الاعتصام والمتاريس والإضراب، لجأ المجلس العسكري لإيقاف خدمة الإنترنت ففقدت التواصل بين قواعدها فيما يتعلق بإيصال رسالتها أو لقيادة حملات أو تنظيم آليات الاحتجاج، والاستفادة من مساهمة أنصارها عبر الوسائط المختلفة عبر المقاطع المصورة أو المقالات أو التعليقات الساخنة أو الأخبار الموجهة، ولم يبق لها إلا الاستضافات في الفضائيات الخارجية أو حوارات وتصريحات عبر عدد من الصحف السياسية اليومية، في حين اتخذ المجلس العسكري تلفزيون السودان باعتباره جهازاً حكومياً كوسيلة خطاب موجهة لصالح سياساته أو لتوصيل رسالة مضادة لخطاب قوى الحرية والتغيير من خلال حوارات وتصريحات أو نقل خطابات شعبية تنظم من قبل أعضاء المجلس العسكري، كذلك استخدم بث مشاهد فيديو عن ساحة الاعتصام لتوصيل رسالة محددة توضح وجود ما سمي بعناصر المهدادت الأمنية ومخالفات المجامع القيمية هناك، من خلال بعض الممارسات السالبة عبر بعض المعروضات التي تدعم هذا الاتهام بحسب الرسالة التي يهدف إليها منتجوها.

أدوار وطنية       

 حكماء الصحافة ممن استطلعتهم “الصيحة” طالبوا الصحفيين بلعب أدوار وطنية عبر التطرق لملفات القضايا المتعلقة بممسكات الوحدة والعمل على تخطي التجاوزات التي حدثت إبان الهبة الشعبية الجارفة التي اجتاحت عموم البلاد، وأفلحت في اقتلاع نظام تعمقت جذور شجرته ثلاثين عاماً.

طبيعي جداً أن تصاحبه الكثير من التجاوزات من أجهزته القمعية. حالياً تواترت الأنباء حول قبول الطرفين خاصة قوى إعلان الحرية والتغيير التي تمترست حول شروط محددة وضعتها أساساً واجب التنفيذ قبل جلوسها مع الطرف الآخر (المجلس العسكري الانتقالي)، بعد أحداث فض اعتصام القيادة ببنود الوساطة الجديدة التي حملها مبعوث رئيس الوزراء الأثيوبى آبي أحمد بشأن الملف العالق رئاسة وعضوية المجلس السيادي ووضعها أمام الطرفين، ولكن لم تمض الأمور بالاتجاه الإيجابي، فتارة يتراجع المجلس وتارة تتراجع (قحت)..

قائد وليس تابعاً

 الصحفي المخضرم جمال عنقرة، انتهز الفرصة التي منحتها إياه “الصيحة” للحديث عن هذه المسألة بصراحة وقال: (الإعلام عموماً والصحافة خصوصاً،  دائماً ترضى أن تكون تابعاً، وليس رائداً، وهذا دور غير إيجابي، يفترض أن تكون هي صاحبة دور وليس مطلوباً منها أن تلعب دوراً إيجابياً أو سلبياً، ولا زالت الفرصة متاحة لأهل الإعلام جميعاً ليس لأن يكون لهم دور فقط بل لقيادة السودان كله، والقضية الآن ليست قضية مجلس عسكري أو قوى حرية وتغيير، بل هي قصية وطن بكامله، إحدى مشاكل الإعلاميين عموماً والصحفيين خصوصاً أنه تم تصنيفهم هذا في معسكر ذاك وذاك في معسكر هذا، هذا تابع للاتحاد، وذاك تابع للشبكة، وأنا شخصياً أشعر أن أي من المعسكرين يمثلاني، وكذلك قيادات من المجلس أو الحرية والتغيير أيضاً تمثلني، لذلك يجب على الإعلام أن يقود السودان ليس إلى تهدئة بل إلى موقف سواء يعبر بالسودانيين، ولكن عندما ننقسم ونعمل بموقف أحادي، فهذا ليس من مصلحة الوطن، وليس من مصلحة الإعلام، وهذه فرصة لأن أدعو الصيحة لتقود موقفاً وسطاً يجمع الناس جميعاً، وأدعوا الإعلاميين جميعاً حتى لو  اختلفوا أن يكون خطابهم حسناً ويجعلوا الباب موارباً لكل الأطراف .

إعلاميون أم سياسيون              

 ويقدم الكاتب الصحفي، رئيس تحرير صحيفة “مصادر” الأستاذ عبد الماجد عبد الحميد، خارطة طريق للإعلام ليلعب الدور الإيجابي المطلوب منه، وذلك بالتركيز على القضايا الوطنية الأساسية، وعلى المشتركات والتأمين على أن ما مضى مضى،  والاستفادة من سلبيات المرحلة الماضية والتركيز على الإيجابيات على مستوى كل القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني ــ حسب عبد الماجد، والتركيز على صورة البلد الخارجية والفرص المتاحة لها وضرورة التداول السلمي للسلطة، والتوصل لميثاق شرف سياسي يبعد الإقصاء من كل الأطراف، وعدم التشدد. وأضاف محدثي: (أن يكون لدي موقف سياسي مع أو ضد المجلس العسكري مع أو ضد الحرية والتغيير، وأعبر عنه، فهذا لا يعني أنني غير سوداني).

ودعا عبد الماجد الإعلاميين  للابتعاد عن التخوين وضرورة التسامح مع الآخر، وخلق مساحة للتواصل. وأردف: (عادي جداً يمكن للحرية والتغيير أن تفتح حواراً مع المؤتمر الوطني، لأن الأخير لديه مشاكل كثيرة ولديهم رأي  في بعض الممارسات السابقة، ونركزعلى المشتركات، ما الذي يجعلنا نستمع لآبي أحمد، ولا نستمع لناسنا في الداخل، هل أبي أحمد أكثر نضجاً وحكمة من (أسامة داؤود ومحجوب محمد صالح والصادق المهدي مثلاَ)؟ يجب أن نبحث عن عقل جمعي سوداني دون التأثر بما يحدث، وهذا أمر سهل ونستفيد من حالة التشريد السابقة، نحن الآن عدنا للمربع الأول، نحن اشتغلنا كسياسيين أكثر من إعلاميين، ويجب أن نعود كإعلاميين ولو لم نفعل لن نصل لاتفاق.

 بعيداً عن التصنيف

ويفترض  رئيس تحرير الزميلة “الإنتباهة” النور أحمد النور أن يكون الإعلامي موضوعياً ومتوازناً خاصة في طرحه للقضايا الخلافية، وعدم إبراز السالبة والمتطرفة التي تهدد الأوضاع، وتثير الخلافات، وتدعو للعنف والتطرف، وإبراز الجوانب الإيجابية التي تدعو للتوافق الوطني في المرحلة الانتقالية والدعوة للاتفاق حول القواسم المشتركة بين القوى السياسية، لأن المرحلة الانتقالية مرحلة هشة، أكبر قدر من التوافق الوطني ومطالبة جميع الأطراف بإعلاء قيم التسامح والوحدة، ونبذ الأجندة الحزبية الضيقة، وتقديم كل التنازلات الممكنة من أجل المصلحة العليا للسودان. يجب أن يستمع الإعلام لصوت الشارع باعتباره صاحب المصلحة الحقيقية، وليس القوى السياسية فقط، وإبراز دور المجتمع المدني والقيادات الأهلية، وتقديم المصلحة الوطنية على الحزبية، يفترض أن يبتعد الصحفيون عن لغة التخوين والابتزاز، وأي صحفي يجب أن يطرح رأيه  بشجاعة وعدم السماح للقوى السياسية أو الإعلامية المحزّبة بتصنيف الصحفيين بين وطنيين وخونة، لأن هذا من شأنه أن يُحدِث استقطاباً حاداً في المجتمع الصحفي.

لغة معقولة

ويصف الخبير الإعلامي بروفيسور علي شمو، الوضع الآن بالخطير، والنزاع بين طرفين قويين جداً في قضية تتعلق بمرحلة انتقالية للسلطة، والجميع يحتاج في مثل هذه الظروف أن يكون لديهم نفس هادئ ولغة معقولة خالية من الابتزاز والتجاوز، وواجب الإعلام أن يلعب دوراً قيادياً خاصة في مثل هذه الظروف والأزمات التي تمر بها البلاد،  وتوعية الناس بأن البلد مقبلة على وضع خطير، وإذا لم تُدَر الأزمة بحكمة، فيمكن أن تكون النتائج خطيرة جداً، ولدينا مثل يقول (الحرب أولها كلام)، الحرب الكلامية حسب شمو جربناها، وكان لها مردود خطير خاصة في الحرب العالمية الثانية، عندما سمحت الدول المتصارعة لأجهزتها الإعلامية بلعب  دور سلبي في التحريض وتباعد المواقف بين المتنازعين.

ويضيف: (الآن السودان يمر بوضع خطير جداً، والمجلس الانتقالي لديه موقف، وقوى الحرية والتغيير لديها موقف، وبدلاً من استخدام الألفاظ الساخنة والتراشق الإعلامي وما يباعد بين المواقف، يجب استخدام لغة معقولة ومقبولة بعيدة عن التجريح والتحريض، تتوفر فيها كل الكلمات التي تعمل على سلامة هذا البلد.

ويتعجّب شمو في حديث للصيحة من مطالبة الإعلام بعكس الصورة، فهذا ليس صحيحاً، ولكن الإعلام دوره  قيادي، وهو الذي يعكس المواقف لأنه مسئول عن الكلمة التي تخرج، حتى المصدر إذا تجاوز وقال كلاماً يمكن أن يؤدي لنتائج سلبية على الصحيفة وعلى الصحفي أن (يدخّل يدو) في إخراج حديثه بصورة متوازنة، لأن الإعلام مسئول مثله مثل القوى السودانية، وهو ينوب عن الشعب كله، ويجب أن يدعو للوحدة والتقارب وأن الوطن للجميع.

 موضوعية مطلوبة

 بينما يرى المحلل السياسي، بروفيسور حسن الساعوري، أن للإعلام واجبين أساسيين، إذا أراد أن يقول (الحصة وطن) أولهما متعلق بنشر الخبر الصحيح من مصادره دون إبداء رأي، وهذا هو الجزء الأساسي.

ويأخذ الساعوري على الصحف أن معظمها تفرد نصف صفحة فقط خبرية وبقية الصحيفة ليست للأخبار، بمعنى أن الإعلام السوداني ليس لديه تركيز على الأخبار، بينما المواطن محتاج للمعلومات الصحيحة من مصادرها. أما الجانب الثاني فهو التحليلي الذي يجب أن يتسم بالموضوعية، وأقصد تناول أي قضية من جوانبها المختلفة بمحاسنها ومساوئها، ويترك الترجيح للقارئ وهذا الجانب مفقود لدى معظم إعلاميينا، ومنذ البداية يقفز الإعلامي للجانب الإيجابي فقط أو السلبي فقط ــ حسب الساعوري ــ الذي مضى للجانب الثالث الذي تركز عليه كل الصحف الآن وهو المقابلات الصحفية مع الأشخاص وهذه المقابلات فيها كثير من القول، وليس معلوماً إن كان ما قيل عن شخص معين صحيح أو غير صحيح أحياناً بعضهم ينكر ذلك أو يقول إنه تم تفسيره تفسيراً خاطئاً.

أما الجانب الرابع فمتعلق ببعض الجوانب التي يتدخل فيها جهاز الأمن فيبترونها أو يلغونها أو يصادرون الصحيفة، والقارئ لا يعلم بعد ذلك لماذا بُتر الخبر أو ماذا حدث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى